عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05-12-2016, 01:39 PM
بهاء الدين شلبي بهاء الدين شلبي متواجد حالياً
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 56
المشاركات: 6,739
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي حصري: تقنين جلسات العلاج الفردية والجماعية ومخاطر جلسات العلاج المختلطة

تقنين جلسات العلاج الجماعية والفردية


الكاتب: بهاء الدين شلبي.


في بحث لي بعنوان (أهمية عقد جلسات العلاج) أكدت على أهمية عقد جلسات العلاج للمريض بحضور معالج متخصص، له من العلم والخبرة في التعامل مع السحر والسحرة، وعلى دراية واسعة بألاعيب الجن والشياطين وحيلهم التي لا تنتهي، فضلا عن أنه مطلع بسعة خبرته على الكثير من أسرار عالم الجن وخباياهم، فلديه من العلم ما يؤهله للتعامل مع عالم موازي لنا، وبدون تلك الجسات العلاجية لا يكون علاج. وجدير بالذكر أن الراقي وهو من يقوم بالدعاء وترديد الآيات القرآنية، لا يصلح أن يقوم بدور المعالج، ولا أن يحل محله، لوجود فارق جوهري بين المعالج كما بيناه، وبين الراقي وهو مجرد داعي يدعو بما يحفظه من الأدعية، وتلاوة بعض الآيات القرآنية، فدور الراقي يستطيع أي إنسان غير مؤهل أن يقوم به، فليس لديه من العلم ما يتميز به، ويؤهله ليقوم بدور المعالج. وفي الواقع أن الغالبية العظمى ممن يزاولون العلاج هم مجرد رقاة، وغير مؤهلين ليكونوا معالجين، بدليل أن ليس لديهم أية أبحاث علمية تبين وتوضح مدى ما وصلوا إليه من علم يؤهلهم للقيام بهذا الدور، وعجزهم عن تقديم ردود علمية تسد مساحة الجهل الشاسعة بالطب الروحي، وعالم الجن، فردودهم تفتقر للعلم والحجة، وتزيد الجهل حين تخلطه بالجهالات والضلالات وما أكثرها.

وقد فاقت كثرة الرقاة الحد، حتى صارت الرقية مهنة من لا مهنة له، وموردا لكل عاطل يبحث عن لقمة عيشه، حتى أتخموا من وفرة ما يحصلون عليه من أموال طائلة، من وجهة نظرهم حصلوا عليها بطريق مشروع، رغم عجزهم عن الوصول بأغلب المرضى إلى حد الشفاء التام، وإن قلت لأحدهم: لقد رقيت فلانا ولم شفي المريض، فيلجمك بقوله: أنا رقيت، والله لم يقدر الشفاء، أو يفسر لك استمرار علته بأن السحر متجدد، وكأن السحرة تفرغوا للتجديد لهذا المسحور. أو أن القرين متمرد، رغم أن المريض ملتزم بالأذكار. وقد يتمادى في نشر الجهالات فيدعي أن المريض مصاب بسحر سفلي. فلدى كل مدعي علم قائمة من الأعذار والتبريرات لا حصر لها، ولا أول لها من آخر، ليستحل ما دخل جيبه من مال بغير وجه حق.

فمن المفترض أن يقوم المعالج الشرعي صاحب العلم والخبرة بعقد جلسة كشف، يشخص فيها حالة المريض منذ البداية، وقبل أن يدخل في رحلة العلاج، والتي قد تمتد عدة أشهر على أقل تقدير، فالمفترض أنه بعد جلسة الكشف أن يحدد إصابة المريض، وأن يعطيه تقرير شفوي يشرح فيه مدى صعوبة الحالة وتعقيدها، إلى هنا من حقه أخذ الأجر. أما إن عجز عن التشخيص فله أن يكرر جلسة الكشف عدة مرات، فبعض الحالات يكون التشخيص فيها مستعصي بسبب وجود عوائق عند المريض، أو هناك أسحار لتعطيل جلسات العلاج. أذكر في إحدى الحالات المستعصية، بل أصعب حالة وجدتها في حياتي كلها، ولن أقابل مثلها أبدا، استمر التشخيص قرابة الشهرين إلى ثلاثة أشهر، لا أذكر تحديدا على وجه الدقة، بمعدل جلستين يوميا، حتى نطق العارض وتكلم بصيغة المذكر، بدلا من الكلام بصيغة المؤنث، مما فضحه وكشف أن الحالة سحر وليست مرضا نفسيا كما توهم كل من شخصوا الحالة. هذا بعد أن عانت الحالة أكثر من ربع قرن من المرض، مرت خلالها على كبار مشاهير المعالجين والرقاة، وكبار الأطباء النفسيين، وفشلوا جميعا في الجزم بأن حالتها سحر، أم مرض نفسي.

