#11
|
|||||||
|
|||||||
![]() الحدب: وهناك وصف قرآني محدد يتفق والتكوين المعماري للأهرامات، ويثبت أن هناك أهرامات أو عدة سدود، وليس سد واحد أو اثنين، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ) [الحج: 96]، فقوله تعالى: (مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ) يفيد أن هناك حدوب كثيرة سينسلون منها، وليس حدب واحد.في لسان العرب: (حدب: الحدبة التي في الظهر، والحدب: خروج الظهر، ودخول البطن والصدر. رجل أحدب وحدب، الأخيرة عن سيبويه. والحدب: حدور في صبب، كحدب الريح والرمل. وفي التنزيل: (وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ). وفي حديث يأجوج ومأجوج: (وهم من كل حدب ينسلون؛ يريد يظهرون من غليظ الأرض ومرتفعها. وقال الفراء: من كل حدب ينسلون، من كل أكمة، ومن كل موضع مرتفع، والجمع أحداب حداب. والحدب: الغلظ من الأرض في ارتفاع، والجمع الحداب. والحدبة: ما أشرف من الأرض، غلظ وارتفع، ولا تكون الحدبة إلا في قف أو غلظ أرض). وبكل بد فوعاء اللفظ القرآني يستوعب معاني كثيرة تتوافق فيما بينها لتعطي تجسيدا لما يراد تصويره من معنى، فإن أسقطنا معاني كلمة (حَدَبٍ) من قوله تعالى: (مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ) على الهرم كبناء، فسنجد أن الهرم يجتمع فيه جميع المعاني لكلمة (حَدَبٍ)، فهو غلظ من الأرض في ارتفاع، وهو ما أشرف من الأرض، غلظ وارتفع، وهو شديد تحديب الظهر، مقعر جوفه من الداخل. ففي داخل الهرم غرف لم يحصها الأثريون بعد على وجه التمام، فما يزالون حتى يومنا هذا يحاولون اكتشاف جوف الهرم والتعرف عل عناصره المعمارية من الداخل، وهذه الغرف سقفها مقعر في مقابل خروج ظهر الهرم، ويطلق عليها الأثريون مجازا غرفة دفن الملك أو الملكة، وحقيقة لم يعثروا داخل الأهرامات على أية مومياوات، فيما عدا الهرم الثالث عثروا فيه على بقايا عظمية ربما كانت لمتسلل حاول اكتشاف الهرم من الداخل ومات فيه. ![]() السقف الجمالوني داخل الهرم الأكبر يؤكد أنه (حدب) مقعر من الداخل ومحدب من الخارج لاحظ لشكل الجملوني داخل الهرم، الزائرين يرتقون إلى السقف بسلالم خاصة. وهذا يثبت أنه مقعر من الداخل، وهذا يتفق واللفظ القرآني (حدب). ![]() لاحظ تقعر السقف الجمالوني من داخل جوف الهرم الأوسط. فالهرم ليس مسمطا بل مجوف من داخله، وهذا يؤكد أنه أقرب (للحدب) من جهة تكوينه. ![]() لاحظ تقعر السقف الجمالوني من داخل جوف الهرم الأكبر. وهذا التقعر مع بروز ظهر الهرم هو نفس معنى (حدب) باللغة العربية. بوابات يأجوج ومأجوج: فالدلالة اللغوية كما تبين لنا تشير إلى أن هذين السدين أشبه ما يكونا بجبلين شاهقي الارتفاع، يقعان فوق هضبة مرتفعة تطل على سهل يقيم فيه قوم (لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً). حيث وجدهم "ذو القرنين" من دون السدين، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا)، فقوله تعالى (مِن دُونِهِمَا) أي قبلهما من أسفل، مما يعني أن السدين مشيدان فوق هضبة. فحسب ظاهر النص القرآني فإن قوم يأجوج ومأجوج كانوا يخرجون من مكان يقع بين السدين ليفسدوا في الأرض، مما يعني وجود مساحة خالية بين السدين، على ما يبدو أن "يأجوج ومأجوج" حفرا مدخلا لهما فيما بينهما بعد سد المدخلين الذين في الأسفل من كلا السدين الأولين. ![]() سدود يأجوج ومأجوج فوق هضبة مرتفعة وأسفل منها سهل فسيح مأهول لأن "ذي القرنين" كانت وجهته تحديدا إلى المكان الواقع بين السدين (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ)، وفي طريقه إليهما منطلقا من مطلع الشمس، وجد من دون السدين هؤلاء القوم يشكون إليه إفساد يأجوج ومأجوج في الأرض، فقول القوم (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ) يفهم على سبيل الشكوى والتضرر، لا على سبيل إخباره بما يجهل، فلم يكبدوا أنفسهم مشقة وصف إفسادهم، حيث سكت النص عن تفصيل إفسادهم، وهذا يلزم منه أن "ذي القرنين" كان على معرفة تامة بإفساد يأجوج ومأجوج في الأرض. وهذا يدل على أن مكان السدين كان مألوفا له، وأنه على دراية تامة بخصوصية البقعة فيما بين السدين، بدليل أنها كانت هدفه (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ)، إذا فالسد قائم بين سدين شاهقين كالجبل.فإذا كان المفهوم من معنى كلمة (سد) أنه حاجز، إذن نخلص من هذا أن الباب الذي يخرج منه يأجوج ومأجوج ليفسدوا في الأرض يقع تحديدا في مكان وسط بين السدين، والمفترض أن المنطقة التي تقع بين أي جبلين تسمى لغة وادي، ففي لسان العرب: (ابن سيده: الوادي كل مفرج بين الجبال والتلال والآكام، سمي بذلك لسيلانه، يكون مسلكا للسيل ومنفذا...). صورة لأحد الوديان، لو كانت المسافة بين السدين بهذا الضيق، فإنها لا تصلح لتشييد سد ولا لحفر أساسته، لأن قواعد الجبلين متلامستين تماما، والوادي ضيق جدا كما نرى، فمن يتخيل أن السد بني في وادي فقد أخطأ. فإن كان الموقع بين السدين وادي، فحسب المعنى اللغوي فإن المسافة بين السدين ضيقة جدا لا تكفي لحفر أساسات، وبناء سد ضخم كالذي بناه "ذو القرنين"، إنما يلزم أن يكون المكان الواقع بينهما واديا سهلا ممتدا، ذو أرض حجرية قابلة للحفر ووضع الأساسات، وليست بصخرية لا تحفر، ولا طينية فلا تثبت، ولا رملية فلا تستقر. نخلص من هذا أن السدين هما بناءان شيدهما المخلوق، قد يشبهان (من جهة المسمى) الجبل في ضخامته، وأن له قاعدة عريضة، وقمة ضيقة، وأربعة جوانب، كأي جبل نراه في الطبيعة. وأنهما مبنيان على سهل فسيح، وبينهما يقع باب يأجوج ومأجوج. وهذا الوصف أقرب إلى وصف أهرامات الجيزة. ![]() المسافة بين الهرمين سهلة فسيحة ممتدة، والأرض حجرية قابلة لحفر وبناء السد. وفي الوسط يقع مدخل يأجوج ومأجوج. صورة توضيحية لفكرة الكاتب. وفهم البعض إلى أن (السَّدَّيْنِ) هما جبلين عن يمين وشمال هؤلاء القوم الذين (لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً)، وهذا قول فيه قصور من جهة اللغة العربية، حيث أن الكلمة الواحدة تحتمل عدة دلالات مختلفة. هذا بخلاف أن "ذي القرنين" قام ببناء السد بين السدين، مما ينفي إقامة القوم بينهما، وهذا مفهوم يتعارض مع وجود "يأجوج ومأجوج" بين السدين، فلا يصح أن يجتمعوا جميعا في موضع واحد، وإلا اضطر القوم إلى إخلاء المنطقة حتى يبنى فوقها السد. وهذا ينطبق تماما على منطقة تعرف اليوم باسم (نزلة السمان)، فهي قرية صغيرة تقع أسفل هضبة الأهرامات مباشرة، وذلك من قبل المشرق، حيث أقبل "ذو القرنين" من مطلع الشمس إلى السدين صفات القوم بين السدين: وجد ذو القرنين سليمان عليه السلام من دون السدين قوما، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا)، ووصف لنا القرآن الكريم ملامح شخصية هؤلاء القوم، مما يسهم في تحديد هوية هؤلاء القوم، حيث ذكرهم الله تعالى بثلاثة صفات هامة: الأولى: أنهم قوم (لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً)، وعدم الفقه أو قلته، لا يعني بالضرورة أنهم أغبياء، أو حمقى، أو أعاجم لا يعرفون العربية، فمؤكد أن من يستعينون بنبي من الأنبياء هم حكماء وليسوا بأغبياء، ويعرفون "ذو القرنين" بلقبه وشخصه، إذا فهم من سكان المنطقة العربية، ولا يصح أن يكونوا أعاجم. فمن حديث عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)، فمعنى لا يفقه هنا أي لا يتدبر، فمن يقرأ القرآن في ثلاث ليس غبي، ولا أعجمي، ولكن سرعة القراءة تحرمه الفقه والتدبر، إذا يصير معنى الآية (لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً)، أي لا يكادون يتدبرون قولا يطرح عليهم، وهذا لا يعني أنهم أغبياء أو أعاجم، ولكن يتميزون بصلابة العقول، وحدة الرأي، وعدم السلاسة في تفهم الآخرين. الثانية: يتمتعون بالثراء ووفرة المال، ومنصفون في أداء حقوق الآخرين، فطلبوا بناء السد مقابل خراج يقدم إلى ذي القرنين، قال تعالى: (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا)، ولكنه رفض أخذ خراج منهم، واكتفى بما آتاه الله تعالى من خير (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) فهو ملك زاهد فيما في يد الآخرين. في لسان العرب: (الخرج والخراج، واحد: وهو شيء يخرجه القوم في السنة من مالهم بقدر معلوم. قال الزجاج: الخراج الفيء، والخرج الضريبة والجزية؛ وقرئ: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ). وقال الفراء: معناه: أن تسألهم أجرا على ما جئت به، فأجر ربك وثوابه خير). فمن المحتمل أن هؤلاء القوم كانوا يعملون في الزراعة، وفلاحة الأرض، لأن معنى (الخراج) أنه مال يخرج كل عام، أي حين تعطي الأرض خراجها. الثالثة: يتميزون بوفرة العدد، والقوة الجسمانية، فاستعان "ذو القرنين" بقوتهم البشرية قال تعالى: (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ). فلم يستعن بهم في بناء السد، ولكن استعان بهم في أمور محددة يقومون بها، وهي أمورا يسيرة، وهي الإتيان بزبر الحديد، والنفخ في النار، (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا)، أما باقي المهام فتكفل بالقيام بها، بما آتاه الله من علم وقوة، فنبي الله سليمان عليه السلام، آتاه الله العلم، وسخر له شياطين الجن. الرابعة: أن هؤلاء القوم يقيمون في سهل تحت هضبة يعلوها السدين، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) [الكهف: 93]، فقوله تعالى (مِن دُونِهِمَا) أي قبلهما من أسفل. ففي لسان العرب: (دون: دونُ: نقيض فوق وهو تقصير عن الغاية، ويكون ظرفا... وهو من دون الناس والمتاع أي من مقاربهما... ابن سيده.. ودون: بمعنى خلف وقدام... وقال بعض النحويين: لدون تسعة معان: تكون بمعنى قبل وبمعنى أمام وبمعنى وراء وبمعنى تحت وبمعنى فوق وبمعنى الساقط من الناس وغيرهم وبمعنى الشرف وبمعنى الأمر وبمعنى الوعيد وبمعنى الإغراء، فأما دون بمعنى قبل فكقولك: دون النهر قتال ودون قتل الأسد أهوال أي قبل أن تصل إلى ذلك. ودون بمعنى وراء كقولك: هذا أمير على ما دون جيحون أي على ما وراءه. والوعيد كقولك: دونك صراعي ودونك فتمرس بي. وفي الأمر: دونك الدرهم أي خذه. وفي الإغراء: دونك زيدا أي الزم زيدا في حفظه. وبمعنى تحت كقولك: دون قدمك خذ عدوك أي تحت قدمك. وبمعنى فوق كقولك: إن فلانا لشريف، فيجيب آخر فيقول: ودون ذلك أي فوق ذلك) فأقرب معاني لقوله تعالى (مِن دُونِهِمَا) للصواب هي (من قبلهما) و(من تحتهما)، أما سائر المعاني اللغوية فلا يتفق منها شيء مع ظاهر النص. فعلى معنى (من قبلهما) أي إن كان ذو القرنين قادما من قبل مطلع الشمس، فلا بد أن يكون موضع إقامة هؤلاء القوم قبل السدين من جهة المشرق تحديدا. وعلى معنى (من تحتهما) فإن هؤلاء القوم كانوا مقيمين في سهل منخفض بينما السدين يقعان فوق هضبة عالية حتى يكونوا تحتها. فإذا جمعنا بين المعنيين (من قبلهما) و(من تحتهما)، فإن هؤلاء القوم كانوا مقيمين في سهل منخفض يقع مباشرة قبل هضبة يعلوها سدين مبنيين في حجم الجبل. فهذه الصفات مجتمعة من صلابة الرأي في تفهم الآخرين، والقوة الجسمانية، وإنصاف حقوق الناس، تطابق نفس ملامح شخصية سكان صعيد مصر وادي النيل، ولقبهم اليوم (الصعايدة)، ويبدأ صعيد مصر من منطقة الجيزة جنوب القاهرة حاليا حتى آخر حدود مصر، والجيزة هي المنطقة التي بني فوقها الأهرامات الثلاثة، حتى أن الأهرامات يطلق عليها (أهرامات الجيزة). والذي يؤكد أن هؤلاء القوم عرب، وليسوا أعاجم يجهلون العربية، كما ذهب البعض إلى هؤلاء القوم من الصين أو الترك وغير ذلك، أنهم يعرفون ذو القرنين بلقبه ونعته العربي الفصيح، (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ)، إذن فلقب "ذو القرنين" كان دارجا على ألسنتهم، وسليمان عليه السلام معروفا بينهم بلقبه، وليس بغريب عنهم جاء من بلاد بعيدة، فمخاطبتهم له بلقبه يدل على أنهم يعلمون دلالة هذا اللقب، وان له قرن من الجن، وقرن آخر الإنس، وهم على دراية كاملة بأنه الوحيد القادر على بناء السد. وهذه صفة يجهلها عنه سكان المناطق النائية من العالم، وتعلمها الأمم المحيطة بمملكته، إذن نفهم من هذا أن هؤلاء القوم يعيشون في المنطقة العربية، ولا يستقيم أن يكونوا من سكان المناطق النائية من العالم.
