الموضوع: الحجر الأسود
عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 02-15-2019, 03:46 PM
بهاء الدين شلبي بهاء الدين شلبي متواجد حالياً
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 56
المشاركات: 6,739
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميراد مشاهدة المشاركة

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
فعلا الموضوع يطرح الأسئلة, ومع عدم وجود نص قطعي الثبوث يفصل في المسألة , تجدين نفسك بين مطرقة الإخباريين و سوالفهم التي هي أقرب لحكايات العجائز للصبيان, و سندان المستشرقيين الذين يتربصون بهذا الدين و ما يظهرون لك إلا ما يعزز ما نحن عليه من انحراف على الدين, أما ما اكتشفوه من حق فلن يظهروه. وأمانتهم العلمية غير موثوقة بالمرة.


جاء في المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام المجلد 7 صفحة 54 أن قصيًّا هو أول من أظهر "الحجر الأسود"، وكانت "إياد"[1] دفنته في جبال مكة، فرأتهم امرأة حين دفنوه، فلم يزل "قصي" يتلطف بتلك المرأة حتى دلته على مكانه، فأخرجه من الجبل، واستمر عند جماعة من قريش يتوارثون حتى بنت قريش الكعبة فوضعوه بركن البيت، بإزاء باب الكعبة في آخر الركن الشرقي.


كما يقول الدكتور جواد علي (مجلد 11/صفحة 231):[لا يستبعد أن تكون صخرة اللات صخرة من هذه الصخور المقدسة التي كان يقدسها الجاهليون ومن بينها "الحجر الأسود" الذي كان يقدسه أهل مكة ومن كان يأتي إلى مكة للحج وفي غير موسم الحج، لذلك كانوا يلمسونه ويتبركون به.
وإذا أخذنا برأي ابن الكلبي من أن عمرو بن لحي قال للناس: "إن ربكم كان قد دخل في هذا الحجر"، أو أن الرجل الذي كان عند الصخرة لم يمت، ولكن دخل فيها أو أن روح ميت حلت فيها ونظرنا إلى رأيه هذا بشيء من الجد، فلا يستبعد أن يشير هذا الرأي إلى ما يسمى بـ"الفتيشزم" fetichism أي عبادة الأحجار في اصطلاح علماء الأديان.
ويعنون بها عبادة الأرواح التي يزعم المتعبدون لها أنها حالة في تلك الأحجار، وخاصة الأحجار الغريبة التي لم تصقلها الأيدي، بل عبدت على هيئتها وخلقتها في الطبيعة، وهي من العبادات المنحطة بالنسبة إلى عبادة الصور والتماثيل والأصنام] انتهى كلام الدكتور جواد علي.


إذن تقديس الحجر من عادات قريش و أهل الجزيرة العربية فالناس كانت تحج للتبرك بهذا الحجر, وعبادة الحجر لم تنحصر فقط في الجزيرة العربية بل هي ممارسات عالمية تكاد لا تخلو حضارة من حجر تقدسه, هل ربطت الديانانت السماوية إحدى الشعائر بالحجر كأن يكون علامة معينة كالمحراب مثلا و بعد موت الأنبياء و الرسل انحرف الناس و غلو في أمر تقديس الحجر؟؟.



ربما الموضوع هو لطرح الأسئلة أكثر ما هو لأيجاد أجوبة.

________________

[1] إياد، قبيلة كانت مواطنها تهامة إلى حدود نجران، ثم انتشرت بسبب حروب وقعت بينها وبين ربيعة ومضر، فارتحل قسم منها إلى العراق، وانضم قسم آخر إلى قضاعة وأقام بالبحرين، وسكن قسم منها في "وادي بيشة"، وهاجر آخرون إلى بلاد الشام.
في رواية عن العباس بن عبد المطلب: كنا ننقلُ الحجارةَ إلى البيتِ حين بنتْ قريشُ البيتَ، وأفردتْ قريشٌ رجلين رجلين ينقلون الحجارةَ، والنساءُ ينقلنَ الشيدَ، وكنت أنا وابنُ أخي فكنا ننقلُ على رقابِنا، وأُزُرُنا تحت الحجارةِ، فإذا غَشِيَنا الناسُ ائتزرْنا، فبينا أنا أمشي ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم قدَّامي ليس عليه إزارٌ خرَّ فانبطحَ على وجهِه، فجئتُ أسعى، وألقيتُ حجرِي، وهو ينظرُ إلى السماءِ فقلتُ: ما شأنُك؟ فقام وأخذَ إزارَه، فقال: (إني نُهيتُ أن أمشي عُرياناً). فقلتُ: اكتمُها مخافةً أن يقولوا مجنونٌ.[1]