لكني كنت صريحا مع صاحبة الحالة، في أن حالتها صعبة، وتقاضيت أجري عن متابعتها لفترة زمنية محددة بثلاثة أشهر، رغم أن العلاج استمر أضعاف هذا الزمن بكثير جدا، فلم أفرض عليها أجرا، وقبلت ما عرضته علي برضى نفس، وتفرغت تماما لعلاجها فقط، لو أني عالجت خلال الشهرين حالات أخرى غيرها ربما كسبت أضعاف ما اتفقت عليه، ولكن لم يكن هدفي المال مطلقا، بل هدفي كان الوصول للتشخيص، وزيادة العلم والخبرة، فانتقي الحالات الصعبة وبالغة التعقيد لكي أتعلم أكثر، هذا كله بعد إرضاء الله عز وجل، والتوجه إليه وحده بما أقوم به.

وفي واقع الأمر؛ بغض النظر عن صعوبة الحالة، ولكني كنت مصر على تطهير البيت من أي مخالفات شرعية، حتى اكتشف أن والدة المصابة صنعت لها أحجبة عن السحرة والدجالين، وأوهموها أنها بالقرآن، والقرآن لم ينزل ليصنع منه أحجبة، ولفائف، ومعلقات، بل نزل لأعظم من هذا. في كل أسبوع تقريبا كنا نكتشف وجود حجاب كان مخبأ في مكان مختلف، وكانت مصنوعة من الجلد الغليظ، حتى تعذر علي تمزيقها وفتحها، بل تعذر حرقها، فكانت النيران لا تؤثر فيها، حتى اضطررت لسكب بنزين عليها لكي تحترق، وبالفعل بعد التخلص من آخر حجاب بإسبوع واحد تقريبا، سقط العارض في ذلة لسان كشفته، وثبت ما كنت متيقنا منه أن هناك سحر، وفي هذه اللحظة استنشقنا جميعا أنفاسنا، بعد أن كاد اليأس يدب في القلوب مما أقوم به من علاجات، ومحاولات. وبالفعل قنط كل المحيطون بالمريضة من المحاولات، وبدأ من حولها ينصحونها بوقف المحاولات، دون التشكيك في كفائتي كمعالج، لولا مشيئة الله عز وجل، ولولا ثقة المريضة في المعالج لما تمكنا من إكمال المحاولات. في الحقيقة كنت متيقنا حينها من أنها مسحورة بالفعل، لأن الأعراض بحسب خبرتي تجزم أنها مصابة بسحر، وهذا ما دعاني للإستمرار في متابعة التشخيص، ليس لأتأكد بدليل قطعي يثبت إصابتها، ولكني كنت بحاجة لديل يقنع المريضة، ويقنع أهلها بأنها بالفعل مصابة بسحر، حتى وقع العارض في ذلة لسان، وبعدها بدأ يتكلم معي، والمحيطون بها يسمعون له ويصغون، فتيقنوا من إصابتها. وهذه النتيجة في حد ذاتها كانت حلا لأهم معاناة قابلتها المريضة في حياتها، وهي تشكيك أهلها في إصابتها بالسحر، ويرون أنها مريضة نفسيا، رغم أنها أسلم منهم نفسا، وأقوم دينا، وارجح عقلا حتى أنهم كانوا يستفتونها في أمور دينهم ودنياهم. فتعطيل النتائج لم أكن مسؤولا عنه كمعالج، ولم تكن المريضة مسؤولة عنه، ولكن والدتها وما صنعته لابنتها من أحجبة كان هو السبب في إفشال ما نقوم به من جهد دؤوب متواصل.

