عرض مشاركة واحدة
  #137  
قديم 12-31-2018, 07:36 PM
بودادو
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جند الله مشاهدة المشاركة
من أوجه القصور في تأريخ ما قبل البعثة عدم وجود دراسة للطقوس الدينية لسكان جزيرة العرب قبل الإسلام، وتكوين المعباد الوثنية، وعلى رأسها الكعبة باعتبارها قدس أقداس الآلهة الوثنية قبل البعثة النبوية. فنجد في النصوص ما يشير إلى التعري والتجرد من الملابس كأحد الطقوس التعبدية، والطواف بالكعبة، وعموم طقوس الحج الوثني (وهو خلاف الحج الإسلامي).
فمن الطقوس الوثنية التطهر، ومنها الشرب والسقاية والاغتسال بالمياه المقدسة، فنجد طقوس الطهارة كانت تمارس في بئر زمزم، وتقع بجوار الكعبة. فلم تكن المعابد الوثنية في جزيرة العرب تستغني عن استخدام المياه، حتى المشيدة منها بعيدا عن العمران، وخارج نطاق المدينة، فكان للمياه استخدامات طقوسية مختلفة، فيتبرك بها شرباً، ويغتسل بها تطهرا من الذنوب والآثام. وهذا يلزم منه وجود تمديدات لقنوات نقل المياه من الآبار إلى مغاطس الاغتسال والتطهير التي تتسع لفرد، أو أحواض ضخمة على هيئة بحيرات صناعية لزوم أداء طقوس التطهير الجماعية، فضلا عن تمديد قنوات أخرى لتصريف الفائض خارج المعبد. فهناك نصوص تشير إلى وجود بلاط كان محيط بالكعبة في الجاهلية، ومن وظائفه تغطية مصارف المياه، وإلا فكيف كانت العرب تتخلص من فضلات استخدام ماء زمزم في الجاهلية؟! فاليوم تغرق الأرض بالمياه نتيجة كثرة استخدامها ليل نهار، ولولا وجود تصريف لغرق الحرم من وفرة فضلات المتبركين بماء زمزم يوميا.
ولذلك "تعتبر المياه من أهم ملحقات المعابد في حضارات الشرق الأدنى القديم بشكل عام، وكان لابد من توافرها في المعبد بشكل دائم على اعتبار أنها مقدسة في الأصل وتستخدم في طقوس الاستشفاء عن طريق الشرب والاغتسال، إلى جانب استخدامها في التطهر، ولهذا ألحقت بالمعابد بأشكال مختلفة مثل الآبار والينابيع والأحواض المقدسة.
ففي الديانة المصرية القديمة كانت للمياه أهمية بالغة واعتبرت من أهم ملحقات المعابد واختلف أشكال خزنها سوى على شكل بحيرات أو غرف كان يتم التطهر فيها". [ ]
ويتأكد لنا هذا من وجود بقايا آبار المحفورة داخل المعابد الوثنية في اليمن قبل الميلاد، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من جزيرة العرب، "ويتبع هذه النوعية من الآبار المحفورة في أفنية المعابد البئر التي عثر عليها في معبد "سين" في مدينة "سمهرم" في مملكة حضرموت والجزء الظاهر على سطح الأرض مستطيل الشكل أطواله 1,10 في 1,25م وحفرتها مربعة الشكل طول ضلعها 1م وبعمق 15م وبنيت جدرانها الداخلية بحجارة مشذبة، وتستخرج المياه إلى حوض كبير فتحته بالقرب من الأرضية يتسرب من خلالها الماء إلى قناة تصريف تؤدي إلى خارج المعبد ويرجح أنه استخدم لغرض الطهارة مقارنة بمعبد بآن في مملكة سبأ إلى جانب الشرب لأن موقع المدينة التي بني بداخلها منعزل عن العمران.
وقد يتمثل مصدر المياه في نبع جاري تتم الاستفادة منه من خلال توصيله إلى المعبد ليجمع في أحواض ومن ثم ينبى نظام تصريف دقيق للمياّ الزائدة إلى خارج المعبد، وتمك الكشف عن هذا النموذج في معبد معربم "المساجد" حيث عثر على مكعب من الحجر طول ضلعه 3,80م ومحاط بجدران، إلى جانب قناة محوتة لتسريب المياه، ويؤكد ذلك أن في منطقة المساجد التي بني فيها المعبد عين ماء كانت تحري إلى وقت قريب". [ ]
ونجد أن العرب قديماً نحتوا قنوات تمديد المياه والصرف من الحجارة، وهذا كان شائعاً قبل التاريخ، كما اتخذوا إلى جانب ذلك أنابيب مسبوكة من البرونز، بل وصنعوا مغاطس للاستحمام من البرونز كما نحت أخرى من الحجارة.
"وقد يكون مصدر المياه من المعبد على شكل أحواض كبيرة تبنى من الحجارة أو تصنع من البرونز توضع في أماكن معينة من المعبد وتجلب إليها المياه من خارجه، فقد تم اكتشاف ثلاث كسر لحوض من البرونز في مدينة سمهرم وله مقابض حول الحافة.
وأوضح أمثلة للأحواض البرونزية ذلك الذي عثر على بقاياه في قاعة المدخل في معبد أوام، ويحمل نقوش بخط المسند حول حافته تذكر اسم الملوك "سمه وتر أخ يدع إل ويثع أمر" ويعود إلى نهاية القرن الخامس ق.م ويبلغ طوله 2,30م، وكانت المياه التي تفيض من الحوض تجمع في حفرة بحانب الحوض، كما عثر على حوض آخر بجانب البوابة كانت تتسرب منه المياه وتخرج فوق الدرج ثم تصرف من خلال نظام تصريف يتكون من قناة ظهرت فيها آثار حت المياه، وذلك يدل على أنه ظل يتساقط لفترة طويلة من الزمن بعد خروجه من الحوض البرونزي، وتختفي تلك القناة تحت أرضية فناء المدخل مما يرجح أن مصدر المياه كان عبارة عن بئر داخل المعبد نفسه وبالقرب من القاعة.
وفي عدد آخر من المعابد عثر على أساليب تصريف المياه تدل علي استخدامه بكميات كبيرة مقل معبد "ود" حيث تختفي قناة التصريف تحت أرضية الفناء وكذلك معبد "عثتر" داخل مدينة تمنع في مملكة قتبان حيث تمر قناة التصريف تحت السلم وتؤدي إلى حوض مستطيل تبلغ قياساته 4,8 في 2,38م وتحمل نقش يذكر اسم الملك "شهر غيلان". [ ]
فكانت الآبار المقدسة ملازمة للمعابد الوثنية في الجاهلية قبل الإسلام، وليس أدل على هذا من مجاورة بئر زمزم للكعبة، فتعتبر من أهم ملحقاتها، باعتبار أن الكعبة كانت تتخذ قدس الأقداس، فكانت تعتبر نموذجاً للمعبد الوثني في الجاهلية، حيث تذكر الروايات أنه اجتمع فيها وحولها عدد هائل من الأصنام، سواء داخلها، أم خارجها، أم على سطحها. وكان يتبرك بمياه زمزم بالشرب والتطهر والاستشفاء، ولا تزال هذه المعتقدات معمول بها حتى اليوم لم تتوقف، رغم تغير طعمها بحسب شهادة المعمرين في زماننا. وورد في النصوص أنها شفاء من سقم، وقد جربنا شربها مراراً وتكراراً بنية خالصة، وهذا عملاً بالنصوص الواردة في ذكر فضلها، فلم نجد لها أدنى أثر يذكر في الشفاء.
تحت عنوان [ المنشئات المائية في مكة منذ قبل ما الإسلام حتى نهاية العصر الأموي ] في مرجع (الجزيرة العربية في العصر الأموي)؛ ذُكر تواجد عدد هائل من الآبار في مكة خاصة حوالي الحرم، وأن العديد منها حُفِر داخل البيوت أو بجانبها، وكان هذا قبل البعثة النبوية.(1)