|
#12
|
|||||||
|
|||||||
![]() يأجوج ومأجوج: تمثالين يرمزان لقوم "يأجوج ومأجوج" على أنهم عمالقة، وفقا لتصور الأساطير البريطانية، منتصبان في الرواق الملكي، في ميلبورن Melbourne. وهذا مما يدل على عالمية الاعتقاد في حقيقة وجود قوم "يأجوج ومأجوج" لدى جميع الأمم والشعوب.كثرت الأساطير والخرافات حول خلق "يأجوج ومأجوج Gog and Magog" وكأنهم مخلوقات مغايرة للجن والإنس، سواء بين المسلمين أو أهل الكتاب، حتى صنف الكلام عنهم ضمن علم الأساطير والفولكلور رغم أن وجودهم حقيقة ثابت بنص الكتاب والسنة. ولأننا هنا لسنا في بحث مقارن نستعرض فيه المفاهيم الباطلة وننقدها، إلا أنه في حقيقة الأمر لم يثبت في كتاب الله تعالى ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أن "يأجوج ومأجوج" مخلوقات مغايرة للإنس والجن. فقد ذرأ الله تعالى لجهنم كثيرا من الجن والإنس، ولم يذكر معهم جنس ثالث من المخلوقات، فلم يخص الله تعالى قوم "يأجوج ومأجوج" بذكر مع من ذرأ لجهنم، مما دل على أنهم ملحقين بأحد الثقلين من جهة الخلق، فإما أنهم خلق من الجن، وإما أنهم خلق من الإنس، وهذا ما سنقوم بتحديده في هذا المبحث. قال تعالى: (قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ) [الأعراف: 38]. قال تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود: 119]. قال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ) [الأعراف: 179]. حقيقة لم أجد لاسم "يأجوج ومأجوج" معنى في اللغة العربية، فالثابت لغة أن "يأجوج ومأجوج" اسمان أعجميان، ولا اشتقاق لهما من اللغة العربية، لأن الأعجمية لا تشتق من العربية. ![]() لوحة فنية فارسية من القرن السادس عشر تصور تخيلهم لبناء سد يأجوج ومأجوج، حيث تصور مخلوقات شيطانية تقوم ببناء السد بين جبلين، وبمعونة بعض البشر. في لسان العرب (هما قبيلتان من خلق الله، جاءت القراءة فيهما بهمز وغير همز. قال: وجاء في الحديث: أن الخلق عشرة أجزاء: تسعة منها يأجوج ومأجوج، وهما اسمان أعجميان. واشتقاق مثلهما من كلام العرب يخرج من أجت النار، ومن الماء الأجاج، وهو شديد الملوحة، المحرق من ملوحته؛ قال: ويكون التقدير في يأجوج ومأجوج يفعول، وفي مأجوج مفعول، كأنه من أجيج النار. قال: ويجوز أن يكون يأجوج فاعولا، وكذلك مأجوج؛ قال: وهذا لو كان الاسمان عربيين، لكان هذا اشتقاقهما، فأما الأعجمية فلا تشتق من العربية؛ ومن لم يهمز، وجعل الألفين زائدتين يقول: ياجوج من بججت، وماجوج من مججت، وهما غير مصروفين؛ قال رؤبة: لو أن ياجوج وماجوج معا؛ وعاد عاد واستجاشوا تبعا). وبالرغم من أن اسم "يأجوج ومأجوج" أعجمي، إلا أنه ثبت بنصوص صحيحة أنهم يتكلمون بلسان عربي، فربما أنهم يتكلمون بعدة ألسنة، خاصة وأن الأصل في اسمهم أنه أعجمي. وقدر وردت نصوص صحية يتكلمون فيها بلسان عربي فصيح أورد طرفا منها:
(قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدا). (قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله). (فيقولون: قهرنا أهل الأرض، وعلونا أهل السماء!). (فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء!). وهذا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح الجامع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدا. فيعيده الله أشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم، وأراد الله أن يبعثهم على الناس حضروا، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله. واستثنوا، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس، فينشفون الماء، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون سهامهم إلى السماء، فترجع وعليها كهيئة الدم الذي أجفظ، فيقولون: قهرنا أهل الأرض، وعلونا أهل السماء! فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها، والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم ودمائهم). في صحيح الجامع عن النواس بن سمعان الكلابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (... ويبعث الله يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية ، فيشربون ما فيها ويمر آخرهم، فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء! ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر، وهو جبل بيت المقدس، فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض، هلم فلنقتل من في السماء، فيرمون بنشابهم إلى السماء، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما ...). لكن لا يمتنع من هذا أن يتحدثوا بألسنة شتى، ومن جملتها التحدث بلسان عربي. خاصة أنهم سينسلون من كل حدب، مما دل على أن لهم بوابات عديدة في أماكن شتى من العالم، بدليل أننا تعرفنا على السد الذي بناه "ذو القرنين" وهو الهرم الأوسط في هضبة الجيزة، لكن من يدقق في الحديث الشريف سيتبين له أن بعض "يأجوج ومأجوج" من سيأتون من عدة جهات حشودا. ففي الحديث ورد ذكر إحدى الحشود (فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها ويمر آخرهم) وقوله (أوائلهم) جمع أولهم أي أن هناك حشودا كثيرة منهم، فمن يمر منهم ببحيرة طبرية هم أحد تلك الحشود، لأنه قال: (آخرهم) فلم يقل أواخرهم، مما يدل على وجود حشود أخرى يمرون بأماكن أخرى من العالم. (ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر، وهو جبل بيت المقدس) وجبل بيت المقدس يقع إلى جهة الجنوب الغربي من بحيرة طبرية، أي أنهم يأتون من جهة الشمال الشرقي. "يأجوج ومأجوج" من شياطين الجن: ذهب بعض أهل العلم إلى الجزم بأن "يأجوج ومأجوج" من ذرية آدم عليه السلام، وكان سندهم في هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في "صحيح الجامع" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم، يقول: لبيك ربنا وسعديك، فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار، قال: يارب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف - أراه قال - تسعمائة وتسعة وتسعين، فحينئذ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد). فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم واحد، ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة). فكبرنا، ثم قال: (ثلث أهل الجنة). فكبرنا، ثم قال: (شطر أهل الجنة). فكبرنا. وممن ذهب إلى القول بأن "يأجوج ومأجوج" من ذرية آدم ابن كثير رحمه الله فيقول في تفسيره: (ويأجوج ومأجوج من سلالة آدم عليه السلام كما ثبت في الصحيحين (إن الله تعالى يقول: يا آدم! فيقول لبيك وسعديك. فيقول: ابعث بعث النار فيقول: وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة، فحينئذ يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها. فقال: إن فيكم أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج). وقول أهل العلم في خلق "يأجوج ومأجوج" أنهم من الإنس محل نظر، فوجه استدلالهم هو قوله (إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار)، فحملوا النص على أن سيخرج بعث النار من ذريته، أي أن قوم "يأجوج ومأجوج" ممن أخرجهم آدم من ذريته، ومن يدقق في الروايات ويقارن النصوص مع بعضها بعضا، سيتيقن أن المعنى المراد لا يفيد أنهم من الإنس، بل يقينا هم من كفار الجن، وأنهم جميعا في النار. "يأجوج ومأجوج" من الهالكين: وإن بعث النار في استفهام آدم عليه السلام: (يا رب وما بعث النار؟) جاء بلفظ مطلق بدون تخصيص، فهو يستفهم عن ما هو مطلق بعث النار بعمومهم، فلم يكنن سؤالا (على وجه التخصيص) عن بعث النار من الإنس، ولو كان يقصد التخصيص لقال: (وما بعث النار من ذريتي؟) فلم يثبت التخصيص في أي رواية من الروايات، فجاء بيان هذا البعث على وجه الإجمال أنهم (من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين)، فلم يفصل إن كان هذا العدد من الإنس فقط، أم من الإنس والجن معا. إن عدم التفصيل جعل الصحابة يظنون كما حسب كل من لم يدقق النظر بعد ذلك في تفصيل كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود ببعث النار هم ذرية آدم عليه السلام فقط، فجزع الصحابة رضوان الله عليهم، عن ورع وتقوى منهم، وليس عن سوء فهمهم للغة الحديث. لذلك قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم واحد)، فسري عنهم. ففي روايات أخرى عديدة فصل فيها النبي صلى الله عليه وسلم المقصود ببعث النار، وهذه الرواية الصحيحة التي ورد فيها (إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار) هي الرواية الوحيدة التي ذكرت بلفظ (من ذريتك). ففيها إضافة لم ترد في جميع الروايات الأخرى، وهذه الرواية صحيحة من جملة روايات صحيحة مختلفة أخرى لم يرد فيها هذا اللفظ. حيث فصلت الروايات الأخرى المقصود ببعث النار، فأكملت الروايات الأخرى ما سقط من كلام راوي الحديث. حيث فصلت الروايات الأخرى المقصود ببعث النار بأنه عموم الخليقتين، الجن والإنس، وذكرت من ضمنها يأجوج ومأجوج. إذن فبعث النار يشترك فيه الخليقتين، وليس قاصرا على ذرية آدم عليه السلام فقط، لذلك فمضمون الأمر لآدم عليه السلام كان إخراج بعث النار من ذريته فقط، أي من الإنس لا من الجن. في رواية صحيحة عن أنس بن مالك أوردها الطبري في تفسيره قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن معكم لخليقتين ما كانتا في شيء قط إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، ومن هلك من كفرة الجن والإنس) أفرد فيها يأجوج ومأجوج بالذكر كناية عن دخولهم النار جميعا، فلم يستثني منهم أحدا، ثم استثنى الهالكين من كفار الجن والإنس، فدل قوله على دخول عموم يأجوج ومأجوج مع الهالكين من الكافرين، وأن مصيرهم جميعا النار مع من كفر من الجن والإنس، فلم تفصل هذه الرواية إن كانوا من الجن أم الإنس، لكنها أثبتت أن بعث النار لا يشمل يأجوج ومأجوج فقط، ولكن يشمل أيضا كفار الجن والإنس. أفردت الأحاديث الشريفة "يأجوج ومأجوج" بالذكر، فلم تستثني طائفة منهم إلى النار، أو إلى الجنة، مما دل على أن مصيرهم إلى النار جميعا. في حين استثنت النصوص من الإنس الهالكين من بني آدم، والهالكين من الجن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث النار: (وإن معكم لخليقتين ما كانتا في شيء قط إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، ومن هلك من كفرة الجن والإنس)، فجاء قوله عاما جامعا كل (يأجوج ومأجوج)، ثم عطف عليهم (ومن هلك من كفرة الجن والإنس)، فاستثنى