فإن وجد الحالة مستعصية عليه، فله أحد أمرين يخير المريض بينهما، فإما أن يقر المعالج بحهله ويستأذن المريض في محاولة علاجه عسى أن يصل لنتيجة، وإما يعتذر له عن إكمال علاجه وتنتهي العلاقة بين المعالج عند هذا الحد، ودون ان يستنفذ اموال المريض بغير وجه حق.

فمسألة أنها حلال هذه تخصهم وتخص المريض، لكن إن كان المريض يبحث عن معالج، وتوهم أن الراقي يغني عن المعالج، فهذا فهم خاطئ من المريض، وإن أوهم الراقي المريض بأنه معالج فقد غرر به وخدعه.

والحقيقة أن وفرة الرقاة في مقابل ندرة المعالجين الذين آثروا الانسحاب من مزاولة العلاج الواحد تلو الآخر، فكلما بادر مخلص واجتهد وحصل من العلم، حتى يتراجع بعد فترة، حفاظا على دينه وسمعته، حتى لم نعد نسمع عن المعالجين خبرا. وهذا بسبب اقتران صورة العلاج الشرعي بشبهة الدجل، فالناس لا تميز بين المعالج، والراقي، والدجال، مما تسبب في وجود خلط شائع لدى أغلب الناس، والعلماء خاصة، بين مفهوم المعالج كطبيب عالم، وبين الراقي كمبتهل يدعو الله تعالى. فهم لا يرون على الساحة إلا الرقاة فقط، في حين أن غالبيتهم لا يتحرجون أن يدّعوا العلم، فينخدع فيهم العوام لمجرد أن يستهل العراض صارخا من تأثير الرقية، فيظن العوام أنه رجل على علم وله سطوة على الجن، وأن دعاءه مستجاب، طبعا الدعاء المستجاب مهم جدا، ولكن العلاج الروحي غير قاصر على الدعاء وحده، بل هو تطبيب كما الطب البشري تماما.

فكثير من الرقاة يزعمون أنهم معالجون، رغم أنهم غير مؤهلين للقيام بهذا الدور، ولم يجيزهم من هم أسبق منهم في هذا المجال، فكان فشلهم في العلاج، سببا في تسويد صورة المعالجين ذوي العلم والخبرة، وفتح الباب على أوجه أمام المرتزقة من الرقاة، والمنتفعين من الرقية، لولوج هذا المجال، وبالتالي أوصد الباب في وجه المعالجين الشرعيين ذوي العلم والخبرة، حتى صار عملهم شاذا، وينظر إليه بريبة، وخارجا عن المألوف، رغم أن المألوف والدارج لم يحقق أي نجاحات تذكر، ولكن الناس تسارع وراء أي أمل كاذب، ومكاسب وهمية لن تتحقق.

فهم ينظرون لعلاج الأمراض الروحية من وجهة نظر الشيوخ والدعاة، وبحسب ما يملونه عليهم من مفاهيم، فطالما أن فلان من الناس يرقي بكتاب الله، ويدعو بالأدعية المسنونة فهذا عنهم معالج شرعي، ويتم تزكيته على هذا الأساس، وهذه تزكية باطلة، بل فيها من الإثم ما لا يخفى، فهي توسد الأمر لغير أهله، فيطلقون على الراقي لقب معالج، ويزكونه كمعالج شرعي، وليس كراقي شرعي.