وقد اجتهد القرشيون في توفير كل ما يلزم الحجاج والوافدين على مكة بغية الإستفادة من المعاملات التجارية معهم والأمر أشبه بما يحدث اليوم.

كثرة الآبار دليل على كثرة طلب المياه؛ وقد استعملت في الغسل والتطهر والشرب وسقاية الدواب وغسل الأواني والملابس، واستعمال غزير كهذا يلزمه قنوات لصرف الماء، وبما أن الإنسان عرف تطويع المعادن وصنع الأحواض المائية في تلك الفترة فأكيد وُضِعَت قنوات لصرف الماء المُستعمَل، وغياب الدليل المادي من كتب التاريخ لا ينفي وقوع الحدث فكم من حقائق أُثبتت في القرآن الكريم لم يرد لها أدنى ذكر فيها.

وقد جاء ذكر القنوات في القرن الأول للهجرة بلفظ (قصب الرصاص) ونُسبت لخالد بن عبد الله القسري، يقول الكاتب " .. وقد كلف الخليفة سليمان بن عبد الملك (96-99 هـ/ 715-717 م) واليه على مكة خالد بن عبد الله القسري سنة 96هـ/705م بأن يجري له عينا من الثقَبة (بين حراء وثبير) بأصل جبل ثَبيِْر فأنبط خالد الماء، وعمل بركة بحجارة منقوشة طوال، يقال لها بركة القسري، وبركة السَروي، وبركة البَرَدى، وأحكمها ثم شق لها فلجا يسكب فيها من الثقبة، ثم شق لها عينا تخرج إلى المسجد الحرام، فأجراها في قصب من رصاص حتى أظهرها من فوارة تسكب في فَسْقِيَّة من رخام بين زمزم والركن والمقام. ثم تفرغ الفسقيّة في سَرَب من رصاص يخرج إلى موضع وضوء كان عند باب المسجد، باب الصفا في بركة كانت في السوق واستمر هذا المشروع يؤدي وظيفته حتى أوائل العهد العباسي، .." (2)

لا يصح القول بأن هذه المنشئات استُحدثت في العصر الأموي دون العصر النبوي وما قبله إذ لا نعلم حدوث طفرة علمية في مجال الصناعات والعمران إبان القرن الأول للهجرة.

(1) الجزيرة العربية في العصر الأموي، بدءا من الصفحة 427.
(2) نفس المرجع صفحة 432.

رابط المرجع: http://ezzman.com/vb/post33054-3/



رد مع اقتباس