السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة العرب في إسبانيا
أحببت مشاركة هذا الكتاب في هذا الموضوع لإثراءه و تبادل الآراء و تنويع الأفكار
مقدمة المترجم:
خفقت الجوانح بحب الأندلسيين، على الرغم مما يزعمه التاريخ من أنهم أعُطوا ملكًا
فلم يحسنوا سياسته، واستناموا إلى الشهوات، واستعان بعضهم على بعض بالأعداء، على
أنه يجدر بأهل الرأي ألا يتعجلوا في الحكم على أهل الأندلس وهم لم يعيشوا في بيئتهم،
ولم يدرسوا أَتَمَّ الدرسِ الأحوالَ التي مرت بهم، ولم يدققوا النظر في نظام الحكم الذي
التزمته الأمم في هذه الأزمان.
إن المسلمين بالأندلس كانوا في أرض غير أرضهم، وفي إقليم اجتمعت فيه كل صنوف
الفتنة والجمال، وكان أعداؤهم من الإسبان يحيطون بهم من كل جانب، وأعداؤهم في
المشرق ينصبون لهم الحبائل — أفبعد هذا نصب عليهم اللوم حميمًا، ونحملهم وزر
تصاريف الزمان، وتحكم البيئة، وسيطرة الأحوال التي وضعتهم فيها يد القدر؟!
إن العرب عاشوا في هذه الفتن الجائحة نحو ثماني مئة عام، قل أن تستطيع أمة
سواهم البقاء في مثلها، ليقل الشعوبية ما شاءوا، ولْيَقْسُ ابن خلدون وأمثال ابن خلدون
على العرب كما أرادوا، أليس من التجني على الحقائق أن يدعي ابن خلدون أن العرب لا
يصلحون لسياسة الأمم، وأنهم أمة جهل وتدمير، وأنهم إذا نزلوا بلدًا أسرع إليه الخراب؟!
إن سماحة حكم العرب بالأندلس، وجمال مدنيتهم، واتساع مدى ثقافتهم أسمى
من أن يصل إليه إنكار منكر أو جحود جاحد، وإن في آثار قرطبة، وإشبيلية، وغرناطة
— التي لا تزال ماثلة إلى اليوم من معجزات البناء والهندسة — ما يخجل كل من يدعي
أن أمة العرب أمة خراب وتدمير، وأنهم يهدمون القصور ليتخذوا من أحجارها أثافي
للقدور، ومن خشبها أوتادًا للخيام، أين هذه الأناقي وأين تلك الخيام من جنات الأندلس
الباسمات، وقصورها الشامخات؟! ثم أين هي من عظمة دمشق أيام الأمويين، وجمال
بغداد في حكم العباسيين، وازدهار القاهرة في عهد الفاطميين؟!
إن العرب يبنون ولا يهدمون، وإن الهدامين لآثارهم ومدنياتهم إنما هم أعداؤهم من
البربر، والإفرنج، والتتار، وغيرهم، وإذا كانت دول العرب قد مُنيت بالانحلال السريع في
الشرق والغرب، فإن أكثر السبب في هذا — فيما يغلب على الظن — إنما يعود إلى نظام
الحكم الذي كان قائمًا، لا إلى طبائع العرب أنفسهم، ولو نظرنا في عهودهم إلى الأمم
حولهم في أقطار الأرض، لرأينا أنها أصيبت بما أصيب به العرب.
وهذا كتاب نفح الطيب — وهو خير كتاب ألف في تاريخ الأندلس — كلها اضطراب، واستطراد، وتكرار، والتواء، وتشتت؛ لهذا كانت خزائن الكتب العربية في أشد الحاجة إلى مثل كتاب
«إستانلي لين بول »الذي سماه قصة العرب في إسبانيا
إن إستانلي لين بول يحب العرب ويتغنى بمجدهم، ويؤلف لأبناء أمته في تاريخهم
كتابًا، أو قل قصيدة طويلة الذيول كلها ثناء وإطراء، وحب وإعجاب، وعطف وحنان،
ولوعة وبكاء، فهل كان يصح في حكم البر بالعربية، أن يبقى أبناؤها محجوبين عن هذا
الكتاب دهرًا طويلا؟!
ترجمتُ الكتاب فارتاحت نفسي؛ لأني في حين واحد أذعت فضل العرب على لسان
رجل ليس منهم، ثم أذعت فضل هذا الرجل؛ لأنه جدير بإعجاب العرب.
نعم إن إستانلي لين بول كان يحب العرب حقٍّا، ولكن هذا الحب لم يجاوز به الحق،
ولم يخدعه عن نفسه، ولم يسلبه صفة المؤرخ المحقق، وكل ما في الأمر أنه كان صريحًا
في نشر الحقائق، فصدع بها حين أنكرها أو شوه من جمالها كثيرٌ ممن يكتمون الحق
وهم يعلمون، إن لين بول لم يكن متعصبًا للعرب، ولكنه كان لهم منصفًا، وعلى تاريخهم
أمينًا، ولهم أخًا وصديقًا، حين قل الأخ وعز الصديق، على أن في الكتاب عتابًا في مواطن
العتاب، ولومًا في مواضع اللوم، وتعنيف المحب المخلص حين يحسن التعنيف.
رابط الكتاب :
http://www.facultyoffinearts.com/uploads/redactor-files/635692650418051819.pdf