وبكل أسف أنها مفاهيم العلماء عن العلاج مغلوطة، وتنم عن جهل كبير بالطب الروحي، بل لا علم لهم بعلم العلاج الروحي على وجه الإطلاق، ولا يحق لهم تزكية معالج شرعي، إلا من جهة سلامة منهجه من الشركيات فقط، أما علوم الطب الروحي، وأمور الجن، فهذه لا يزكيه فيها إلا من سبقه من أهل التخصص. فوجل علمهم ومعرفتهم بالرقية فقط لا غير، فهم لا يفرقون بين مفهوم (العلاج) ومفهوم (الرقية)، وبالتالي فهم يخلطون في المسميات والمفاهيم، وعلى هذا صارت جميع جلسات الرقية يطلق عليها خطئا جلسات علاجية، رغم انقطاع الصلة بينهما.

وهنا يجب أن نقف على حقيقة هامة جدا؛ وهي أن المريض لا رصيد له من العلم يؤهله للقيام بدور المعالج، ولا يمكنه الاستغناء عن دور المعالج في رحلة علاجه. بل بكل أسف لا أحد يفهم دور المعالج الشرعي، ولا ما يقوم به، وهذا بسبب اختلاط المفاهيم لدى الناس، وتصدير صورة مشوشة ومشوهة عن دور المعالج الشرعي، فالناس لا يمكنها التفريق بين ما يقوم به المعالج الشرعي، وما يقوم به الساحر، فطالما أنهم لا يفقهون شيئا مما يقوم به المعالج ففي ظنهم أنه ساحر أو دجال، فالمعالج دائما متهم، وينظر إليه بنظرة شك وريبة، فبالكاد عقولهم تدرك دور الراقي، فهو يدعو ويردد آيات القرآن الكريم فحسب، فهذا مفهوم لدى الناس، وهو ما يمكن أن تستوعبه عقولهم، فلا يمكنها استيعاب أبعد من ذلك. وسبب تفشي الجهل بدور المعالج إنغلاق عقول الشيوخ والدعاة على مفهوم سطحي للطب الروحي، يخلطون فيه بين دور المعالج والراقي، فلا يعلمون شيئا عما يقوم به المعالج، ولا طبيعة عمله، وكل علمهم منحصر في مفهوم الرقية فقط لا غير، فمن تجاوز بعلمه حدود الرقية فحكمه عندهم أنه دجال أو ساحر.

حتى المعالج إن تعرض للإصابة، وصرعته الشياطين، فرغم أن لديه من العلم والخبرة كمعالج قد صار بحاجة إلى معالج ليعالجه، فيتحول من معالج إلى مريض. فلا يصلح بصفته صار مريضا أن يضع خطة العلاج، ولا أن ينفذها، لأن عقله وما يفكر فيه صار مكشوفا للشياطين المتسلطة عليه، وسيأخذون حذرهم وسيتلاعبون به، فيلجأ المعالج بعد أن صار مريضا إلى معالج آخر يقوم بعلاجه، وإلا فإن اعتمد على نفسه في علاجها، فسوف يستغرق هذا زمنا طويلا، فقد يحتاج لسنوات طويلة، ولكن كل هذا لن يحقق إلا تأقلمه مع حالته، فيتعايش معها في وضع استقرار، لكن هذا لا يعني شفاؤه تماما.

فلا صحة لفكرة علاج المريض نفسه بنفسه، صحيح أنه يمكنه رقية نفسه بنفسه، وهذا لا خلاف حوله، لكن ليس في كل الأحوال يستطيع المريض الرقية ذاتيا، فقد يصرع ويغيب عن الوعي، وقد يكون مربوطا بأسحار ربط بأشخاص آخرين، ربما داخل محيط أسرته، أو عائلته، وربما أشخاص من خارج هذه الدائرة كالأصدقاء، وزملاء العمل، أو مجهولين له تماما، وحينها لن يستطيع التشخيص، ولن يحسن اختيار الرقية الموافقة للحال. وليكن من المعلوم أن سحر الإنس أشد من سحر الجن، لأنه تم بصناعة مشتركة بين الجن والإنس، وبالتالي يصعب ابطاله إلا بتدخل معالج إنسي في مقابل سحرة الإنس، وهذا لفض التشابك بين العالمين. أما سحر الجن فهو مبني على عمل الجن فقط، ولا دخل لسحرة الإنس به، والجهد في إبطاله أسهل لعدم وجود التشابك الذي يعقد إبطاله.