الهالكين من كفرة الجن والإنس، وعطفهم على يأجوج ومأجوج، مما دل على أنهم مشتركون في الكفر، وأنهم جميعا هم بعث النار ، فدل على دخول عموم "يأجوج ومأجوج" النار، وليس معناه أن كل بعث النار هم "يأجوج ومأجوج" فقط. فقد أفرد بعض الرواة "يأجوج ومأجوج" بالذكر، إلا أن النصوص الأخرى جزمت أن إفراد "يأجوج ومأجوج" بالذكر لا يمنع دخول غيرهم في بعث النار، سواء من الجن أو الإنس. في رواية صحيحة من قول عمران بن حصين أوردها ابن جرير الطبري في تفسيره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن معكم خليقتين ما كانتا في قوم إلا كثرتاه، فمن هلك من بني آدم، ومن هلك من بني إبليس، ويأجوج ومأجوج). فقوله: (فمن هلك من بني آدم) وهؤلاء هم كفار الإنس، ثم ذكر الخليقة الأخرى فقال: (ومن هلك من بني إبليس، ويأجوج ومأجوج) فعطف (يأجوج ومأجوج) على (بني إبليس)، ولم يعطف (يأجوج ومأجوج) على (بني آدم)، فألحق يأجوج ومأجوج بالجن، الذين منهم إبليس وبنيه، قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) [الكهف: 50]. إذا فيأجوج ومأجوج هما قوم من الجن، وليسوا من ولد آدم عليه السلام كما ذهب بعض أهل العلم. هذا والله أعلم. مسكن "يأجوج ومأجوج": قال تعالى: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ * حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ) [الحج: 95، 96]. فقوله تعالى (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ) أي واجب على أهل قرية (أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ) قال ابن عباس في تفسير الآية: "واجب على قرية أهلكناها أنه لا يرجع منهم راجع". وهذه القرية استوجب أهلها النار والخلود فيها بسوء أعمالهم، لقوله تعالى: (أَهْلَكْنَاهَا) ولها معنيان، المعنى الأول؛ أمتناها، وهذا لا يصح، لأن الله تعالى يتكلم عن قوم أحياء، حيث يقول (أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ)، فلا تصح بمعنى لا يرجعون إلى الله، ولا بمعنى لا يرجعون من الموت، فمن يموت لا يرجع من الموت إلى الدنيا، ومن مات لابد أن يرجع إلى الله تعالى. إنما معناها حرام عليهم أن يرجعوا إلى ما كانوا عليه من إفساد في الأرض، وهذا هو الصحيح، لذلك فهذه القرية كانت ولا تزال على قيد الحياة لم تمت، ولكن أهلكها الله تعالى بأن استوجب أهلها النار والخلود فيها بسوء أعمالهم، وهذا هو المعنى الثاني لقوله (أَهْلَكْنَاهَا). في لسان العرب: (وفي الحديث عن أبي هريرة: إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم؛ يروى بفتح الكاف وضمها، فمن فتحها كانت فعلا ماضيا ومعناه أن الغالين الذين يؤيسون الناس من رحمة الله تعالى يقولون هلك الناس أي استوجبوا النار والخلود فيها بسوء أعمالهم، فإذا قال الرجل ذلك فهو الذي أوجبه لهم لا الله تعالى، أو هو الذي لما قال لهم ذلك ويأسهم حملهم على ترك الطاعة والانهماك في المعاصي، فهو الذي أوقعهم في الهلاك، أما الضم فمعناه أنه إذا قال ذلك لهم فهو أهلكهم أي أكثرهم هلاكا، وهو الرجل يولع بعيب الناس ويذهب بنفسه عجبا، ويرى له عليهم فضلا). فقوم "يأجوج ومأجوج" هم من الهالكين، أي استوجبوا النار والخلود فيها بسوء أعمالهم، فقد كانوا يفسدون في الأرض من قبل أن يحرمها الله عليهم ببناء "ذو القرنين" السد بيننا وبينهم، قال تعالى: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) [الكهف: 94]، حتى إذا استفتحوا بأن استثنوا بأن يقولوا بإذن الله (قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله)، حينها يأذن الله في خروجهم، فيرجعوا ليفسدوا في الأرض مرة أخرى (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ). فكان السد رحمة من الله حتى يأتي وعده بخروجهم فيجعله دكاء، قال تعالى: (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) [الكهف: 98]. وقد قرن النبي صلى الله عليه وسلم قوم "يأجوج ومأجوج" بالهالكين من كفار الجن والإنس، مما يجزم بأنهم استوجبوا النار والخلود فيها. ففي رواية صحيحة عن أنس بن مالك أوردها الطبري في تفسيره قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن معكم لخليقتين ما كانتا في شيء قط إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، ومن هلك من كفرة الجن والإنس). في رواية صحيحة من قول عمران بن حصين أوردها ابن جرير الطبري في تفسيره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن معكم خليقتين ما كانتا في قوم إلا كثرتاه، فمن هلك من بني آدم، ومن هلك من بني إبليس، ويأجوج ومأجوج). وقوله (قَرْيَةٍ) لها معان عدة، في لسان العرب: (والقرية من المساكن والأبنية والضياع وقد تطلق على المدن). إذن يصح القول (مسكن يأجوج ومأجوج)، و(بناء يأجوج ومأجوج) و(ضيعة يأجوج ومأجوج) و(مدينة يأجوج ومأجوج)، والأصح أن نقول؛ (مسكن يأجوج ومأجوج) لأنهم يسكنون جحورا تحت الأرض، فلا هم يقيمون في أبنية شاهقة فوق سطح الأرض، ولا ضياع مزروعة، ولا مدن مسورة ترى الشمس والنور. إذا ربطنا هذه الآية بالتي تليها، سنعلم أن أهل هذه القرية الهالكة، هم "يأجوج ومأجوج" الذين استوجبوا النار والخلود فيها بسوء أعمالهم، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) فقوله (حَتَّى إِذَا) فإن (حَتَّى) حرف جر لانتهاء وغاية، و(إِذَا) ظرفا للمستقبل متضمنة معنى الشرط، لأنه جاء بعدها فعل ماضي (فُتِحَتْ)، والتاء في آخر الكلمة هي تاء التأنيث، عائدة على (قَرْيَةٍ)، و(يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) هو اسم أهل هذه القرية. وقوله (فُتِحَتْ) أي استفتحت فطلبت الفتح بإذن الله، وذلك أن يأجوج ومأجوج لا يستثنون كل يوم، ولكن عندما يستثنون يفتح لهم (قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله. واستثنوا، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس) فيكون المعنى؛ حتى إذا استفتح أهل قرية يأجوج ومأجوج رجعوا إلى إفسادهم في الأرض. ظهور شياطين الجن: نخلص من هذا أن إفساد يأجوج ومأجوج في الأرض، كان من جنس إفساد شياطين الجن، بدليل أنه لا يدان لقوتهم، ففي رواية من حديث صحيح عن النواس بن سمعان الكلابي في صحيح ابن ماجة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذ أوحى الله إليه يا عيسى إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم وأحرز عبادي إلى الطور)، فإن قوله (لا يدان لأحد بقتالهم) دل على فرط قوتهم كجن، وأن لا قبل للبشر بقتالهم. قال تعالى: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ) [الكهف: 94]، والله تعالى أعلى وأعلم إن كان إفساد "يأجوج ومأجوج في الأرض، عن ظهور منهم للبشر حينها، أم كان يتم إفسادهم وهم متخفون عن أعين الإنس. لكن الراجح لدي حسب ظاهر النصوص، أنهم كانوا يظهرون عيانا للناس، بدليل أن الناس كانت تميزهم باسم "يأجوج ومأجوج"، والإنسان لا يميز شخصا باسمه إلا أن يكون ظاهرا له شكلا. بدليل أنهم طلبوا من "ذي القرنين" بناء سد مادي ليحجبهم عنهم، والمادي يحجب ماديا مثله. ولو كانوا متخفين عن أعين البشر لما ظهروا للناس عيانا بعد قتل المسيح عليه السلام للدجال أعاذنا الله من شر فتنته. وهذا بدليل من حديث بسند حسن صحيح عن أبو سعيد الخدري ذكره شيخنا الألباني رحمه الله في صحيح ابن ماجة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تفتح يأجوج ومأجوج فيخرجون كما قال الله تعالى (وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ) فيعمون الأرض وينحاز منهم المسلمون حتى تصير بقية المسلمين في مدائنهم وحصونهم ويضمون إليهم مواشيهم، حتى أنهم ليمرون بالنهر فيشربونه حتى ما يذرون فيه شيئا فيمر آخرهم على أثرهم فيقول قائلهم: لقد كان بهذا المكان مرة ماء. ويظهرون على الأرض فيقول قائلهم: هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم، ولننازلن أهل السماء. حتى إن أحدهم ليهز حربته إلى السماء فترجع مخضبة بالدم فيقولون: قد قتلنا أهل السماء. فبينما هم كذلك إذ بعث الله دواب كنغف الجراد فتأخذ بأعناقهم فيموتون موت الجراد يركب بعضهم بعضا، فيصبح المسلمون لا يسمعون لهم حسا. فيقولون: من رجل يشري نفسه وينظر ما فعلوا. فينزل منهم رجل قد وطن نفسه على أن يقتلوه فيجدهم موتى فيناديهم: ألا أبشروا فقد هلك عدوكم. فيخرج الناس، ويخلون سبيل مواشيهم، فما يكون لهم رعي إلا لحومهم، فتشكر عليها كأحسن ما شكرت من نبات أصابته قط). والشاهد من الحديث هو قوله صلى الله عليه وسلم: (فيقولون من رجل يشري نفسه وينظر ما فعلوا فينزل منهم رجل قد وطن نفسه على أن يقتلوه، فيجدهم موتى فيناديهم ألا أبشروا فقد هلك عدوكم) فقولهم (ينظر ما فعلوا) دليل على إمكان رؤية الرجل لقوم "يأجوج ومأجوج"، رغم أنهم من الجن، وهذه خصوصية وردت في حق "يأجوج ومأجوج" كطائفة مشاهدة من الجن للبشر، مما يدل على عدم امتناع ظهور الجن للناس على إطلاقه، فظهورهم تبعا لمشيئتهم، هذا إن امتلك الجني من القوة مثل ما لقوم "يأجوج ومأجوج". وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى استحالة رؤية الجن على عمومهم، وقولهم محل نظر، وسندهم في مذهبهم قول الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 27]، والشاهد من الآية قوله تعالى (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ) فحملوا كلمة (قَبِيلُهُ) على عموم جنس بني الجن، وهذا فيه مغالطة من جهة اللغة، فقبيله تعني جماعته ولا تعني مطلقا بني جنسه. وعلى هذا فالمعنى اللغوي لكلمة (قَبِيلُهُ) يسقط الاستدلال بالآية الكريمة في غير موضعها، لمن قال باستحالة رؤية الإنس للجن، أو ظهور الجن متجسدين للعيان. في لسان العرب: (القبيل: الجماعة من الناس يكونون من الثلاثة فصاعدا من قوم شتى، كالزنج والروم والعرب، وقد يكونون من نحو واحد، وربما كان القبيل من أب واحد كالقبيلة، وجمع القبيل قبل، واستعمل سيبويه القبيل في الجمع والتصغير وغيرهما من الأبواب المتشابهة). المنكرين هو ما وقع لكثير من الصحابة رضوان الله عليهم، وللكفار، من ظهور شياطين الجن لهم، وهذا ثابت بنصوص صحيحة صريحة الدلالة بلا تأويل لا لبس فيها، ولا شك. إذا فظهور "يأجوج ومأجوج" للعيان في الماضي البعيد، وفي المستقبل القريب، وظهور الشياطين للصحابة والمشركين، ينفي مذهب من قال بامتناع تجسد الجن وتخفيهم عن أعيننا، وينفي الخصوصية الزمانية والمكانية والشخصية، فرؤية الجن ممكن في كل زمان ومكان، ولكل صالح وطالح، ومؤمن وكافر.