والملفت في هذه الرواية تضمنها إشارة إلى أنه أوحي إليه صلى الله عليه وسلم، بدليل أنه حين خر منبطحا على وجهه سأله عمه: ما شأنُك؟ فأجابه قائلاً: (إني نُهيتُ أن أمشي عُرياناً). أي نزل عليه الوحي بالنهي حينها، وأنه خر على وجهه لشدة نزول الوحي حتى قال عمه العباس: اكتمُها مخافةً أن يقولوا مجنونٌ. أي أنه كان يوحى إليه قبل بعثته نبياً، وهذا لا تعارض أن يكون من إرهاصات النبوة، فهذه الحادثة وقعت قبل بعثته صلى الله عليه وسلم بخمس سنين، لما ورد بسياق مختلف عن أبي الطُّفَيل قال: "... وجعلوا يبنونَها بحجارةِ الوادي تحمِلُها قريش على رقابِها، فرفعوها في السَّماء عشرين ذراعًا، فبينا النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يحمِلُ حجارةً من أجناد وعليه نَمِرة فضاقت عليه النَّمِرة فذهب يضَعُ النَّمِرة على عاتِقِه، فتُرى عورتُه من صِغرِ النَّمِرة، فنودي: (يا مُحمَّدُ، خَمِّر عَورتَك)، فلم يُرَ عريانًا بعد ذلك، وكان يُرى بين بناء الكعبة وبين ما أُنزِلَ عليه خمس سنين، وبين مخرجه وبنيانها خمس عشرة سنةً". [2]

وبلفظ آخر صححه الألباني عن أبي الطُّفَيلِ وذكرَ بناءَ الكَعبةِ في الجاهليَّةِ قال فهَدمَتها قُرَيشٌ وجعَلوا يَبنونَها بحِجارَةِ الوادي تحمِلُها قُرَيشٌ علَى رِقابِها فرَفعوها في السَّماءِ عِشرينَ ذراعًا فبَينا النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يحملُ حجارةً مِن أجيادٍ وعلَيهِ نَمِرةٌ فضاقَت علَيهِ النَّمرةُ فذهبَ يضعُ النَّمرةَ علَى عاتقِهِ فَيُرَى عَورتُهُ مِن صِغَرِ النَّمرةِ فنوديَ: (يا محمَّدُ خَمِّر). وفي روايةٍ (لا تكشِفْ عَورتَكَ)، فما رُؤِيَ عُريانًا بعدَ ذلِكَ.[3]

لكن أن ينفى الحياء عن النبي صلى الله عليه وسلم، حتى وإن نسب إليه هذا قبل البعثة، فيقال أنه كان يكشف عن عورته، فادعاء هذا التهتك عليه صلى الله عليه وسلم يتعارض مع كونه على خلق عظيم بفطرته، قبل البعثة وبعدها، فأين رواياتهم بما تحويه من مجون وتهتك من مكارم الأخلاق التي بعث ليتمها؟ فهذا ما لا أدري كيف مرره المحدثون، وسودوا به صفحات كتبهم، وصحائف أعمالهم، وكيف تجرؤوا على نبينا صلى الله عليه وسلم، ويريدون إقناعنا بمحبتهم له؟! ثم لم يجدوا من يتصدى لهم وينكر عليهم، وكأن الأمة تجمدت عقولها، فرضخت لهذا الإفك المبين قروناً من السبات العميق لا تحرك ساكناً.

فقد روى البخاري نفس القصة بلفظ آخر عن جابر بن عبد الله أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كان يَنقُل مَعهُمُ الحِجارةَ لِلكَعبةِ، وعليهِ إِزارُه، فَقال لَه العبَّاسُ عمُّه: يا بنَ أَخي، لو حَللتَ إِزارَك فجَعلتَ على مَنكِبيكَ دونَ الحِجارةِ، قال: فحَلَّه فجَعَله على مَنكبَيه، فسَقطَ مَغشيًّا عليهِ، فَما رُئيَ بعدَ ذلكَ عُريانًا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم. [4]

معنى كلام الراوي أن التهتك كان أمراً اعتياديا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، يقول له عمه: "لو حَللتَ إِزارَك فجَعلتَ على مَنكِبيكَ دونَ الحِجارةِ " فيحل إزاره بلا أدنى حياء يمنعه من كشف عورته، وما كان لينتهي لولا أن نهاه الوحي عن ذلك. فيصور لنا الراوي أهل مكة فقراء معدمين، لا يجدون إلاّ الأُزُرُ يسترون بها سوءاتهم، في حين أنهم كانوا أثرياء يرفلون في النعيم، بدليل سورة قريش التي تذكرهم ما كانوا فيه من نعمة فقال تعالى: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَـذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) [قريش].

وليت الكذب عليه وقف عند حد تجرده قبل البعثة، بل نجد أن الراوي يؤكد أنه صلى الله عليه وسلم لم يرى بعد ذلك عرياناً، وهذا قبل البعثة بخمس سنين، فيفهم من هذا أنه عاصر النبي صلى الله عليه وسلم حتى وفاته لكي يحكم بهذا الحكم. بينما في رواية أخرى تعارض هذا وقعت بعد الهجرة، أي بعد أكثر من خمسة عشر عاما من بناء الكعبة، نسب إلى عائشة أنها قالت: قدِمَ زيدُ بنُ حارثةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ المدينةَ ورسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في بيتي فأتاهُ فقرعَ البابَ، فقامَ إليهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عُريانًا يجرُّ ثوبَه، واللَّهِ ما رأيتُه عُريانًا قبلَه ولا بعدَه، فاعتَنقَه وقبَّلَه. [5] فالراوي لا يثبت فقط تعريه صلى الله عليه وسلم، وإنما يتهم أم المؤمنين بخيانة الأمانة، فلم تصون سر النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما فضحته وكشفت ستره للناس، فروت عنه هذا التهتك، هذا على فرض أنه حدث بالفعل.