ما يجب أن نعيه هنا؛ أن العلاج يختلف عن الرقية، وهو تعاطي الأساليب الحسية في التعامل مع المرض العضوي والروحي، بينما الرقية هي الدعاء، أو تلاوة بعض الآيات القرآنية، ربما الرقية جزء أساسي من من العلاج، وهي عصب الطب الروحي، بل والطب العضوي أيضا، إلا أنه تم إقصاء دور الرقية من الطب العضوي كتوجه علماني، فصارت تمارس على نحو شخصي بعيدا عن دور الطبيب. فعلاج الأمراض الروحية فرع لا ينفصل عن الطب العضوي، لأن تسلط خادم السحر دائما ما يكون على جسد المسحور، فيعتل البدن لاعتلال الروح، وتظهر عليه أعراض حقيقية أحيانا، ووهمية أحيانا أخرى، وكلاهما قد يكون بفعل الجن، وبتأثير السحر. ولهذا لابد من وجود تقنيات علاجية تتعامل مع أعضاء جسم المسحور، للتخلص من المركبات العضوية للأسحار السارية داخل جسمه. وهذه التقنيات ليست شفاءا من السحر، بقدر ما هي علاجات لوقف بعض أعراض السحر التي يشعر بها المريض، وهذا مما ييسر الوصول إلى إبطال السحر الذي ينتج عنه تلك الأعراض.

حقيقة لا قيمة لعلم العلاج الروحي، ولا وزن للمعالج، إن فصلنا الطب العضوي عن الطب الروحي، فإن كان المعالجون على يقين بأن الجن يدخل جسم الإنسان، فمن الضروري لكي يكون المعالج جديرا بمزاولة العلاج أن لا يكون ملما بعلم التشريح، وعلم وظائف الأعضاء فحسب، بل أن يكون مطلعا قدر الإمكان على مستجدات هذه العلوم، فكلما اكتشفنا معلومات حديثة تطور فهمنا عن الجسم وعمله، وكلامي هذا حجة عليهم، ودليل قطعي على أن بينهم وبين علم العلاج بعد المشرق والمغرب، فهم غير مؤهلين لمزاولة هذا الفرع من الطب.

ففي العلاج أعتمد على الدمج بين الطب العضوي والطب الروحي، وهكذا يعمل المعالجون من الجن المسلم كذلك، وهم أدرى منا بهذا العلم، وأكثر علما منا، فعمر الطب الروحي المعاصر لا يتجاوز ثلاثة عقود، وقبل ذلك كان مزيجا من الرقية والسحر، وخليطا من الشعوذة والدجل. والجن المسلم يحاولون قدر استطاعتهم تسريب المعلومات الصحيحة إلى المعالجين، ولكن فرط غرورهم، وفداحة جهلهم يقفان عائقا وحائط سد يمنع الجن المسلم من تسريب هذه المعلومات إليهم، فغرورهم زين لهم أن لا يقبلوا من الجن المسلم إلا ما يوافق أهوائهم، هذا فضلا عن أن الجن المسلم عز أن يجدوا من المعالجين من يستحق الثمن الفادح الذي يدفعونه لتسريب هذه المعلومات إليه، لأنهم يحرفونها وفقا لفهمهم الشخصي، ويستغلونها لجني المال، وليس لإخراج العلم وتنميته، وتبليغه للناس، فيظل حكرا على بعض الرقاة، بينما يحرم منه آخرون أحق به منهم، لذلك فهم ينتقون من يسربون إليهم المعلومات، ممن يجدون ويبحثون، ويدرسون، ويبلغون الناس، فلا يستأثرون بالعلم لأنفسهم.