|
#13
|
|||||||
|
|||||||
![]()
الأحواض الحجرية:
ذكر الله تعالى أنه سخر لسليمان عليه السلام شياطين الجن، يعملون له ما يشاء، ومما كانوا يعملون له (جِفَانٍ كَالْجَوَابِ)، وهذا من قوله تعالى: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ) [سبأ: 13]، وهذه الجفان هي الأحواض الحجرية التي تخلفت عن بناء سدود يأجوج ومأجوج التي شيدها ذو القرنين، وهو لقب سليمان عليه السلام، وكانت الجفان تستخدم كأحواض حجرية لحفظ ماء الشرب للعاملين في بناء السدود من البشر، وشياطين الجن المسخرين لسليمان عليه السلام. في لسان العرب (الجفنة معروف، أعظم ما يكون من القصاع، والجمع جفان وجِفن ... وفي الصحاح الجفنة كالقصعة). وفي قوله تعالى: (جِفَانٍ كَالْجَوَابِ)، يصف الجفان بأنها كالجواب، لأن (كَالْجَوَابِ) متعلق بنعت لـ (جِفَانٍ). وهذا تشبيه مرسل، والكاف هنا أداة تشبيه، ولمعرفة وجه الشبه يجب أن نتعرف على معنى كل كلمة (جواب). ففي لسان العرب: (الجوبة: الحفرة). قال ابن كثير: (الجواب جمع جابية وهي الحوض الذي يجيء فيه الماء كما قال الأعشى ميمون بن قيس: تروح على آل المحلق جفنة كجابية الشيخ العراقي تفهق وقال علي بن طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما (كالجواب) أي كالجوبة من الأرض وقال العوفي عنه كالحياض وكذا قال مجاهد والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم).ا. هـ وفي لسان العرب: (حوض: حاض الماء وغيره حوضا وحوضه حاطه وجمعه. وحضت اتخذت حوضا. واستحوض الماء: اجتمع. والحوض: مجتمع الماء معروف، والجمع أحواض وحياض. وحوض الرسول، صلى الله عليه وسلم: الذي يسقي منه أمته يوم القيامة. حكى أبو زيد: سقاك الله بحوض الرسول ومن حوضه). وفي لسان العرب: (قصع: القصعة: الضخمة تشبع العشرة، والجمع قصاع وقصع). و(الجواب) مصدرها (جوب) وتشترك مع (جبب) في نفس جذور الكلمة، ومنها فعل (جاب) وهذا من قول الله تعالى: (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) [الفجر: 9]. قال ابن كثير: (يعني يقطعون الصخر بالوادي قال بن عباس ينحتونها ويخرقونها وكذا قال مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد ومنه يقال مجتابي النمار إذا حرقوها واجتاب الثوب إذا فتحه ومنه الجيب أيضا). وبالجمع بين المعاني المختلفة، فإن (جِفَانٍ كَالْجَوَاب) ما هي إلا قصاع يشبهها الله تعالى بالأحواض المحفورة في الصخر، وهي مما كانت تصنعه شياطين الجن لسليمان عليه السلام. قال تعالى: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ). السقاية: والظاهر لدي والله أعلم أن هذه الجفان الصخرية كان يجبى إليها الماء من نهر النيل، ويصب فيها لزوم شرب العمال المشاركين في تشييد السد على كثرتهم، خاصة أنهم يعملون عملا شاقا مضنيا، في منطقة قاحلة، وعلى ارتفاع شاهق. فبكل بد سيحتاج سليمان عليه السلام إلى توفير ماء للشرب لكل هذه الحشود من العاملين، سواء كانوا من شياطين الجن الذين سخرهم الله تعالى له يبنون له ما يشاء، أو حشود القوة البشرية الذين كانوا يجمعون له زبر الحديد. فمعضلة توفير مياه الشرب للعمال كانت تشكل أكبر عقبة تواجه من يفكر في تشييد بناء ضخم كالأهرامات، فوق هضبة صخرية لا يمكن تنضح بالماء إن حفر بئر فيها. وهذا يقتضي وجود عمال للسقاية، كانت مهمتهم ملئ القرب بالماء من نهر النيل، وحمله إلى موقع البناء فوق الهضبة، ليصب في حوض كبير من الحجر يتسع لكمية وفيرة من الماء تكفي حشود العمال من الجن والبشر، وتغطية الحوض بغطاء حجري حتى لا تصل إليه الأتربة جراء العمل ليلا ونهارا، أو وصول الحشرات إليه. ![]() كان فيضان نهر النيل يصل قريبا تحت سفح هضبة الأهرامات في الجيزة حيث كان مصدر شرب البنائين في سد يأجوج ومأجوج، في منطقة تسمى اليوم "نزلة السمان". أما الجرار الفخارية فكانت معرضة للكسر نتيجة انهيار الحجارة حين رفع الصخور أثناء عملية البناء، سوف يفقد العمال من الإنس والجن مصدر الماء، خاصة إن لم يتوفر لهم حوض صخري شديد الصلابة ذو سعة كبير يستوعب حاجتهم من ماء الشرب. لأن عملية نقل الصخور والحجارة كانت تتم بطريقة غير عادية، وتتطلب تنسيق وتنظيم غاية في الدقة، حيث كانت شياطين الجن تعمل بين يدي سليمان عليه السلام، فترفع الحجارة عن الأرض، وتنقلها من مكان إلى الآخر، وترصها فوق بعضها البعض، قال تعالى: (وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ) [سبأ: 12]. هذا بخلاف أن الحجارة الجرانيتية تحافظ على الماء فتعكس حرارة الشمس ولا تمتصها، بينما تبرد الماء ليبقى عذبا باردا سائغا للشاربين في أشد أيام القيظ والحر. وعلى هذا فيبدو أن مهنة "السقا"، لتوصيل مياه الشرب إلى البيوت، أو لبيعها للعطشى في الطرقات، كانت معروفة في زمن بناء السد، واستمرت سارية إلى عهد قريب في مصر حتى انقرضت تماما،. حيث كان نهر النيل في مواسم الفيضان يمتد ماءه حتى يصل إلى قرب هضبة الأهرامات، وبعد انحسار الفيضان كان يتخلف برك مائية كبيرة، وكان هذا قبل تشييد السد العالي، أما اليوم فهذه المنطقة تعرف باسم "نزلة السمان"، وصارت اليوم مزدحمة بالسكان الذين يعتمدون في أرزاقهم على خدمة السياح وتأجير الخيول والجمال لهم. كان نهر النيل يفيض فيصل ماؤه حتى قرب هضبة الأهرامات فيه، فيهدم القرى والبيوت، ورغم هذا لا تزال قرية "نزلة السمان" تحوي تحت أرضها الكثير من الكنوز التي تكتشف حين حفر الأساسات لبناء بيوت جديدة. ثلاثة من السقاة يصبون الماء في "الزير"، وكما يبدو أنه صدقة لعابري سبيل، وكان ولا يزال حتى يومنا هذا متواجد في بعض الطرقات، كما هي عادة المصريين. وبعد أن ينتهي بناء الأهرامات تخلف داخله هذا الحوض، أو جفان الشرب الحجرية، وفي داخل الأهرامات يوجد بالفعل أحواض محفورة من الجرانيت، وهو نوع من الحجارة مغاير لنوع الأحجار الكلسية التي بنيت منها الأهرامات. وهو عبارة عن صخرة جرانيتية منحوتة بتجويف على هيئة حوض هيئة ذات شكل متوازي المستطيلات، ولم يتم العثور داخل تلك الأحواض على أية مومياوات. يزعم الأثريون أن هذه الجفان الحجرية هي مجرد توابيت لحفظ المومياوات، ولكن الملفت في الأمر أن الأحواض الحجرية داخل الهرم الأكبر والأوسط ليسا كسائر التوابيت الحجرية الفرعونية، خاصة وأن هذين التابوتين لا يحتوي جوانب أي منهما على أية نقوش محفورة، سواء تدل على شخصية المتوفى، أو تحمل رموزا ودلالات دينية، حيث لم يتمكن قدماء المصريين من اقتحام هذين الهرمين، والنقش عليهما كعادتهم، فاحتفظت الأحواض بجوانبها بغير نقوش عليها كما تركها من قاموا بحفرها، وهم شياطين الجن لنبي الله سليمان عليه السلام. فعادة ما كانت التوابيت يحفر عليها نقوشا لواجهة قصر أو منزل، وتضاف إليها نقوشا على شكل أبواب ونوافذ وهمية لاعتقادهم أنها تسهل دخول وخروج المتوفى أو روحه، وذلك لاعتقاد المصريين القدماء أن التابوت هو البيت والمقر الدائم للمتوفى في الحياة الآخرة، بينما التوابيت الموجودة في الهرمين الكبير والأوسط خاليان تماما من أي نقوش ومومياوات، وهذا يجزم بأنها ليست توابيت. ولا يصح أن يكون صاحب الهرم والتابوت ملكا، فيأمر ببناء هرم بهذه الضخامة، ثم لا يكلف عماله بتصميم تابوت يحوي نقوشا غاية في الروعة، تتفق وعظمة هذا البناء الضخم وتليق بمن يرقد فيه، ليترك تابوته مجهول الهوية، بغير نقوش تنسبه إلى صاحبه، وهذا مما يؤكد أن الغرض الذي صنع لأجله هذا الحوض ليس لحفظ المومياوات، إنما أطلق الأثريون عليه مسمى تابوت مجازا، وذلك حين أعياهم الوصول إلى معلومات صحيحة عنه. شبهة وجود مومياوات داخل الجفان الحجرية: قد يقول البعض أنه لا يصح أن تكون هذه الأحواض الحجرية جفان لحفظ الماء، بينما تم العثور على مومياوات داخل الكثير منها، خاصة وأن عليها نقوشا محفورة تؤكد أنه تابوت لشخص ما. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد على تابوت تحتمس الأول نقوشا مثل العديد من التوابيت الملكية في الأسرة الثامنة عشرة، من صخور الحجر الرملي المتبلور (الكوارتزيت). الأبعاد: القطر ٤٠ سم الطول ٧٠ سم الارتفاع ٦٠ سم. والطرف المواجه للمشاهد يناظر موقع قدمى المومياء. وتجثم إيزيس فوق العلامة الدالة على الذهب، وتمسك بحلقة "شن" للحماية. وتظهر نفتيس في وضع مماثل؛ على الطرف المقابل من التابوت. وتبدي كل معبودة من الاثنتين على رأسها رمزها الخاص بها؛ فوق غطاء الرأس "الخات"، بالصل المقدس في المقدمة. وكان هذا التابوت ينتمي أصلا إلى الملكة حتشبسوت، بعد اعتلائها العرش. ثم تم نقل مومياء والدها، خصص التابوت لتحتمس الأول. ![]() إن وجود نقوش هيروغليفية تحوي أسماء بعض الفراعنة لا يعني بالضرورة أنهم بالفعل من أمروا بنحت هذه الجفان، بل هناك احتمال آخر ممكن، وهو أنهم عثروا على هذه الجفان الحجرية من مخلفات ما بنته شياطين الجن لسليمان عليه السلام، فاعتبرها حكام مصر الفرعونية موروثا لهم، وتمجيدا لهم أن يدفنوا فيها. ثم نقشوا عليها صورا لمعبوداتهم الوثنية، وطلاسمهم السحرية، وأسمائهم الهيروغليفية، لينسب إنشاؤها إليهم كذبا وبهتانا، فتحولت جفان الماء إلى توابيت لحفظ المومياوات. فلصوص الآثار والحضارات موفرون في كل زمان ومكان، وهذا افتراض غير مستبعد، بل هو الاحتمال الأصوب، خاصة وأنهم عجزوا عن دخول الأهرامات الثلاثة، لأنها كانت مكسوة من الخارج بطبقة سميكة من الحجارة، وليس لها أبواب، وبالتالي لم يتمكنوا من نقش أي كتابات هيروغليفية على الجفان داخل الأهرامات أو سدود يأجوج ومأجوج، حيث لم يتمكن أحد من دخول الأهرامات، اللهم إلا في زمن الخليفة المأمون ابن هارون الرشيد عليه رحمة الله، استطاع عماله دخول الهرم الأصغر فقط. الحوض الحجري داخل الهرم الثاني
|
#14
|
|||||||
|
|||||||
![]()
مكونات السد ومراحل بناءه:
إن تشييد أي مبنى وفق أصول هندسة الإنشاء المعماري لابد وأن يتكون من جزأين، القواعد، والمبنى، بدون هذا التقسيم في تشييد أي مبنى فإنه لا يمكن أن يستقر فوق سطح الأرض، خاصة وإن كان سدا عظيما مثل سد "يأجوج ومأجوج" فلا بد لمؤسسه أن يراعي استمراره قائما لآلاف السنين، وكذلك الوظيفة المنوط بها السد، وعليه فالسد يتكون من ثلاثة أجزاء: الجزء الأول: ردم ما يراد سده تحت سطح الأرض. الجزء الثاني: قاعدة يتم ترسيخها تحت سطح الأرض. الجزء الثالث: مبنى مشيد فوق سطح الأرض. وهذا التقسيم الهندسي نلاحظه في الجبال الشاهقة لابد لها من أساس ممتد تحت الأرض، لذلك سماها الله تعالى أوتادا، قال تعالى: (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) [النبأ: 7]، وهذا مما يساعد على رسوخ الجبال، وثباتها ورسوها قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ) [الرعد: 3]. فوضع الأساسات هي أهم خطوة في الإعداد لبناء أي مبنى في العالم، ورفع القواعد هو أول خطوة قام بها إبراهيم عليه السلام حين قام ببناء الكعبة، فأهمية بناء القواعد لأي بناء أصل هندسي ثابت في كتاب الله العظيم، قال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) [البقرة: 127]. فبناء السد له خصوصية من حيث الوظيفة المشيد لها، حيث يجيب أن يراعى فيه عزل "يأجوج ومأجوج" لمنعهم من الصعود إلى سطح الأرض. وعزلهم كان أول خطوة قام بها "ذو القرنين" عند تشييد السد، وهي ما تناوله القرآن الكريم بالتفصيل في سورة الكهف. قال تعالى: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) [الكهف: 94؛ 96]. موقع الردم: حيث ورد ذكر لفظين منفصلين في محكم الآيات وهما (سَدًّا)، و(رَدْمًا)، فالسد هو مجمل البناء الذي قام بتشييده، ويشمل القاعدة تحت سطح الأرض، والبناء المشيد فوق سطح الأرض. أما الردم فهو خلاف السد، ومتواجد أسفل قاعدة السد، ووظيفته ردم الحفرة التي يخرج منها قوم "يأجوج ومأجوج". فالخطوات التي فصلها القرآن الكريم متعلقة بردم حفرة "يأجوج ومأجوج"، ولا علاقة لها ببناء السد على مجمله، والسبب في هذا أن مرحلة الردم هي أهم مرحلة في بناء السد، لأنها تهتم بالعزل بيننا وبين "يأجوج ومأجوج". فلا أهمية لذكر بناء السد مقارنة بأهمية تفاصيل عزلهم، لأن كيفية تشييد السد من البديهيات المعمارية التي لا تحتاج إلى تفصيل وشرح. لقد حدد ذو القرنين مكان الردم بمنتهى الدقة، فقال: (بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ) ظرف مكان يفيد أن الردم تم عمله في مكان وسط يقع بين البشر فوق سطح الأرض، وبين "يأجوج ومأجوج" في جوف الأرض، فتم عمل الردم في المسافة الفاصلة ما بين سطح الأرض وأعلى التجويف في باطن الأرض. لذلك لا يصح القول بأن الردم تم عمله فوق سطح الأرض، إنما قاعدة السد هو ما تم بناؤه فوق الردم، وفوق سطح الأرض يرتفع جسم السد. فإن كان المدخل إلى "يأجوج ومأجوج" يقع بين السدين، إلا أن مكونات الردم من زبر الحديد والقطر تسد ما بين الصدفين أي جانبي جوف المدخل. إذن الردم المذكور في القرآن والسنة ليس هو جسم السد الظاهر فوق سطح الأرض، ولكن المقصود بالردم هنا ما تم به سد مدخل يأجوج ومأجوج، الحجارة التي سد بها الفتحة أو الباب الموصل إلى تحت الأرض حيث يقيم "يأجوج ومأجوج". وعليه لا يصح القول أن الردم هو عين السد، بل إن الردم جزء لا يتجزأ من بنيان السد. ففي روايتين صحيحتين ذكر الردم على وجه الخصوص فقال: (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج) فخصص الردم بنسبته إلى يأجوج ومأجوج، وذكر مرة على وجه العموم (إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم) فجعلهم يحفرون كامل السد، وليس الردم فقط، مما يفيد اختلاف دلالة الردم عن دلالة السد، وأن الردم جزء من السد. فمن حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر وجهه وهو يقول: (لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج). وعقد بيديه عشرة. قالت: زينب قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (إذا كثر الخبث). ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح الجامع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدا، فيعيده الله أشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم، وأراد الله أن يبعثهم على الناس حضروا، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله، واستثنوا، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس، فينشفون الماء، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون سهامهم إلى السماء، فترجع وعليها كهيئة الدم الذي أجفظ، فيقولون: قهرنا أهل الأرض، وعلونا أهل السماء! فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها، والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم ودمائهم). المرحلة الأولى: تنقسم المرحلة الأولى إلى عدة خطوات، فلابد أولا من حفر الأساس، ثم جمع زبر الحديد، ثم تسوية ما بين الصدفين، ثم النفخ، ثم صب النحاس المذاب. حفر الأساس: عند تشييد أي بناء فأول ما يقوم به البناءون هو حفر الأرض وصب الأساسات، وحقيقة لم يرد في القرآن ذكر أن "ذو القرنين" قام بالحفر لتأسيس السد وتشييده، لأن وضع الأساسات لتشييد أي بناء في العالم من المسلمات التي لا يقدم ذكرها جديدا، بالإضافة إلى أن الأساسات لا بد أن يحفر لها عميقا في باطن الأرض، وبدون حفر لا يكون للأساس وجود، وبالتالي ينتفي وجود بناء للسد. حيث اقتصر القرآن الكريم على ذكر أهم ما اعتمد عليه تأسيس بناء السد من تفاصيل، تعد وثيقة الصلة بمنع يأجوج ومأجوج من الخروج للإفساد في الأرض، فحدد الهدف من بناءه، وبين تفاصيل تحقيق هذا الهدف. فمن الواجب أن نذكر حفر الأساسات عند دراستنا لكيفية بناء السد، كخطوة تهدف إلى إسقاط الآيات في الواقع حتى نستطيع أن نتبين وجه دلالة النص. ولكي نعلم أن القرآن الكريم عندما ذكر ما قام به "ذو القرنين" من عمل، لم يذكر وصفا شاملا لكل خطوات بناء السد، إنما ذكر أهم مراحل وضع الأساس لبناء السد، وبين الحكمة البالغة من تنفيذها، وهذا من عظيم بلاغة كلام الله تبارك وتعالى. وبناءا عليه فليس كل ما ذكره الله تعالى في قصة بناء السد من مراحل هو فقط ما تم بالفعل من عمل، إنما هناك مراحل أخرى من التشييد سكت القرآن الكريم عن ذكرها، لكونها مسلمات، فكان يجب علينا ذكرها عند دراستنا للقرآن الكريم، حتى نسقط الآيات في موضعها الصحيح، وبهذا يستقيم فهمنا لدلالة النص. لذلك فسر ما أورده القرآن الكريم من تفاصيل عن بناء السد على أنها جميع مراحل بناء السد، وبالتالي أهملوا ما سكت عنه القرآن من تفاصيل بديهية، بدونها لم يكن "ذو القرنين" يتمكن من إتمام عمله، من أجل تحقيق الغرض من بناء السد، فلا يمكن أن نتخيل بناء سد بدون أساسات تحجب ما خلفه. وكان جديرا بمن يدرس قصة بناء السد، أن يضع في حساباته جميع المراحل العلمية لتشييد أي بناء، حتى يستطيع تحديد في أي مرحلة قام "ذو القرنين" بما قام به من عمل. لذلك اعتقد الكثيرين أن المقصود بما ذكره القرآن الكريم عن تشييد السد هو الجزء الظاهر منه فقط، وأغفلوا الجزء الأساسي المخفي منه تحت الأرض، هذا والله اعلم. فأول خطوة من المفترض أن قام بها "ذو القرنين" هي إعداد حفرة واسعة وغاية في العمق، حيث بني الهرم الثاني على مساحة 215 متر مربع، وهي بالتأكيد مساحة أقل بكثير مما يفترض أن يحفر، لأن الأساس لابد أن يكون أكثر اتساعا من مساحة قاعدة هيكل السد، لتمكين الأساسات من تحمل ثقل القاعدة العريضة لجسم السد. وفي واقع الأمر فإن الحفر في هضبة صخرية أمر عسير جدا، لذلك فمن الراجح أنه تمت الاستفادة من الحجارة الناتجة عن الحفر في عملية البناء فلم تهدر. وحفر الأساس بهذه الطريقة العملية يحتاج جهدا وزمنا كبيرين، ولكن لأن الله تعالى سخر شياطين الجن لسليمان عليه السلام، فإن البشر لن يتكبدوا أدنى مشقة هذا العمل المضني. وباعتبار أن أي بناء يتكون من أربعة جوانب، فكذلك السد كان له أربعة جوانب، وعليه فإن الحفرة التي ستحتوي الأساس لا بد أن تكون رباعية الشكل، تلتقي أقطارها في المركز حيث يقع باب "يأجوج ومأجوج". ويشترط أن تكون حفرة عميقة جدا بهدف الوصول إلى أعمق نقطة يمكن ردمها تحت الأرض، من أجل سد الباب عليهم وردمه بالحجارة والصخور، وإرساء قاعدة راسخة لبناء السد عليها. لذلك فإن أبعاد هذه الحفرة أطول من أبعاد قاعدة الهرم الأوسط، بمعنى أن قاعدة جسم السد الظاهرة فوق سطح الأرض أقل عرضا من الحفرة. ومن يدقق النظر حول الجانب الشمالي والغربي للهرم الأوسط، سوف يجد جزء ظاهر من جانبي هذه الحفرة، أهمل التعامل معه بسبب ارتفاعه عن منسوب الأرض، حيث كان يجب أن تنخفض قاعدة الهرم عن هذين الجانبين بهدف استواء منسوب سطح الأرض. ![]() يظهر خلف قاعدة الهرم الغربية جزء صخري مرتفع مما تبقى من الجانب الغربي للحفرة، ترك مهملا بسبب ارتفاعه عن منسوب الأرض. ومن يتأمل الأرض حول قاعدة الهرم سوف يتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن الحفر لم يتوقف عند استواء منسوب الأرض فقط، بل امتد عميقا إلى ما تحت مستوى الأرض ذات كتل الصخور الكلسية الضخمة، والمرصوفة بطبقة من صخور البازلت أو الجرانيت، ويتخلل فيما بينها شقوق تدل على حدود كل صخرة. ![]() الأرض حول قاعدة الهرم عبارة عن صخور ضخمة متراصة بجوار بعضها البعض، لاحظ الفواصل بين الحجارة. يبدو أن الحجارة الكلسية المرصوفة حول قاعدة الهرم، هي مما تم استخراجه من الحفرة الكبيرة، ولا يمنع أن تم إضافة حجارة من مناطق أخرى، وذلك لأن الحجارة المستخرجة من الحفرة لن تكفي لبناء جسم السد، والدليل على أنه تم إضافة صخور من مناطق أخر، أننا سنلاحظ وجود كسوة من صخور البازلت السوداء، تشكل طبقة من صف واحد تغطي الحجارة الكلسية تماما، ولكن يبدو أنها مع الزمن تم خلعها والانتفاع بها في مكان آخر، لكن يوجد بقايا يمكن مشاهدتها تثبت ما أشرنا إليه. ![]() طبقة من صخور البازلت تم رصف الأرض بها حول قاعدة الهرم لتغطي الحجارة الكلسية التي تم وضعها في حفرة الأساس. ردم البوابة: بعد حفر أساس السد تحت الأرض، فمن المؤكد أنه سيبلغ إلى أصول مدخل "يأجوج ومأجوج"، باعتباره بئر أو حفرة ممتدة تحت الأرض يعبرون من خلالها إلى سطحها، وحينها بدأ "ذو القرنين" بسد المدخل الذي يخرج منه "يأجوج ومأجوج"، وهذا من قوله تعالى: (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) [الكهف: 95]. فسد الباب عليهم بزبر الحديد ثم صب فوقه النحاس، حتى امتلأت الحفر عن آخرها، وساواه بقاع الحفرة العميقة، فتسطح قاع الحفرة تماما، وبهذا يكون قد تم عمل الردم.في لسان العرب: (ردم: الردم: سدك بابا كله أو ثلمة أو مدخلا أو نحو ذلك. يقال: ردم الباب والثلمة ونحوهما يردمه، بالكسر، ردما سده، وقيل: الردم أكثر من السد لأن الردم ما جعل بعضه على بعض).مرحلة الردم هذه استعان فيها بالقوة البشرية، ولم يقتصر اعتماده في تنفيذها على استخدم شياطين الجن، لقوله: (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ)، أي القوة البشرية، وطلبه المعونة منهم ليس عن عجز منه أو من شياطين الجن، إنما من الواضح أن مرحلة الردم كانت من أخطر المراحل على الإنس من قبل قوم "يأجوج ومأجوج"، فبكل تأكيد لم يسلموا من إفسادهم في الأرض من قبل، وبالتالي لن يسلموا من اعتداءهم إن هم حاولوا أن يسدوا عليهم آخر منفذ لهم إلى سطح الأرض، وعالم الإنس. لذلك ففي هذه المرحلة، كان على "ذو القرنين" مسؤولية التفرغ لتأمين باب "يأجوج ومأجوج" ضد أي محاولة منهم للاعتداء على العاملين في ردم البوابة، حتى يستطيعوا إتمام عملهم بدون التعرض لأية مخاطر. وفي واقع الأمر أن من ذهبوا إليه يشكون إفسادهم في الأرض، لن يستطيعوا الاقتراب منهم لردم الباب عليهم ما لم يتم تأمينهم، ولو كان لهم قبل بقوم "يأجوج ومأجوج" لتكفلوا بهم ولاستغنوا عن الاستعانة به. فكان لزاما الاعتماد على رجل اختصه بالقدرة على التصدي لهم بصفتهم من جملة شياطين الجن، وكما هو معلوم وثابت بصريح النص القرآني، أن سليمان عليه السلام هو من اختصه الله بتسخير شياطين الجن له، قال تعالى: (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ) [ص: 36؛ 38]. لم تكن لدى شياطين الجن، و"يأجوج ومأجوج"، القدرة على معصية أمره، وإلا تعرضوا لأشد العذاب، قال تعالى: (وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ) [سبأ: 12]. لذلك فتأمين مهمة ردم السد ضد عدوان قوم "يأجوج ومأجوج"، كان أهم دور في عملية تشييد السد، وبدون تأمين العاملين لكان بناء السد ضربا من المحال. لاحظ أنه بعد نزول المسيح عليه السلام، سيأمره الله تعالى بتحريز عباده إلى الطور، حيث لا قبل للبشر حينها بقتال "يأجوج ومأجوج"، فمن حديث النواس بن سمعان الكلابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادا لي، لا يدان لأحد بقتالهم . فحرز عبادي إلى الطور). فبالرغم من أن عيسى عليه السلام نبي مرسل، إلا أنه لم يؤتى خصوصية التصدي لهؤلاء القوم من شياطين الجن، بل أمره ربه بالتحرز منهم. فلو كان "ذو القرنين" ملكا ونبيا فقط، لما استطاع مواجهتهم وبناء السد، ولكن لابد أنه كان ملك نبي اختصه الله بخصوصية التصدي للجن، وهذا ما يقطع بأن "ذي القرنين" هو نبي الله الملك سليمان عليه السلام، فلم يختص الله أحد من البشر غيره بتسخير شياطين الجن. في دعاء جامع ضد اعتداء شياطين الجن، علمه جبريل عليه السلام لنبينا صلى الله عليه وسلم، ثبت فيه نصا الاستعاذة بالله تبارك وتعالى، من شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، أي من شر ذرأ في الأرض من شياطين، ومن شر ما يخرج منها من شياطين الجن، أي أن باطن الأرض مأهولة بشياطين الجن. فمن حديث عبد الرحمن بن حنيش التميمي، وحسنه شيخنا الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة: جاءت الشياطين إلى رسول الله من الأودية، وتحدرت عليه من الجبال، و فيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله، قال: فرعب، قال جعفر: أحسبه قال: جعل يتأخر. قال: وجاء جبريل فقال: يا محمد! قل. قال: (ما أقول؟) قال: قل: (أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما خلق و ذرأ و برأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن!)، فطفئت نار الشيطان، وهزمهم الله عز و جل.