عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-02-2016, 01:34 AM
أبو الياس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي هل عرضت الأمانة على آدم عليه السلام فقط؟

سؤال كثيراً ما يتبادر إلى ذهني ، وهو إن كانت الأمانة قد عرضت على آدم عليه السلام وحده فقبلها وبالتالي تحملت ذريته مسؤولية قبوله لها ، أم أنها عرضت على كل البشر فتحملوا جميعهم المسؤولية؟

قال تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴿٧٢﴾ لِّيُعَذِّبَ اللَّـهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّـهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿٧٣﴾ [الأحزاب]

أول أمر يجب البحث عنه في الآية هي كلمة [الإنسان] ، والتي يجب دراستها في ضوء آيات القرآن الكريم والتي ذكرت هذه اللفظة لكي نحدد هل المقصود بها هو آدم عليه السلام أم كل جنس البشر.

وردت لفظة [إنسان ] في القرآن الكريم 65 مرة ، وجدت أن جميعها – بحسب فهمي - تعني جنس المخاطب وهم البشر ، وهذا يدل على أن المفردة يقصد بها عموم جنس البشر وليس آدم وحده عليه السلام ، باستثناء الآيات في سورة الحجر التي قد تدل ظاهرياً على أن المقصود هو آدم عليه السلام ، ولكن مع ربطها بآيات آخرى يتضح أن المقصود هو جنس البشر عموماً.

قال تعالى في سورة الحجر (وَلَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ مِن صَلصالٍ مِن حَمَإٍ مَسنونٍ ﴿٢٦﴾ وَالجانَّ خَلَقناهُ مِن قَبلُ مِن نارِ السَّمومِ ﴿٢٧﴾ [الحجر] ، فظاهر الآيات قد يدل على أن الإنسان هو آدم عليه السلام ولكن مع ربطها بآيات آخرى في سورتي المؤمنون والسجدة ، يتضح أن المعنى هو جنس الإنسان وهم البشرية جمعاء.

قال تعالى في سورة السجدة (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ﴿٧﴾ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ ﴿٨﴾ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ﴿٩﴾ [السجدة] ، وقال تعالى في سورة المؤمنون (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ﴿١٢﴾ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴿١٣﴾ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴿١٤﴾ ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ﴿١٥﴾ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ﴿١٦﴾ [المؤمنون]

فالآيات في سورتي السجدة والمؤمنون هي مكملة وموضحة للآيات في سورة الحجر ، فأصل خلقة الإنسان من طين والمتمثلة في آدم عليه السلام ، ثم جعل النسل والتناسل لهذا الإنسان في سلالة من ماء مهين، نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم كسا العظام لحما ، وهذا يتمثل في كل ذرية آدم عليه السلام من بعده ، فأحياناً قد يذكر الله تعالى آيات في موضع ثم يعود ويوضحها ويسهب في شرحها من جوانب أخرى في مواضع أخرى ، لذلك فالتنبه إلى وحدة النص القرآني هو من أهم الأمور عند محاولة تدبر القرآن الكريم.

ثم إنه من الملاحظ في آية عرض الأمانة أن الله سبحانه وتعالى عرض الأمانة على السماوات وليس على سماء واحدة ، وعلى الأرض وليس على جزء من الأرض دون الآخر ، وعلى الجبال وليس على جبل واحد ، فمن الطبيعي من خلال هذا السياق وهذا العرض أن تعرض على كل البشر وليس على آدم عليه السلام وحده، أما كيفية عرضها على البشر وهم لم يخلقوا في الحياة الدنيا بعد فهذه علمها عند الله عز وجل.

وقد وصف الله سبحانه وتعالى هذا الإنسان بأنه ظلوم جهول ، فهل يصح أن يصف الله تعالى عبداً من أنبيائه بهذا الوصف؟ أم أن الوصف شامل لجنس البشر ، فالبشر بطبعهم جهولين حتى يعلمهم الله تعالى بالوحي ، والجاهل ظالم لنفسه فالجهل والظلم مقترنان ، ويصحان بشكل أقرب للبشر من وصف آدم عليه السلام بهذا الوصف.

كما أن ذكر الله عز وجل للمنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات والمؤمنين والمؤمنات فيه دلالة على أن مفردة الإنسان تشمل جميع البشر بكل فئاتهم ، ثم حدد كل فئة منهم و ما سيكون جزائها يوم القيامة كلٌ بحسب عمله في الحياة الدنيا ، فمفردة الإنسان تعني البشر كلهم وليس آدم عليه السلام وحده.

وبعيداً عن سياق الآية ، فمن المعلوم أن لله سبحانه وتعالى الحجة البالغة في الدنيا والآخرة ، فلا أحد يستطيع أن يحاجَّ الله سبحانه وتعالى يوم القيامة بأي حجة مهما كانت لأن حجة الله هي البالغة والتي تعلو على ماسواها، كما في قوله تعالى (سَيَقولُ الَّذينَ أَشرَكوا لَو شاءَ اللَّـهُ ما أَشرَكنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمنا مِن شَيءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم حَتّى ذاقوا بَأسَنا قُل هَل عِندَكُم مِن عِلمٍ فَتُخرِجوهُ لَنا إِن تَتَّبِعونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِن أَنتُم إِلّا تَخرُصونَ﴿١٤٨﴾ قُل فَلِلَّـهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ فَلَو شاءَ لَهَداكُم أَجمَعينَ ﴿١٤٩﴾ [الأنعام]، فلو أن الأمانه عرضت على آدم عليه السلام وحده فقد يقول قائل يوم القيامة أن الأمانة عرضت على آدم عليه السلام وقبلها فما ذنبنا نحن لكي نتحمل تبعات هذا القرار؟ إلاّ أن تكون الأمانة قد عرضت على كل البشر فتنتفِ أي حجة لكل إنسان بأنه قد قبل الأمانة وتحمل المسؤولية من قبل ، فلله الحجة البالغة.

والله تعالى أعلم.






التعديل الأخير تم بواسطة أبو الياس ; 02-02-2016 الساعة 01:40 AM
رد مع اقتباس