أضف إلى هذا أن للشياطين وخدام السحر وسحرة الجن ألاعيبهم وحيلهم لتضليل المريض والمعالج على حد سواء، بهدف صرفهم عن طريقة العلاج الصحيحة، وهذا بإيهام المريض أحيانا ببعض الأعراض الحقيقية، أو إظهار أعراض وهمية أحيانا أخرى، والتي قد يفسرها المريض بإحساسه، لا بخبرة المعالج وعلمه، ويفتعل الجن هذه الأعراض بهدف إفساد التشخيص، وبالتالي إفساد خطة العلاج برمتها. لذلك لابد للمعالج من امتلاك مهارات خاصة قابلة للتطوير، من اجل القيام باختبارات للتأكد من صحة ما يشعر به المريض، وكشف ألاعيب الجن وحيلهم، ومن ثم تشخيص الأعراض على نحو صحيح، مما يفسح أمامه المجال لوضع خطة علاجية مناسبة، وقابلة للتعديل إن حاول الجن التغيير من أسلوبهم للتفلت من تأثير الرقية النازل عليهم. فلا يوجد تشخيص ثابت لأي حالة مرضية، بل التشخيص متجدد بتجدد وتغير الأعراض حتى وإن كانت طفيفة، فمن المحتمل أن يكون لها دلالتها لدى المعالج.

كل الأعراض التي تعتري المريض لا إرادية، ولكن منها أعراض حقيقية موجودة بالفعل، ومنها أعراض وهمية لا وجود، وإنما الألم الذي يجده هو مجرد رد فعل لتأثير في موضع آخر من الجسم. نأخذ مثال؛ قد يشكو المريض من نوبات صداع شديدة، ومتكررة، وبالقراءة على رأسه لا يتوقف الصداع ولا ينقطع. وبفشل الرقية نسأل المريض هل تشعر بألم في موضع آخر من جسمك يسبق شعورك بالصداع مباشرة؟ فإن أجاب بنعم، رقينا المكان الذي يؤلمه أولا، كبطنه مثلا، أو كليته، فيتوقف الصداع فورا، وسبب ذلك أن هناك عصب يسري في الجسم يسمى [العصب الحائر Vagus nerve]، فإذا ضغط العارض على العصب الواصل إلى البطن أو الكلية أو أي عضو آخر، تسبب هذا الفعل في الإحساس بألم شديد في الرأس، فيظن المريض أنه مصاب بنوبة صداع، وإذا رقى المعالج بالنية على رأسه لم يشفى، لأن مسبب الألم ليس مصدره الرأس على الإطلاق، بينما لو نوى بالرقية على موضع الألم الحقيقي توقف الصداع تماما. في هذه الحالة ينكشف كيد الشيطان، وتدرك حيلته، وبالتالي لم يعد لتكرار هذه الحيلة أي أهمية، فيبحث له عن حيلة أخرى. أما في حالة تكرار نفس الحيلة مع اكتشافها، فنعلم أن هذا المريض مسحور له بسحر مخصوص لإحداث هذا الصداع بنفس هذه الطريقة، وهنا نعالج السحر حتى يتوقف الخادم عن عمله. وكما نرى تغيرت طريقة العلاج عدة مرات في وقت واحد، وجلسة واحدة، وهذا يقينا سيعجز عن إدراكه أي معالج يمارس الجلسات المختلطة، لأن ذهنه وعقله مشتت، وهو يقفز من هذا المريض إلى ذاك، وينشغل بهذه الحالة عن تلك، والنتيجة الحتمية الفشل، والذي لا يمكن لأي راقي أو مريض أن ينكر حدوثه.

إذن المريض بحاجة لعقد جلسات علاجية فردية، يفصل بينها فترات زمنية يتزود فيها المريض بجرعات قرآنية تؤهله لتقي الجلسة التي تليها، والتي يتواصل فيها مع المعالج مباشرة، بهدف التشخيص المتغير، حيث تختفي أعراض كانت تظهر بشكل دائم أو متقطع، ويجد ظهور أعراض مختلفة لم تكن تظهر من قبل، وهذا يعني تقدم في العلاج، وبطلان أسحار خدمية كثيرة، كانت تساعد على تثبيت السحر، وتمكين الخدام من الجسد، والنتيجة أن السحر المخدوم يضعف، ويسهل إباطله بسبب التخلص من المعوقات والقضاء عليها.