فالغرض من الدعاء هنا، هو الاستعاذة بالله تبارك وتعالى من شر شياطين الجن، ثم خصص النص كل طائفة من الشياطين، فمنهم من ينزل من السماء، ومنهم من يعرج فيها، ومنهم من ذرأ في الأرض، ومنهم من يخرج منها. إذن يوجد من شياطين الجن من يقيمون في الأرض، ويخرجون منها لإيذاء الناس، وأخبرتنا النصوص عن فريق منهم وهم قوم "يأجوج ومأجوج". جمع زبر الحديد: من المؤكد أن "يأجوج ومأجوج" مع فرط قوتهم، لن يعجزوا عن نقب مكوناته، ولو بعد طول زمن، خاصة وأنه يتخللها فراغات وفجوات من السهل أن تضعف من تماسكها مع مرور الزمن. بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج) وعقد بيديه عشرة. فهم استطاعوا فتح الردم رغم كل ما قام به "ذو القرنين"، وهذا لا يمنع أن يتوكل على الله فيأخذ بالأسباب، ثم يفوض الأمر لله تعالى فهو كفيل بهم قال تعالى: (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) [الكهف: 98]. وبسبب حسن توكل "ذو القرنين" على الله، وأخذ بالأسباب، فإن الله يعيد السد أشد ما كان كلما فتحوه، رغم أن يأجوج ومأجوج يحفرون السد كل يوم، حتى كادوا يرون شعاع الشمس، فمن حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح الجامع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدا، فيعيده الله أشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم، وأراد الله أن يبعثهم على الناس حضروا، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله، واستثنوا، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس، ...). لذلك كان لابد من معالجة تلك الصخور بطريقة تكسبها صلابة، وتسد ما بينها من فجوات وفراغات، ولأن الله آتى سليمان عليه السلام علما عز وجوده في زمانه، فقد أسال له عين القطر أو النحاس المذاب، وورث من علم أبيه داود عليه السلام، إلانة وتطويع الحديد، فقد كان لديه من العلم ما يستطيع به تطويع المعادن وسبكها. وسوف نتعرف كيف استفاد من هذا العلم في إحكام غلق الردم على "يأجوج ومأجوج". أمر ذو القرنين القوم أن يأتوه بزبر الحديد، قال تعالى: (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ)، وهذا يدل على أن خام الحديد لم يكن متاحا له، على خلاف القطر فقد تكفل بإفراغه ولم يطلب منهم أن يوفروه له. وفي لسان العرب: (وزبرة الحديد: القطعة الضخمة منه، والجمع زبر. قال تعالى (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) ... الزبرة القطعة من الحديد، والجمع زبر). وزبر الحديد المستخدمة في تأسيس السد هي عبارة عن قطع من حجارة الحديد الخام، المتوفرة بنسب ضئيلة جدا غير متحد بعناصر أخرى إلا من بعض الشوائب، إلا أن مركباته واسعة الانتشار في التربة والصخور بنسب متفاوتة، وقطع الحديد هي ما تسمى علميا باسم "الحجارة النيزكية Meteorite"، والتي كانت المصدر الرئيسي للحصول على معدن الحديد في ذاك الزمان، حيث لم يعرف بعد استخراج الحديد من المناجم. استخدم المصريون الحديد النيزكي، فهم أوائل من استخدمه، حيث عثر على أدوات مصنعة منه ترجع إلى حوالي عام 3500 قبل الميلاد. وبناءا عليه لم يعرف بعد صهر الحديد وسباكته ليتم سحبه وتشكيله على هيئة قضبان أو كتلا ضخمة منه، إنما كانوا يجمعون تلك الحجارة النيزيكية من الصحراء حولهم. عرف الإنسان الحديد منذ القدم، يجمع كحجارة صلبة من على سطح الأرض، حيث كانت تهبط من السماء فيما يعرف بالحديد النيزكي. لذلك تم تقديسه ويسميه معدن السماء أو معدن الآلهة، وفي نيجيريا على سبيل المثال عرفوا عبادة الإله أوغن Ogun إله الحديد، وهو خلاف الإله أوغون Ogoun إله الحرب والنار لدى الهنود الحمر. ولم يعرف الإنسان الحديد مصهورا إلا عن طريق الحمم البركانية، وما تخرجه البراكين من معادن مختلفة مصهورة ومختلطة منها الحديد. وعلى هذا فقد كان الحديد يحتوي على قدر كبير من الشوائب، هذا بخلاف أن الحديد وحده يعد عنصر لين إن لم يسبك مع معدن آخر يكسبه صلابة وقوة، لذلك كان صهر الحديد والمعادن يحتاج إلى نار حامية تنقيته من الشوائب، والوصول بالنار على درجة حرارة عالية هو ما لم يتوفر قبل عهد داود وسليمان عليهما السلام. ومن الواضح أنه استخدم كمية هائلة من زبر الحديد، هذا إذا عرفنا أن الصدف كل شيء مرتفع عظيم كالهدف والحائط والجبل. حيث ارتفع بحجارة الحديد حتى ساوى بين جانبي قاعدة السد قال تعالى: (حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ)، أي ساوى بين الصدفين بحجارة الحديد. وغزارة كمية الحديد كانت تطلب ولا شك عدد غفيرا من القوة البشرية، وهذا شاهد على قوة هؤلاء القوم وغزارة عددهم حين ذاك، قال تعالى: (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا)، وهذا يدل على أن المقصود بالقوة هنا هي القوة البشرية، وكناية وكثرة عدد الأفراد المشاركين في جمع زبر الحديد، وكذلك القوة المالية نظير ما يقدم من أجور لهم على عملهم هذا. ومصدر الحديد هو الحجارة التي تكونت في الفضاء الخارجي وارتطم بسطح الكرة الأرضية ويطلق عليه اسم "الحجر النيزكيMeteorite "، وميتيورايت اسم مستمد من أصل يوناني، بينما يطلق على هذا الجسم وهو في الفضاء اسم "الجسيم النيزكي meteoroid" أو النيزك الدائر حول الشمس، وعندما يقترب من الأرض يزداد ضغط الجسم فترتفع حرارته ويسطع ضوئه، فيتحول إلى شبه كرة نارية، وهو ما يطلق عليه "الشهاب النجميmeteor "، وتم العثور على حجارة نيزكية على سطح الأرض والقمر والمريخ والمشتري. وما يطلق عليه "الشهاب النيزكي Meteor " عبارة عن الوميض المذنب الذي نراه يسطع ليلا في السماء، نتيجة اشتعال الحجر النيزكي، أما الحجر نفسه فيسمى "الجسيم النيزكيMeteoroid " وهو جسيم صغير الحجم لا يتعدى المليمترات، ومعظمها تتبخر أو تتلاشى عندما تدخل في الغلاف الجوي قيل وصولها لسطح الأرض، وإلا ارتطمت بالأرض، وحينها يطلق عليها "الحجر النيزكي Meteorite" وغالبا ما تكون الحجارة النيزكية ضئيلة الحجم، فقد يتراوح وزن الحجر منها ما بين جرامات، ومنها ما قد يصل إلى حجم صخرة تزن مئات الكيلوجرامات. وتقسم الأحجار النيزكية Meteorites حسب تركيبها إلى ثلاثة أقسام: النوع الأول Stony meteorite: والتي تقسم إلى نوعين آخرين هما chondrites وachondrites. معظم الأحجار النيزكية التي اكتشفت على سطح الأرض ترجع لهذا النوع. وحوالي 68٪ من الأحجار النيزكية تسقط على الأرض هي من النوع chondrites التي تتصف بأنها صغيرة الحجم ودائرية وتحتوي معظمها على معادن السيليكا والتي تبدو منصهره على طريق السقوط قبل ارتطامها بالأرض. النوع الثاني Stony-iron meteorites: وهذا النوع من الأحجار النيزكية تحتوي على معادن السيليكا وكمية كبيرة من المواد المعدنية والمواد الصخرية، أي تحتوي على خليط من الحديد السيليكا. النوع الثالث Iron meteorites: والتي تحتوي على المواد المعدنية وحديد النيكل. وفقط 6٪ من الجسيمات النيزكية من النوع الحديدي. وعلى هذا فالحديد معدن ينزل من السماء على هيئة نيازك حجرية، فهو معدن من خارج نطاق الكرة الأرضية،قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) [الحديد: 25]. وهكذا تعرفنا على أنواع زبر الحديد وأشكالها المختلفة، حتى نتصور ما قام أهل (صعيد مصر وادي النيل) بجمعه من زبر الحديد، فهم من ساهموا بقوتهم البشرية في بناء السد، فإن كان البناء تم بإشراف نبي الله سليمان عليه السلام، فلا حق لليهود اليوم أن ينسبوا لأنفسهم فضل العمل في بناء السد، بل المصريين هم من أسهموا في بناءه. التسوية بين الصدفين: ولأن الردم يتكون من حجارة الحديد، فمن المتيسر على "يأجوج ومأجوج" نقب هذا الحجارة وتفتيتها، ليتيسر خروجهم من تحت الردم إلى سطح الأرض. لذلك استمر في ردم الحفرة عن آخرها بزبر الحديد حتى ساواها بسطح الأرض، قال تعالى (حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) [الكهف: 96]. و(الصَّدَفَيْنِ) هما جانبي الحفرة. في لسان العرب: (الأصمعي: الصدف كل شيء مرتفع عظيم كالهدف والحائط والجبل. والصدف والصدفة: الجانب والناحية. والصدف والصُّدف: منقطع الجبل المرتفع. ابن سيده: والصدف جانب الجبل، وقيل الصدف ما بين الجبلين، والصُّدف لغة فيه؛ عن كراع). فذكر الله تبارك وتعالى صدفين، أي جانبين فقط، ولم يذكر الصدفين الآخرين، لأنه بداهة أي حفرة سواء كانت رباعية أو دائرية، لابد له من أربعة جوانب، فإن ذكر جانبين يقتضي وجود جوانب أخرى. فإذا ساوى بين صدفين من أي جهة، شمالية وجنوبية، أو شرقية وغربية، فسوف يستوي ما بين الصدفين الآخرين تلقائيا، وعليه فلا حاجة لذكر الصدفين الآخرين في الآية، وهذا من بلاغة القرآن الكريم. ولا يصح حمل الصدفين على أنهما جانبي الجبلين، لأن لفظ السدين لا يفيد وجود جبلين، إنما يفيد حسب القراءتين بضم السين وفتحها أنهما حاجزان د أشبه بالجبل، وقد تقدم بيان هذا مفصلا. خاصة وأن معنى الردم يفيد سد الحفرة أو الثلمة، والثلمة حسب لسان العرب هي (الخلل في الحائط وغيره) وهذا يسري على الحفرة في الأرض. وعليه فالردم لا يصح أن يقام بين جانبي جبلين، لأن جانبي الردم من أمامه وخلفه لا يستندان إلى جدارين، ولم يرد في الآيات ذكر لبناء جدارين، وحتى الصدفين الوارد ذكرهما لم يذكر أنه قام بتشييدهما، مما دل على وجدهما مسبقا. بينما الحفرة مخروطية الشكل يقل قطاعها كلما نزلنا إلى أسفل، بحيث يساعد ميل جوانبها وانحدارها على صعود "يأجوج ومأجوج" ونزولهم في الحفرة، لتنتهي بفتحة ضيقة تحت الأرض تطل على قوم "يأجوج ومأجوج". فلا يوجد حول الحفرة خلل أو فراغ، لأن حوافها تحجز زبر الحديد من جميع جوانبها، حتى ساواه بجميع جوانبها فسدت الحفرة تماما. النفخ: بعد إعداد زبر الحديد، (قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا) [الكهف: 96]، أي جعله متأججا، فلم يصل به إلى حد الانصهار، حيث أمرهم بالنفخ فقال: (انفُخُوا)، بينما تولى هو (جَعَلَهُ نَارًا)، مما يعني أنه قام بجزء من مهمة إشعال الحديد نارا، وإشعال الحديد لا يقتصر على النفخ فقط، فكان لابد من توفير وقود، بالإضافة إلى أن تأجيج مساحة شاسعة وكمية هائلة من زبر الحديد تحتاج إلى بناء فرن ضخم جدا، وأن يكون ذو فتحات تهوية تسمح بتمرير الهواء إلى داخل هذا الفرن، من أجل تسعير جذوة النار. وربما أن فتحات التهوية المتواجدة في الهرم كان هي الفتحات وظيفتها تمرير الهواء المنفوخ، مما يعني أن الهرم كان عبارة عن فرن كبير، وفي قاعه تحت القاعدة تماما تكمن طبقة من زبر الحديد والنحاس. فمن المؤكد أن "ذي القرنين" علمهم طريقة خاصة في النفخ لم يرد ذكرها في النص، لكن بلا أدنى شك أنهم لجئوا إلى طريقة مبتكرة للنفخ تم تطويرها حتى وصلنا إلى شكل المنفاخ التقليدي اليوم. (وكان الحديد لأجيال طويلة نادرا لدرجة أنه كان يعتبر أغلى من الذهب، وكانت مهنة الحدادة من أشرف المهن في العصور القديمة والوسطى، فقد كانت مهنة نبي الله داود عليه السلام... وبغية تنقية الحديد من الشوائب، فقد اخترع الفرن النفاخ، حيث يكون هذا الفرن كبير الحجم، يبلغ ارتفاعه نحوا من ثلاثة وثلاثين قدما وقطره حوالي ثمانية أمتار، ويبطن من الداخل بآجر ناري ذي مزايا خاصة... توجد بمصر، طبيعيا، مجموعة متنوعة من خامات المعادن؛ وكان معدن النحاس هو الأكثر استخداما في مصر القديمة. وعرف الحديد النيزكي أولا، ولكنه لم يكن يستخرج من المناجم أو يستغل عامة؛ حتى العصر البطلمي). (وللوصول إلى درجة حرارة عالية كافية لاستخلاص المعادن من خاماتها الطبيعية، فإن قدماء المصريين بنوا مواقد خاصة كانت تحمى بالفحم. وكانت المعادن تصهر، لتنقى، في بوتقة فوق النار. وكان العمال، في عصر الدولة القديمة، ينفخون في النار بمنافخ؛ للوصول إلى درجة حرارة انصهار المعدن، وكان ذلك يتطلب عددا من العمال الذين يتناوبون على النفخ. وطورت منافخ الكير الكبرى في الدولة الحديثة؛ وكانت تتكون من طبق فخاري قليل العمق مغطى بالجلد. وعندما كان المعدن يستخلص، فإنه عادة ما يعد على هيئة كتل؛ ثم يرقق باستخدام مطرقة حجرية بيضاوية). صب النحاس المذاب: كان يجب أن يتوافر في هذا الردم مواصفات خاصة، وغاية في الأهمية، بهدف أن يعجز يأجوج ومأجوج عن ارتقاء ظهر الردم، وأن يعجزوا عن نقب ما يحويه من صخور صلدة، قال تعالى: (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) [الكهف: 97]. في لسان العرب: (يقال: ظهر على الحائط وعلى السطح صار فوقه. وظهر على الشيء إذا غلبه وعلاه. ويقال: ظهر فلان على الجبل إذا علاه. وظهر السطح ظهورا: علاه). فقوله تعالى (اسْطَاعُوا) يوحي بالسهولة واليسر لكي (يَظْهَرُوهُ)، بينما استخدم قوله (اسْتَطَاعُوا) توحي بالصعوبة والعسر مع قوله (نَقْبًا)، لأن عجزهم عن أن يظهروا الردم مترتب على عجزهم عن نقبه، فإن تعسر عليهم النقب تعسر بالتالي أن يظهروه، فأن ينقبوا الردم أشد صعوبة من أن يعتلوا ظهره. تولى "ذو القرنين" بنفسه إفراغ النحاس المذاب فوق زبر الحديد المتأججة نارا، قال تعالى: (قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) [الكهف: 96]، وقد اختص الله تعالى سليمان عليه السلام بأن أسال له عين القطر، قال تعالى: (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) [سبأ: 12]، وهذا يدعم القول بأن "ذي القرنين" هو كنية أو لقب لنبي الله "سليمان" عليه السلام. ينصهر الحديد عند درجة حرارة (1535ْ) مئوية، ويغلي عند درجة حرارة (2750ْ) مئوية. بينما ينصهر النحاس عند درجة حرارة حوالي (1083ْ) مئوية، ويغلي عند درجة حرارة (2567ْ) مئوية. فالوصول بالنحاس إلى درجة الغليان يحتاج إلى أفران خاصة، وهذا يحتاج تقنية لم يكن من الهين توفيرها في تلك العصور، حيث كانت تصاغ المعادن بالطرق، فلم تعرف سباكة المعادن بعد. لذلك من المؤكد أن هذا تم بعلم من الله تعالى لنبيه سليمان عليه السلام. فقوله (أُفْرِغْ) يفيد أن النحاس وصل إلى مرحلة الغليان، وتحول إلى سائل يمكن صبه. ففي لسان العرب: (والإفراغ: الصب. وفرغ عليه الماء وأفرغه: صبه... وافرغ الذهب والفضة وغيرهما من الجواهر الذائبة: صبها في قالب). سيبرد الحديد قبل أن يبرد النحاس، لأن انصهار الحديد يتطلب درجة حرارة أعلى من النحاس، وبالتالي سيستمر النحاس مذابا أطول فترة ممكنة، وبهذه الطريقة لن يسمح الحديد المستعر ببقاء النحاس المذاب ثابتا أعلاه، بل سينساب بسبب الجاذبية الأرضية إلى طبقة الردم، فيتخلل الفراغات فيما بين الحجارة والصخور، ليملئ ما بينها من خلل، مما يؤدي إلى تماسكها فيما بينها. هذا بخلاف تلاحم الحديد المنصهر مع النحاس المغلي ينتج عنه سبيكة (برونزية) تزيد من صلابة الردم ضد أي محاولة من "يأجوج ومأجوج" لنقب الردم، وتضاعف من قدرته على التحمل لأطول فترة زمنية ممكن. حيث أن النحاس يستخدم للحام الحديد، ويكسبه قوة أكثر. وفي هذا يذكر البيروني في كتابه "الجماهر في معرفة الجواهر" (لما كان النحاس لحام الحديد قال ذو القرنين “آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال ائتوني أفرغ عليه قطرا).
