عرض مشاركة واحدة
  #104  
قديم 09-04-2018, 05:22 PM
بودادو
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

ربط أهل العلم كلمة قبلة بالمكان المتوجّه صوبه عند الصلاة، وهذا من المسلمات اليوم لا خلاف حوله.

قال تعالى ( سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (*) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (*) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (*) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ) [البقرة:142؛145]


فسرت هذه الآيات على أساس المعنى المذكور،
نأخذ كمثال جامع البيان للطبري:

( ... القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"وما جَعلنا القبلة التي كنت عليها"، ولم نجعل صَرْفك عَن القبلة التي كنت على التوجه إليها يا محمد فصرفْناك عنها، إلا لنعلم من يَتَّبعك ممن لا يتَّبعك، ممن يَنقلبُ على عقبيه.
* * *
والقبلة التي كان رسولُ الله ﷺ عليها، التي عناها الله بقوله:"وما جعلنا القبلة التي كنت عليها"، هي القبلة التي كنت تتوجَّه إليها قبل أن يصرفك إلى الكعبة، كما:-
٢٢٠١- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وما جَعلنا القبلة التي كنت عليها"، يعني: بيت المقدس.
٢٢٠٢- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء:"وما جَعلنا القِبلة التي كنتَ عليها". قال: القِبلة بيتُ المقدس. ) أهـ

وهذا ما ذهب اليه جل المفسرين.

ذُكرت [ القبلة ] في موضع آخر في القرآن الكريم،

قال تعالى ( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) [يونس:87]

لو حملنا لفظ قبلة على المعنى المذكور، نفهم أن الله عز وجل أمرهم بجعل بيوتهم قبلة أي أن يتوجهوا صوبها أثناء الصلاة، لا أن يتخذوها مصلى، ونلاحظ قوله بيوتكم بالجمع وليس بيتا واحدا يتوجه إليه كل المصلين بل كل واحد يتوجه نحو بيته، فهل يصح هذا المعنى ؟ أم أن للكلمة معنى آخر ؟

في نفس المرجع المذكور أعلاه نلاحظ تغير في أقوال المفسرين، ففي سورة البقرة كان معنى [ قبلة ] المكان المتوجه اليه للصلاة وفي سورة يونس مكان الصلاة ، وهذا حتى لا يتعارض نص القرآن مع المرويات التارخية فحُرّف المعنى اللغوي للكلمة.

جاء في جامع البيان للطبري:

(... ﴿واجعلوا بيوتكم قبلة﴾ ، يقول: واجعلوا بيوتكم مساجدَ تصلُّون فيها.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ﴿واجعلوا بيوتكم قبلة﴾ .(٢)
فقال بعضهم في ذلك نحو الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
١٧٧٩٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن حميد، عن عكرمة، عن ابن عباس: ﴿واجعلوا بيوتكم قبلة﴾ ، قال: مساجد.
١٧٧٩٤- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس قوله: ﴿واجعلوا بيوتكم قبلة﴾ ، قال: أمروا أن يتخذوها مساجد.
١٧٧٩٥-. . . . قال حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل قال، حدثنا زهير قال، حدثنا خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس في قول الله تعالى: ﴿واجعلوا بيوتكم قبلة﴾ ، قال: كانوا يَفْرَقُون من فرعون وقومه أن يصلُّوا، فقال لهم: ﴿اجعلوا بيوتكم قبلة﴾ ، يقول: اجعلوها مسجدًا حتى تصلوا فيها.
١٧٧٩٦- حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم: ﴿واجعلوا بيوتكم قبلة﴾ ، قال: خافوا، فأمروا أن يصلوا في بيوتهم.
١٧٧٩٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: ﴿واجعلوا بيوتكم قبلة﴾ قال: كانوا خائفين، فأمروا أن يصلوا في بيوتهم.
١٧٧٩٨- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شبل، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: ﴿واجعلوا بيوتكم قبلة﴾ ، قال: كانوا خائفين فأمروا أن يصلوا في بيوتهم. )

- أعتقد أن هذا القول هو الأقرب للصواب، إضطهد فرعون بني اسرائيل فأمرهم الله عز جل أن يصلوا في بيوتهم، لا أن يتوجهوا صوبها أثناء الصلاة، وكانوا يتوجهون شطر المسجد الحرام.

لو حاولنا فهم آيات سورة البقرة بالمعنى الأخير للفظ [ قبلة ] لتغير مفهوم الآيات:

-قال تعالى ( سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [البقرة:142] سيستفهم السفهاء عن سبب تولي المسلمين عن قبلة صلاتهم أي مكان صلاتهم (مُصَلاّهم) وهو المسجد الحرام.

- وقال ( ... وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ... ) [البقرة:143] ابتُلي المسلمون بالهجرة فمنهم من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من أبى ومكث في مكة.

- ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ...) [البقرة:144] كان المسجد الحرام قبلة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه وكان يعلم فضله ومكانته وحرمته وقد فارقه بهجرته الى المدينة فطمئنه الله عز وجل بأنه سيُوليه قبلة يرضاها أي مكان للصلاة له فضل كبير وهو المسجد الأقصى المتواجد بالمدينة، وأمره والمسلمين بالأتجاه صوب المسجد الحرام أثناء الصلاة فيه.

( وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ) [البقرة:145] أشكل علي فهم هذه الآية فقبلة النبي صلى الله عليه وسلم هي المسجد وقبلة الذين أوتوا الكتاب (مكان صلاتهم) هي الكنائس والبيع والنصارى، وحتما لن يصلي النبي ولا المسلمين فيها.

هذا والله أعلم.



رد مع اقتباس