فهذه الجلسات الفردية تحتاج من المعالج قدر كبير من التركيز، وقدرة على التفاعل مع الأعراض التي يجد ظهورها على المريض. فيوظف اللأدعية المناسبة، والآيات القرآنية ضد ما يجد من أعراض. وتأهيل للمريض بين كل جلسة والأخرى، من خلال النظام العلاجي المؤثر والذي تظهر نتائجه في كل جلسة علاجية.

فمن الأخطاء الشائعة الاعتقاد أن المطلوب من المعالج التخلص مما يشكو منه المريض من أعراض للمس والسحر، وما خيفى عنهم أن هذه الأعراض مجرد مؤشر فقط، يدل على وجود مشكلة كبيرة تحتاج لعلاج للتخلص منها، فإن تخلصنا من الحر اختفت الأعراض، فمسؤولية المعالج ليست تخليص المريض من الأعراض، وإنما القضاء على المسبب لها. وهذا تفكير بديهي! فشخص مثلا مصاب بالصداع، الصداع هنا مجرد عرض، ولكن أسباب الصداع عديدة، لذلك فتناول المسكنات لا تعني زوال المسبب للصداع، بل المسبب موجود، رغم اختفاء الإحساس بالعرض، قس على هذا فالمريض مصاب بسحر مثلا، هذا السحر مخدوم بأسحار متفرعة عنه، كل سحر منها له أعراضه، منها ما هو ظاهر يشعر به المريض، ومنها ما هو خفي لا يشعر به المريض، فإن تخلصنا من أحد هذه الأسحار اختفت أعراضه، ثم يظهر سحر فرعي آخر له أعراض جديدة خلاف أعراض السحر الأول، ويستمر المعالج في التعامل مع كل تلك الأسحار حتى يتجرد السحر الأساس من كل الأسحار الخدمية فيضعف، ثم يتم التخلص منه بكل سهولة.

لذلك فبين الجلسة والأخرى يقوم المريض باتباع نظام علاجي يتفق مع حالته، ويضعه المعالج وفق رؤيته وتقديره لطبيعة الحالة، هذا النظام يضعف الأسحار الخدمية، والفرعية، وفي الجلسة يدعو المعالج بالتخلص من تلك الأسحار، ثم يعيد وضع نظام ملائم تبعا للمستجدات. فما قوم به المريض من اتباع النظام العلاجي يعادل 90% من المطلوب لنجاح الجلسات العلاجية، بينما دور المعالج في الجلسة لا يتجاوز نسبة 10% فقط، لكن لا غنى للمريض عن دور المعالج الذي وضع النظام العلاجي المناسب، والذي يقوم في الجلسة بالتشخيص السليم، واختيار الرقى المناسبة، ثم تجديد وتطوير النظام العلاجي وفق المستجدات. حقيقة أن تعمل الشياطين في جماعات منمظمة، وجيوش مدربة، خاضعة لنظام السخرة، فيسخر القوي منهم الضعيف، ويجور بعضهم على بعض، في نظام يفتقد أدنى معاني الرحمة. إذن فقوتهم في تلاحمهم، ووقوفهم صفا واحدا ضد ضربات المعالج، وهذا يدعوهم لتكثيف الجهود للتصدي لما يقوم به أثناء الجلسات، فإن كان المعالج يعتمد على 90% من جهد المريض، من خلال اتباعه للنظام العلاجي، فإن الشياطين تعمل على خفض تلك النسبة ما استطاعوا لذلك سبيلا، فكلما قلت تلك النسبة قلت معها فرصة نجاح المعالج في عمله، وبهذه الطريقة تخترق الشياطين المعالج وتفشل علاجاته من خلال المريض. طبعا ليس كل المرضى سواء في معدلات الإهمال والاستسلام للشياطين، ولكن المعالج يعي هذه المسألة، ويعلم يقينا أن ما طلبه من المريض لم ولن ينفذ على نحو الكمال، لذلك فمن أهم أولوياته عند عقد الجسات، القيام على هدم وحدة الشياطين وتفكيكها، بهدف عزلهم بعضهم عن بعض، وبالتالي يجهض كل انجازاتهم في فترة اتباع المريض للنظام العلاجي، فالمعالج يتردد على المريض بجلسة كل أسبوع أو أو أسبوعين، أو كل بضعة أيام، الأمر هنا متروك لتقدير المعالج لحاجة الحالة إلى جلسة، وأحيانا يضطر لإرجاءها وتأخيرها، كما في حالة مرور المريضة بفترة الحيض.