|
#15
|
|||||||
|
|||||||
![]()
اكتشاف نحاس وبرونز داخل الهرم الأكبر:
حقيقة لا معلومات لدي إن كان قد تم الكشف عن وجود مصادر معدنية تحت أساسات الهرم، ولكن ثبت وجود مقبضين من النحاس داخل الهرم الأكبر خوفو، وتم العثور على قطعة نحاس صغيرة، ومخلب نحاسي، وهذا يجزم بأن النحاس كان مستخدما حين بناء السد، وهذا يتفق مع ما ذكر في كتاب الله تعالى عن استخدام النحاس المذاب، وهذا يدل على توافق زمني بين بناء الأهرامات وبين زمن سليمان عليه السلام. وهذا بشهادة الدكتور زاهي حواس حيث في كتابه (معجزة الهرم الأكبر) يقول: (وبدأ العمل في 6 مارس عام 1993م، ودخل الإنسان الآليفي رحلته الثانية إلى الهرم وكشف لنا عن مفاجآت عديدة وألغاز لم نستطع حلها إلى الآن. وأولى هذه المفاجآت، ظهرت في الفتحة الشمالية، ... وقد عثر داخل هذه الفتحة على مخلب نحاسي وقطعة أخرى من النحاس على شكل كسرة، ... وكانت المغامرة الأخيرة لـ (واب ووت 2 Wp Wawt 2) داخل الفتحة الجنوبية لحجرة الملكة ... واستطاع "جانتنبرنك" أن يجعل الإنسان الآلي يقفز فوق هذه الأماكن حتى وصل إلى حوالي 64.60 مترا داخل الهرم ووقف أمام قطعة صغيرة من النحاس ملقاة على أرضية الممر وخلفها كانت المفاجأة الكبرى وهي وجود حجر صغير ذي مقبضين من النحاس وهذا ما أطليق عليه "الباب السري داخل الهرم". صفحة (83، 84). (وواصل الإنسان الآلي السير داخل الفتحة وأنا أجلس أمام الشاشة أتابعه لحظة بلحظة حتى وقف على بعد 8 أقدام من الباب المعروف وشاهدنا القطعة النحاسية والتي يزيد طولها على 3سم تقريبا وواصل السير حتى وقف أمام الباب وهنا شاهدت الباب جيدا حيث لاحظت أن المقبض الشمال يفقد منه حوالي 3سم أي أن القطعة التي عثر عليها أمام الباب كانت أصلا مثبتة على الباب..) صفحة (89، 90) وفي محاولة أخرى يقول: (وظل يسير الإنسان الآلي .. ولكن كانت المفاجأة كانت وقوفه أمام باب آخر ذي مقبضين من النحاس يتشابه تماما مع الباب الذي عثر عليه داخل الفتحة الجنوبية.ولكن الجديد هنا هو وجود حبال عثر عليها حول أحد المقابض النحاسية بالباب الجديد). صفحة (94) بما أنه تم العثور على قطع نحاسية داخل الهرم، فإذا كان ذو القرنين قد استخدم النحاس المذاب، فإنه من الطبيعي العثور على أي قطعة معدنية تدل على وجود سبائك يدخل النحاس كعنصر أساسي في تركيبها، لأنه قام بسبك زبر الحديد مع النحاس، وهي تحوي الحديد وغيره من المعادن والشوائب فهي ليست حديدا صافيا، لذلك فإن العثور على قطعة معدنية مثل البرونز يدعم إلى حد ما هذا البحث، والبرونز هو اسم يطلق على طائفة من سبائك النحاس المعدنية. وتتكون عادة من النحاس والزنك والقصدير، ولكنها ليست بالضرورة مقصورة على هذه العناصر. وبالفعل تم العثور على خطاف معدني من البرونز.![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() صور توضح مراحل استخدام الإنسان الآلي، والصور توضح الموضع الذي تم فيه العثور على الخطاف البرونزي داخل النفق وبالفعل تم العثور داخل الهرم الأكبر على قطعة معدنية من البرونز المطروق على هيئة خطاف، وهذا يثبت استخدام هذا المعدن في زمن بناء الأهرامات، (في الممر الجنوبي وجد ديكسن Dixon وشريكه جيمس جرانت James Grant خطاف برونزي صغير. و كرة صوان وقطعة من الخشب تشبه خشب الأرز. أصبحوا يعرفون بآثار ديكسن. كلتا المجموعات المصنوعة يدويا ملقاة بين الأنقاض في أسفل الممر المنحدر. أخذت الآثار إلى إنجلترا، تم تسجيلها من قبل الفلكي رويال سكوتلاند Royal Scotland وعادت إلى ديكسن بعدما اختفوا. تم عمل تقرير اكتشاف الآثار في "Nature" 26 ديسمبر 1872 متضمنة رسما للمواد. أدى البحث في سنة 1993 إلى اكتشاف الكرة والخطاف في المتحف البريطاني، حيث ما زالوا إلى اليوم). الإشكال هنا أن هذه القطع تم العثور عليها داخل الهرم الأكبر المسمى هرم خوفو، وليس داخل الهرم الثاني المسمى هرم خفرع، خاصة وأن الهرم الأكبر حاز على اهتمام الأثريين أكثر من غيره، فهذه القرائن لا تثبت ما نحن بصدده من بناء سليمان للأهرامات بصفته هو نفسه ذو القرنين، وأن الهرم هو سد يأجوج ومأجوج، لكنها تثبت أن سليمان هو نفسه من قام ببناء سائر الأهرامات لهدف واحد وهو سد جميع مخارج يأجوج ومأجوج. ![]() ![]()
|
#16
|
|||||||
|
|||||||
![]()
المرحلة الثانية:
هي مرحلة وضع الأساس لبناء جسم السد، ويتم رص الحجارة فوق الردم حتى تستوي الحجارة مع مستوى سطح الأرض. وضع الأساسات هو أهم خطوة في الإعداد لبناء أي مبنى في العالم، ورفع القواعد هو أول خطوة قام بها إبراهيم عليه السلام حين بناءه للكعبة، فأهمية بناء القواعد لأي بناء أصل هندسي ثابت في كتاب الله العظيم، قال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) [البقرة: 127]. وإن تصور وجود هذا السد الهرمي بدون هذه الأساس الهائل من الصخور الضخمة يكاد يكون ضربا من المحال، وإلا فلن يستمر طوال هذه السنين راسخا في مكانه. فبناء ضخم كهذا، لا تكمن معضلته في مجرد رص حجارة فوق سطح الأرض، ولكن المعضلة الأكبر والتي غابت عن ذهن الكثيرين، هي كيفية ترسيخ أساسته تحت الأرض لتخدم الهدف من بناءه. فما فات على كبار علماء عصرنا دراسته، هو ما ركز عليه القرآن الكريم من كلام "ذي القرنين"، حين فصل خطوات وضع أساسات السد، فمن الواضح أن "ذي القرنين" وهو نفسه نبي الله "سليمان" عليه السلام كان بالغ العبقرية في فنون الهندسة والإنشاء المعماري، ولا ننسى ذكر فضل ملأه من علماء الجن المسلمين.وضع الأساس:لكي يكتسب جسم السد صفة الرسوخ والثبات، فلابد من وضع أساس بثقل لكي يرتكز عليها جسم السد الهرمي حتى لا تميد به الأرض فينهار بما يحمله من حجارة. لذلك لابد من بناء جوانب الأساس في وضع رأسي، وغير مائل. لتغطية سطح الردم بطبقة ضخمة من الصخور تحميها من التعرض لعوامل الأكسدة، ليرتفع الأساس حتى يستوي بسطح الأرض تماما، على أن تكون محيط الأساس أطول من محيط قاعدة جسم السد. بحيث تحيط بقاعدة جسم السد مسطبة عريضة من الصخور الضخمة، لذلك نجد قاعدة الأهرامات الثلاثة محاطة بمسطبة عريضة مرصوفة بالحجارة الضخمة ومكسوة بطبقة من الحجارة البازلتية السوداء لحمايتها من عوامل التعرية. ![]() المرحلة الثالثة: تنقسم المرحلة الثالثة إلى عدة خطوات، كبناء جسم السد وكسوته بالحجارة الكلسية، وكسوة جوانب قاعدته بالحجارة الجرانيتية. لكن كما سبق وبينت فمن المحتمل أن السد بأكمله تم بناءه كفرن واستخدمت فتحات التهوية للنفخ على الردم، لكن للأسف أن البحث الأثري غير متكامل. بناء جسم السد: وجسم السد هو الجزء الهرمي الظاهر منه اليوم فوق سطح الأرض، ويتكون من طبقات فوق بعضها البعض من الحجارة الضخمة المتراصة بإحكام، يقل مساحة قطاعها كلما ارتفعنا إلى قمة السد المدببة. لكي يستمر أي بناء متماسكا لأطول زمن ممكن، لابد أن يقل قطاعه كلما ارتفع، وبما أن قاعدته رباعية الجوانب، فحتما سينقص تدريجيا كلما وصلنا إلى قمته، لينتج بناء ذو شكل هرمي، وبهذا الشكل ظهرت الأهرام بشكلها المشاهد اليوم. وإن شيد البناء بحيث يستاوي محيط قطاع قاعدته مع محيط قطاع قمته، فيسنتج شكل مكعب أو متوازي مستطيلات، وهذا معرض للانهيار تحت أي ظروف خارجية بمرور الزمن، لذلك فالراجح هو أن جسم السد ذو شكل هرمي. ![]() صورة نادرة لقمة الهرم الثاني لاحظ الجزء المتبقي من كسوة الهرم من الحجارة الكلسية إن دور البشر في تشييد السد توقف عند حدود أثبتها القرآن الكريم، وهي ردم بوابة "يأجوج ومأجوج" بزبر الحديد، والنفخ في النار. أما رفع الحجارة العملاقة التي تزن الأطنان العديد، فهذا ولا شك لا قبل للبشر به مطلقا، وقد ثبت نصا أن الله تعالى سخر شياطين الجن لسليمان عليه السلام يبنون له ما يشاء من مشديات يعجز عنها البشر وتليق بقدرات الجن، قال تعالى: (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ) [ص: 36 37]. وعليه فإن الجن بنوا ما عجز البشر عن بناءه، لتكون الأهرامات شاهدا على تسخير الجن لسليمان عليه السلام. بناء الكسوة خارجية: في آخر خطوة في بناء السد تم كسوة جسم السد بالحجارة الكلسية الملساء ناصعة البياض على سطح جوانبه الخارجية، ولكنها تساقطت مع مرور الزمن، فلم يبقى منها إلا جزء يسير وهو ما نشاهده اليوم في قمة الهرم الثاني، بينما يوجد حزام من الكسوة الجرانيتية حول قاعدة الهرم. أما الجزء الظاهرة من أساس الهرم، والظاهر على سطح الأرض حول قاعدة الهرم، فتم رصفه بطبقة واحدة من الحجارة البازلتية السوداء. ![]() ما تبقى من كسوة الهرم الأوسط عن قمته والفائدة من هذه الكسوة بخلاف أنها وظيفة تجميلية، إلا أنها تحمي جسم السد من تأثيرات الجو، وعوامل التعرية، من أمطار وعواصف رملية، أما الحزام المحيط بقاعدة السد فوظيفته حماية قاعدة السد وتحمل ثقل الكسوة الكلسية الخارجية للسد، وإلا ستنهار الكسوة إن لم تبنى على قاعدة أشد صلابة من جسم السد، لذلك تم بناء الحزام من الحجارة الجرانيتية الصلبة. على ما يبدو أن الكسوة تم بناؤها متفاوتة في السماكة تقل تدريجيا من أسفل السد، وكلما اتجهنا إلى أعلى، بحيث تكون الحجارة عند القاعد جرانيتية ضخمة الحجم، ثم بني فوقها الحجارة كلسية خفيفة الوزن تتصاغر في الحجم كلما ارتفعنا إلى قمة الهرم، لذلك لا نجد من سقط من الكسوة سوى كتل جرانيتية قليلة متناثرة حول قاعد الهرم، بينما غالبية الحجارة كلسية. ونلاحظ وجود الحزام الجرانيتي بوضوح أسفل قاعدة الأهرامات الثلاثة، وتظهر بجلاء أكثر حول قاعدة الهرم الثالث. والدليل على أن الهرم مجرد سد وليس مقبرة حسب مفاهيم الأثريين، أن الأهرامات ليس لها أبواب مطلقا إنما لها فتحات تهوية فقط قد تكون استخدمت للنفخ في بر الحديد. إنما تم نقب جدران الأهرامات عنوة، من أجل عمل فتحات وثغور مصطنعة للدخول إليها. مما يجزم بأن الأهرامات ليس لها وظيفة تقليدية كمقبرة أو رمز ديني، .