والحقيقة أن كلا الروايتين فيهما من الاجتراء ما لا يقبل، ومن الكذب المفضوح ما لا يخفى. فإن كان علم الرواية والدراية، والجرح والتعديل، علوم حقيقية بما تحمله الكلمة من معنى، لأنكر المحدثون تلك النصوص الماجنة، لأنها طعن صريح في النبوة فما كان الله ليصطفي رجلاً بالنبوة متجرداً من الحياء، وهذا اتهام لله تعالى باصطفاء من لا يستحق النبوة، وجرح في عدالة النبي صلى الله عليه وسلم. ولو كانت هذه العلوم علوماً حقيقية، فروي عن أحد الرواة هذه الفظائع التي نسبت كذباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهل سيحكمون بعدالة الراوي؟
ـــــــــــــــــــــــــ
[1] الراوي : العباس بن عبدالمطلب| الضياء المقدسي | السنن والأحكام | الصفحة أو الرقم: 1/169 | خلاصة حكم المحدث : إسناده لا بأس به وله حديث يشهد لصحته
التخريج : أخرجه ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (354)، والبزار (1295)، وابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (7/200) باختلاف يسير
[2] عن أبي الطُّفَيل قال: كانت الكعبةُ في الجاهلية مَبنيةً بالرضمِ، وكانت قدر ما [يقتَحِمُها] العَناق، وكانت غير مسقوفةٍ، وإنما توضع ثيابُها عليها ثم تُسدلُ سَدلًا عليها، وكان الركن الأسود موضوعًا على سورها تأدبًا، وكانت ذات ركنينِ كهيأة الحَلقةِ، فأقبلت سفينةٌ من أرض الروم حتى إذا كانوا قريبًا من جُدَّة تكسرت السفينةُ، فخرجت قريشٌ ليأخُذوا خَشَبها فوجدوا روميًّا عندها، فأخذوا الخشب أعطاهم إياه، وكانت السفينةُ تريد الجليثية، وكان الرومي الذي في السفينة نجَّارًا، فقَدِموا وقدموا بالروميِّ، فقالت قريشٌ: نبني بهذا الخشَبِ الذي في السفينة بيتَ رَبِّنا، فلما أرادوا هَدمَه إذا هم بحيَّةٍ على سورِ البَيتِ مثل قطعة الحائر سوداء الظهر بيضاء البطن، فجعلت كلَّما دنا أحد إلى البيت ليهدِمَه أو ليأخذ مِن حِجارتِه سعَتْ إليه فاتحةً فاها، فاجتمعت قريش عند المقام، فعَجُّوا إلى الله عز وجل، فقالوا: ربَّنا لم نُرع، أردنا تشريفَ بَيتِك وترتيبه، فإن كنت ترضى بذلك فافعل ما بدا لك فسَمِعوا خوارًا في السماءِ، فإذا هم بطائر أسود الظهر أبيض البطن والرِّجلينَ أعظم من البشرِ، فغَرَز مخاليبه في رأس الحيَّة حتى انطلق بها يجرُّ ذَنَبها أعظمَ من كذا وكذا ساقطًا، فانطلق نحو أجناد فهَدَمتْها قريش وجعلوا يبنونَها بحجارةِ الوادي تحمِلُها قريش على رقابِها، فرفعوها في السَّماء عشرين ذراعًا، فبينا النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يحمِلُ حجارةً من أجناد وعليه نَمِرة فضاقت عليه النَّمِرة فذهب يضَعُ النَّمِرة على عاتِقِه، فتُرى عورتُه من صِغرِ النَّمِرة، فنودي: (يا مُحمَّدُ، خَمِّر عَورتَك)، فلم يُرَ عريانًا بعد ذلك، وكان يُرى بين بناء الكعبة وبين ما أُنزِلَ عليه خمس سنين، وبين مخرجه وبنيانها خمس عشرة سنةً.
الراوي : عامر بن واثلة أبو الطفيل | الهيثمي | مجمع الزوائد | الصفحة أو الرقم 3/292 | رجاله رجال الصحيح .
[ 3] الراوي : عامر بن واثلة أبو الطفيل | الألباني | السلسلة الصحيحة | الصفحة أو الرقم 5/492 | إسناده صحيح.
[ 4] الراوي : جابر بن عبدالله | البخاري | صحيح البخاري الصفحة أو الرقم 364 | صحيح.
[ 5] الراوي : عائشة أم المؤمنين | ابن حجر العسقلاني | تخريج مشكاة المصابيح | الصفحة أو الرقم 4/329 | حسن كما قال في المقدمة.
التخريج : أخرجه الترمذي (2732)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (6905)، والعقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (4/427) باختلاف يسير.



رد مع اقتباس