هنا لابد للمعالج أن يكون مستوعبا تماما للنظام العسكري لفرق المقاتلين من الشياطين، وطبيعة الخطط القتالية التي يعتمدون عليها، ولكن كما قلنا أن الشياطين تحشد بعضها بعضا في جماعات قتالية متلاحمة، ومنظمة، يعاضد بعضهم بعضا، وهنا يجب أن يعمل المعالج على تفكيك وحدتهم، وتفريق صفهم، بأن يعزلهم بعضهم عن بعض. وهنا قد يعزل أكابرهم وقادتهم عن عناصر جيوشهم، وقد يعزل قادتهم بعضهم عن بعض، وخطة العمل هنا تعتمد على عزل الجيوش عن قادتهم، وعزل القادة عن مرؤوسيهم من القيادات الفرعية، كعزل الساحر عن الخادم. لذلك فالتحصينات المعروفة بين المعالجين تختلف تمام عن فكرة العزل التي سبق وشرحتها في مبحثها، فنحن هنا نعزل أفراد القطيع بعضهم عن بعضهم، فالشياطين تقسم جيوشها إلى فرق تعمل داخل الجسد الواحد، أو تنقسم إلى فرق تتسلط على عدة أجساد داخل جماعة الأسرة الواحدة. تفريق صف القطيع سيدعوهم إلى محاولة التلاحم مرة أخرى، ورأب الصدع أثناء الجلسات، هذا داخل محيط الأسرة الواحدة، لكن في حالة الجلسات المختلطة فهناك صفقات تعثدها الشياطين مع بعضها البعض، والمعالج لا يرى الجن، ولا يدري ما يتم من خفاء، فهناك صفقات تبادل أسحار، وتبادل خبرات، وتناقل معلومات، فهذه الجلسات فرصة ذهبية لاكتساب ما لم تكن الشياطين تكتسبه دون هذا السوق التجاري الكبير الذي أتاحه لهم الراقي المغمور.

ومن هنا دونت بحثي بعنوان (أهمية دور المعالج)، والذي لا يمكن الاستغناء عنه لكشف حيل وألاعيب الشياطين والتصدي لها. في بعض الحالات المرضية يقوم الساحر بربط فرد بعدة أفراد آخرين، وهذا مبالغة منه في تعقيد صياغة السحر، حتى يتعذر إبطاله، ويحتار فيه المعالجون. و(أسحار الربط) قد تكون بين فردين كزوج وزجه كما في أسحار التفريق، أو عدة أفراد قد يكونوا مقربين من المريض كالأسرة، والأصدقاء، أو زملاء العمل، أو قد يكونوا مجهولين له تماما، كما في حال رش السحر في مفترق طرق، فكلما مر فوقه إنسان تلبست به الأسحار، فيصير المسحور مربوط بعدد كبير جدا من الأشخاص لا حصر لهم، فيجب على المعالج جمع الأسحار والتخلص منها بالرقية، وهنا يأتي توظيف الدعاء والرقية بحسب الحال المشخص تشخيصا سليما. وكما في حالات المس والسحر الوراثي، نضطر لعلاج الأم مع أولادها، بصفتهم ورثة الأسحار من بعدها، ولرفع الأسحار الوراثية عنهم. في مثل هذه الحالات يجب عقد جلسات جماعية، تجمع الزوج بزوجته، أو الأم بأولادها، لعلاجهم والتخلص من أسحارهم، أما في حالة السحر المرشوش في مفترق طرق فيعتمد على تجميع الأسحار والتخلص منها، ولا يلزم منه عقد جلسات جماعية.




بحث تحت التدوين





رد مع اقتباس