وفي القرن التاسع العشر قام الأثريون بنقب فتحات خاصة من أجل اقتحام الهرم (بدأ جيوفاني بيلزوني Giovanni Belzoni عملياته في هرم خفرع Chephren في العاشر من فبراير 1818 على الجانب الشماليِ، مستخدما العديد من العمال في الحفر خلال الأحجار والقمامة. حيث باء عمل طاقمه لعدة أيام بالفشل، لكنه استمر وفي السابع عشر وجدَ المدخل الإلزامي). ![]() لاحظ في اللوحة أن مدخل الهرم الثاني حين قام عمال جيوفاني بيلزوني بنقب جدار الهرم لعمل فتحة للدخول لأول مرة، كانت أحجاره سميكة جدا، حيث لم يقتحم أحد من قبل هذا الهرم، واحتفظ في داخله بجفنة الماء كما هي بدون نقوش عليها، كما سبق وبينته مفصلا. وبعد الانتهاء من بناء الكسوة الخارجية للسد، تم كسوة الأساس الحجري بطبقة من الحجارة البازلتية السوداء بهدف حماية الأساس من عوامل التعرية، واحتكاك الأقدام من حول السد. وهذه الكسوة عبارة عن صف واحد من الحجارة البازلتية السوداء شديدة الصلابة، ولا زلنا نجد أجزاء متفرقة منها موجودة حتى اليوم. كسوة من الحجارة البازلتية رصفت بها حجارة الأساس حول الهرم الجزء المتبقي من الكسوة الحجرية التي كانت تكسو الهرم الأوسط. ![]() أنظر ما تبقى من الكسوة الجرانيتية أسفل الهرم الثالث، والهدف منها حماية قاعدة الهرم من التآكل ومن عوامل التعرية أنظر الكتل الحجرية الداكنة المتراصة أسفل الهرم الأكبر، هي آخر ما تبقى من كسوته الجرانيتية. لاحظ الكتل الحجرية في الأرض هي الجزء الظاهر من أساس الهرم. ![]() ![]() كسوة السد المسمى هرم زوسر كما نراها مستوية تماما، فتآكلت قاعدتها وقمتها، وتم تدارك هذا العيب في الأهرامات الثلاث، حيث أن القاعدة جرانيتية ضخمة وتتدرج إلى كلسية خيفة. قاعدة هرم أوناس بمنطقة سقارة. لاحظ الكسوة الكلسية الخارجة والشريط المرصوف من الحجارة حول القاعدة. حزام جرانيتي حول قاعدة الهرم الثالث. نقد المفهوم الدارج عن بناء السد: أما ما يتخيله الكثيرون من أن السد تم بناؤه بين جبلين، فهذا خطأ فادح في فهم النصوص ويتعارض مع طريقة البناء الصحيحة، ولا يتفق وأصول الهندسة المعمارية، ويحتاج إلى إعادة تفكير جذري في فهمنا لدلالات النص القرآني، وبطريقة تتفق مع الواقع والممكن، فلا نتخيل أمورا لا يمكن أن تتحقق في الواقع، وألخص نقدي لهذا المفهوم فيما يلي: ـ لأن أساساته تحت الأرض ستكون أضيق من قمته التي تتسع كلما اقتربنا من قمة الجبلين! وهذا يشكل ضغطا كبيرا على القاعدة من الجانبين المكشوفين من السد، مما يؤدي لتصدع القاعدة الضيقة وانهيار السد. أضف إلى هذا تأثير عوامل التعرية من أمطار وسيول والتي ستتسبب في حدوث انهيارات صخرية على جوانب الجبلين الملاصقة لجانبي السد، مما سيتسبب في حدوث فالق وفجوة بين السد والجبلين، ونتيجة ثقل قمته العريضة على قاعدته الضيقة فسوف تنهار جوانبه سريعا. ـ وكذلك من المستحيل أن ذي القرنين قد صب الحديد والنحاس على السطح الخارجي للسد، لأن عوامل التعرية من أمطار ورطوبة وحرارة ستؤدي إلى أكسدة وصدأ الكسوة الخارجية للسد وتتساقط، وسيكون لون صدأ النحاس فيروزي، ولون صدأ الحديد بني مائل للحمرة. ـ أما زبر الحديد أي حجارة الحديد، وتعرف علميا باسم (الحجارة النيزكية)، هي حجارة صغيرة الحجم تحتوي على عنصر الحديد وعناصر أخرى، لذلك لابد من معالجته بالنار حتى يتخلص الحجر من الشوائب الأخرى. فزبر الحديد ليست قضبانا ولا قوالب حديدية، كبديل عن القوالب الحجرية، وبالتالي لا يمكن أن يبنى بها جدران السد، فلم تسبك المعادن في ذاك الزمان بعد. هذا بخلاف قلة تواجد الحجارة النيزيكية في الطبيعة، فمن الممكن أن يستخدم طبقة محدودة من هذه الحجارة، لكن من المستحيل مهما كانت ثروة البلاد الطبيعية أن يتوفر لديها كمية كبيرة من هذه الحجارة لبناء سد ضخم قائم بين جبلين شاهقين، فهذا أمر خيالي يصعب تحقيقه. ـ هذا بخلاف معضلة كبرى لم يلتفت إليها من تخيلوا السد مستند إلى جبلين من جانبيه الأيمن والأيسر، أما الجانب الأمامي منه فهو ما يراه من يقف أمام السد، بينما الجانب الخلفي للسد مكشوف لمن وقف خلفه، مما يعني أن السد لا يسد شيئا خلفه، وهذا ينسف سبب بناء السد، وبالتالي فالشكل العام للسد يجب أن يتم حسب ما ذكرته في البحث. ـ الفكرة السائدة عن بناء السد مصدرها الإسرائيليات، وتخيل البعض ممن لا دراية لهم بأصول الإنشاء والهندسة المعمارية، فجاء تصورهم مخالف لهذه الأصول، وازداد الناس تمسكا بها بسبب تعلقهم بكلام أهل العلم وإن لم يستندوا في أقولهم إلى أدلة شرعية أو عقلية، وهذا وئد لنعمة العقل، وإسقاط لفريضة تدبر القرآن، بسبب البحث عن تفسيرات سابقة الإعداد بدن نقد وتحليل. فالسد بهذا الشكل المتخيل يفتقد لأبسط أصول الهندسة المعمارية المتعارف عليها. إذا فالصحيح هو أن السد يغلق فتحة فوق سطح الأرض، ولا يسد شيئا يقع خلفه، وعليه فالبناء لابد أن يكون حصينا عند قاعته أشد ما يكون التحصين، حتى لا يستطيع "يأجوج ومأجوج" أن يعلوا ظهره أو ينقبوه. وكل هذا البناء الضخم يحتاج إلى علم وقوة لم تكن متاحة لا في ذاك الزمان الموغل في القدم، ولا في زماننا المعاصر، رغم ما وصلنا إليه من طفرة علمية وتقنية المفترض أنها أعلى ما وصلت إليه البشرية حتى اليوم، ورغم ذلك عجزنا عن تحريك حجر يزن عدة أطنان من مكانه، فكيف برفعه على إلى قمة بناء شاهق مثل الأهرامات؟! قد يقول البعض أنهم لجئوا إلى حيلة مبتكرة نعجز اليوم عن الوصول إليها، ولو صح هذا الافتراض لوجدنا بالفعل مدونات تسرد كيفية بناء مثل هذا الصرح العظيم، ولكن لا أثر لأي معلومات تكشف هذا السر الغامض حتى اليوم. من يرفضون القول بقيام الجن ببناء الأهرامات، هم متشبثون بأقوال علمانية، تجحد الإيمان بالغيب، وبمنهج طائفة ترفض قبول ما لم يرد به نص صريح، وتنهى عن استخدام العقل وفق ضوابط شرعية في تدبر القرآن الكريم، أما القاصمة فهي أن من ينكرون دورا لجن قد وافقوا أقوال اليهود والنصارى الذين ينكرون وجود الجن، رغم أنهم من عتاة السحرة المفسدون في الأرض.
* * * * * * محتويات الكتاب المقدمة .................................................. ................. 5 ذو القرنين .................................................. ............. 6 أوجه الشبه بين "ذي القرنين" و"سليمان" عليه السلام ..................... 7 تسخير الريح .................................................. ......... 10 سرعة الريح .................................................. .......... 12 الخيل ذوات الأجنحة .................................................. .. 13 توجهات رحلة "ذو القرنين" ............................................. 15 الكعبة مركز الأرض قديما وإلى يوم الدين ............................... 17 المركز المقابل للأصل ................................................. 18 مغرب الشمس............................................. ............. 20 العين الحمئة .................................................. ......... 20 عبادة البراكين .................................................. ....... 25 عبادة البركان عند الهنود الحمر ......................................... 26 بحيرة فوهة بركان مازاما .............................................. 27 سكان أمريكا الأصليين ................................................. 30 مطلع الشمس .................................................. ......... 34 سكان أستراليا الأصليين ................................................ 36 "أوفير" التوراتية وجزر سليمان ........................................ 40 بين السدين .................................................. ............ 43 الثلاثة سدود .................................................. .......... 43 السد الثالث .................................................. ............ 44 الحدب .................................................. ................. 48 بوابات "يأجوج ومأجوج" ............................................... 50 صفات القوم بين السدين .................................................. 53 "يأجوج ومأجوج" .................................................. ..... 55 "يأجوج ومأجوج" من شياطين الجن ...................................... 57 "يأجوج ومأجوج" من الهالكين ........................................... 58 مسكن "يأجوج ومأجوج" ................................................. 59 ظهور شياطين الجن .................................................. ... 61 الأحواض الحجرية .................................................. .... 63 السقاية .................................................. ............... 64 شبهة وجود مومياوات داخل الجفان الحجرية ............................. 68 مكونات السد ومراحل وبناءه ........................................... 70 موقع الردم .................................................. ........... 70 المرحلة الأولى: .................................................. ....... 73 حفر الأساس .................................................. .......... 73 ردم البوابة .................................................. ............ 76 جمع زبر الحديد .................................................. ....... 78 التسوية بين الصدفين .................................................. .. 82 النفخ............................................. ....................... 83 صب النحاس المذاب .................................................. .. 84 اكتشاف نحاس وبرونز داخل الهرم الأكبر ............................... 85 المرحلة الثانية: .................................................. ....... 90 وضع الأساس .................................................. ........ 90 المرحلة الثالثة: .................................................. ....... 92 بناء جسم السد .................................................. ........ 92 بناء الكسوة الخارجية .................................................. . 93 نقد المفهوم الدارج عن بناء السد ......................................... 99
|
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
ملك, الريح, السلام, القرنين”, بأمره, بن, داود, جرت, رحلة, سليمان, عليهما, “ذو, كتاب: |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
|
|