عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 07-13-2016, 02:48 PM
بهاء الدين شلبي بهاء الدين شلبي متواجد حالياً
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 56
المشاركات: 6,739
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صبح

السلام عليكم ورحمة الله .
يُفهَمُ من هذا .. أنّ مريم عليها السلام حين ولدت المسيح .. تخلّفت عن الصلاة في المسجد طيلة أيام النّفاس .. لأنّها كانت جنبا .. والقول بأنّ مريم لم يحدث لها ما يحدث للمرأة العادية .. أثناء المخاض .. وبعد الوضع .. يلزمه دليل ..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

هذه مسألة فرعية هامة خارج سياق المقال تحتاج أن تفردي لها موضوع مستقل للبحث والنقاش والحوار حوله، فمدار كلامنا هنا عن اصطفاء الدابة كصديقة ومهدية وعلاقة هذا بإرسال المصطفين للناس. فهناك فارق بين أن أقول (أرسل الله رسولا للناس) وبين أن أقول (فلان رسول الله) أو (فلان نبي الله) فليس كل من يرسله الله للناس يطلق عليه صفة رسول أو نبي فقد يكون صديق أو مهدية، بل قد يكون عاقل ملك، أو جن، أو إنس، أو غير عاقل فقد يرسل الله الرياح مثلا:

قال تعالى: (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) [الشعراء: 17]

قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) [الفرقان: 48]

فالإرسال لا يشترط في معناه حمل كتاب منزل، وإلا فهذا هو معنى (النبوة) فكل نبي معه كتاب منزل. إنما يقصد بالرسول الاصطفاء والتكليف من الله تعالى، كما أوحى لأم موسى عليهما السلام، ولمريم عليها السلام، والتأييد بالآيات الخارقة إرسال، فكل الرسل يرسل إليهم بالآيات لإقامة الحجة على الناس، قال تعالى: (فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) [الأنبياء: 5]، والدابة معها آيات مؤيدة كالعصا والخاتم، وتعلم ما في القلوب من إيمان وكفر، فهي مكلفة من ربها، ومرسلة بالآيات والأدلة والبراهين، بل تجتمع لها آيات المرسلين من قبل لتقيم الحجة على الأمم كلها، وليس لأمة بيعنها دون الأخرى، فيجري الله عز وجل الآيات على يد المصطفين من العقلاء للعقلاء المميزين، وليس للبهائم العجماوات، قال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الحديد: 17]. فعندما يخاطب العقلاء المميزين يختار لهم صفوتهم. فاصطفى الله تعالى آدم وذريته بالنبوة والرسالة على الجن، فنزعت من الجن بعدما كانت فيهم قبل خلق آدم عليه السلام، لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 33]، والعالمين تشمل الجن والإنس، فإن لم يكن خلق قبل آدم عاقل مكلف إلا الجن، فقد اصطفاه وذريته على الجن، فالعقل مناط التكليف، والاصطفاء تكليف، فلا يصطفي الله عز وجل إلا عاقلا ليبلغ وحيه وغيبه، وهذا يستبعد كون الدابة بهيمة.

وعليه فالدابة من الإنس وليست من الجن، وكذلك يستبعد أن تكون من البهائم، لأن الله كرم بني آدم واصطفاهم بالرسالة على العالمين فلا ينتزعها من البشر ويجعلها للبهائم العجماء الخرساء التي لا تتكلم، من قال هذا فقد أعظم الفرية على الله عز وجل لأنه يتعارض مع الآية الصريحة باصطفاء آدم على الجن. من زعم خلاف هذا فلم يقدر الله تعالى حق قدره أنه يصطفي رسله من الملائكة والناس [وتشمل الجن الإنس] فقال تعالى: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [الحج: 74، 75]. وعليه فالقول بأنه يصطفي بهيمة فيرسلها للناس تكلمهم يتعارض مع نص الآية، خاصة وأن الله عز وجل كرم بني آدم على كثير ممن خلق، بل فضلهم بأن آثرهم بنزول الوحي والرسالات على صفوتهم، فقال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء: 70]، فالبهيمة كائن حي مهين ضد كريم، فخلقت الأنعام وهي من البهائم لتمتهن، فسخرها الله عز وجل لتكون في مهنة الإنسان، للركوب، وحمل الأثقال، فمرفوع عنها التكليف، فذكاءها فطري بحسب ما سخرت له، فقال تعالى: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) [النحل: 5؛ 9]. لذلك فالبهائم لذكائها الفطري المحدود، الذي لا يقارن بذكاء الإنسان العاقل، ولعجمة لسانها وعجزها عن البيان، فإنه مرفوع عنها التكليف، فضلا عن أنها لا تليق بقدر الله تبارك وتعالى ليبعثها أو يخرجها للناس تكلمهم وتحاججهم.

حتى أن فرعون استنكر على موسى عليه السلام عجزه عن البيان، وقرن هذا بلفظ (مَهِينٌ)، وهذا العجز كان معروفا عنه قبل هروبه من مصر إلى مدين، فقال تعالى: (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) [الزخرف: 52]، لكن من الواضح أن الله عز وجل حل عقدة لسانه استجابة لدعائه، فقال تعالى: (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي) [طه: 27، 28]، فالراجح أن الله عز وجل استجاب له، وحل عقدة من لسانه. فانطلق موسى عليه السلام يكلم فرعون بعد رجوعه إلى مصر، فكان بيانه وطلاقة لسانه آية مؤيدة له، مما أدهش لفرعون، فحشر السحرة ليتصدوا له، فخرجت المواجهة عن حدود البيان إلى ميدان التحدي واستعداء السحرة ضده.

فإذا كان فرعون، وهو إنسان كسائر البشر، استنكر أن يكون المرسل إليه من الله لا يكاد يبين، فمن باب أولى أن لا يليق بقدر الله تبارك وتعالى أن يرسل بهيمة تبلغ الناس وحيه، خاصة وأنها لا ترقى إلى كرامة بني آدم حتى يصطفي عليهم بهيمة عجماء تكلمهم. حتى على فرض أن بعض البهائم نطقت فتكلمت، فكلامها كان آية للناس، فضلا عن أن وجه الإعجاز لم يكن في كلام البهائم، وإنما وجه الإعجاز أن تنطق، والآية لم يرد فيها فعل النطق، لفهم أنها بهيمة أنطقها الله فتكلمت، إنما ذكر فعل خاص بالعاقل وقاصر عليه، فقال (تُكَلِّمُهُمْ)، بينما النطق دليل على التحول من الخرس كصفة للحيوان، فنقول (حيوان أخرس) و(بهيمة خرساء) إلى الكلام كصفة للعاقل، فنقول (نطق الأخرس فتكلم). فالكلام فعل خاص بالعاقل، قال تعالى: (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ) [آل عمران: 46]، فلم تكن المعجزة أن يتكلم المسيح عليه السلام، لأنه عاقل، ولكن وجه الإعجاز أن يتكلم وهو لا يزال في المهد، ولم يبلغ بعد سن الكلام والبيان. أما وجه الإعجاز في البهيمة فهو أن تنطق وهي خرساء، فإذا أنطقها الله عز وجل تكلمت. فلكل مخلوق منطقه، ومنطق الإنسان الكلام، قال تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [فصلت: 20، 21]، فوجه الإعجاز في الآية النطق، لأن الجلود خرساء لا منطق لها، ثم أنطقها الله فتكلمت وشهدت على أصحابها.



رد مع اقتباس