عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 09-15-2019, 11:18 PM
بهاء الدين شلبي بهاء الدين شلبي غير متواجد حالياً
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 56
المشاركات: 6,729
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

يوجد في الآيات أكثر من قرينة تدل على أن طالوت لم يكن مجرد ملك فحسب، وإنما كان رسولا ملكا، بعثه الله عز وجل ليقود بني إسرائيل للقضاء على جالوت

[1] - قوله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا) فهل بعثه ملكا، أم بعثه رسولا ملكا؟

[2] ـ وقوله تعالى: (قَالَ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) وهنا اصطفاه الله عز وجل على بني إسرائيل، ومنهم النبي الذي بلغهم هذا، وكان من الممكن أن يصطفي الله تعالى هذا النبي ويجعله ملكا، ولكن اصطفاه الله بالنبوة، وبعث معه طالوت ملكا كما أرسل الله هارون مع نوسى عليهما السلام.

[3] ـ وقال تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) نفهم من هذه الآية أن طالوت كان ملكا مؤيدا بالملائكة تحمل التابوت، وفيه ميراث الأنبياء. والتأييد بالملائكة غالبا لا يكون إلا للمرسلين، ولا يمتنع أن يكون لغيرهم، لكن التأييد بالملائكة كان آية لبني إسرائيل، والآيات تكون تأييدا للمرسلين.

[4] ـ وقال تعالى: (قَالَ إِنَّ اللَّـهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ) في هذه الآية ينبئ طالوت قومه بأمر ربه عز وجل، والوحي لا يكون إلا لنبي أو رسول، لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) [الشورى: 51] وكلامه هنا نبوءة ونذير بابتلاء من الله تعالى وهذا لا يكون إلا بوحي.

[5] ـ ثم قال تعالى: (وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ) [البقرة: 251] فذكر أن داوود (آتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ)، وطالوت آتاه الله الملك و(إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ) الأرجح بالرسالة، وداوود (عَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ) بينما طالوت (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) فنجد توافق في الوصف بين ذكر طالوت وداوود، ومع هذا لم تصرح الآيات بأن أحدهما كان نبيا أو غير نبي، لكن ثبت من موضع آخر أن دواوود من النبيين، فقال تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) [النساء: 163].

فالقرائن هنا ترجح أن طالوت اصطفاه الله بالرسالة، وكان يوحى إليه من ربه، وكان مؤيدا بالملائكة، وهذا لا يكون إلا لرسول. وإن قسنا على هذا فالراجح أن خليفة آخر الزمان سيكون رسولا يبعثه الله تعالى، ويعمل بكتاب الله تعالى، وبكتب الحكمة التي خطها النبي صلى الله عليه وسلم بيمينه الشريفة، ويؤيد بالدابة المهدية عليها السلام، وبالتابوت تحمله الملائكة.

فكلمة [خليفة] لا يراد بها خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لوجود انقطاع بين زمن النبوة وبين ظهور الخليفة آخر الزمان، وإنما يراد بها خليفة الله في الأرض كما كان داوود عليه السلام خليفة الله في الأرض يحكم بالقسط والعدل قال تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) [ص: 26]

فقد ورد في حق خليفة آخر الزمان قوله صلى الله عليه وسلم: (يَقتتِلُ عندَ كَنزِكم ثلاثةٌ، كلُّهم ابنُ خَليفةٍ، ثُمَّ لا يَصيرُ إلى واحدٍ منهم، ثُمَّ تَطلُعُ الرَّاياتُ السُّودُ مِن قِبلِ المَشرقِ، فيَقتُلونَكم قَتلًا لم يَقتُلْه قَومٌ، -ثُمَّ ذَكَرَ شيئًا لا أحفَظُه- فقال: فإذا رَأَيتُموه، فبايِعوه ولو حَبْوًا على الثَّلجِ؛ فإنَّهُ خَليفةُ اللهِ المَهديُّ). [1]

إذن فخليفة آخر الزمان هو (خَليفةُ اللهِ) ليس في بلد بعينها، ولكن في ربوع الأرض قاطبة حيث سيمتد حكمه ليشمل العالم كله. والشاهد على هدا ما ورد في رواية أخرى (تكونُ هدنَةً على دَخَنٍ : … ثُمَّ تكونُ دعاةُ الضلالَةِ ، فإِنْ رأيْتَ يومَئِذٍ خليفَةَ اللهِ فِي الأرْضِ فالزمْهُ ، وإِنَّ نَهَكَ جِسْمَكَ ، وأخذ مالَكَ ، وإِنْ لم تَرَهُ فاضرِبْ في الأرْضِ ، وَلَوْ أنْ تموتَ وأنتَ عاضٌ على جِذْلِ شجرةٍ). [2]

وفي رواية قال: (سَمِعتُ صَخْرًا يُحدِّثُ عن سُبَيعٍ قال: أرسَلوني مِن ماهَ إلى الكُوفةِ أشْتَري الدَّوابَّ، فأتَيْنا الكُناسةَ، فإذا رَجُلٌ عليه جَمْعٌ، قال: فأمَّا صاحبي فانطَلَقَ إلى الدَّوابِّ، وأمَّا أنا فأتَيْتُه، فإذا هو حُذَيفةُ، فسَمِعتُه يقولُ: كان أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسأَلونَه عن الخَيرِ وأسأَلُه عن الشَّرِّ، فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ، هل بعدَ هذا الخَيرِ شَرٌّ كما كان قَبلَه شَرٌّ؟ قال: نَعَمْ، قُلتُ: فما العِصْمةُ منه؟ قال: السَّيفُ -أحسَبُ أبو التَّيَّاحِ يقولُ: السَّيفُ، أحسَبُ- قال: قُلتُ: ثم ماذا؟ قال: ثم تكونُ هُدْنةٌ على دَخَنٍ، قال: قُلتُ: ثم ماذا؟ قال: ثم تكونُ دُعاةُ الضَّلالةِ، فإنْ رَأيتَ يَومَئذٍ خَليفةَ اللهِ في الأرضِ فالْزَمْه، وإنْ نَهَكَ جِسمَكَ وأخَذَ مالَك، فإنْ لم تَرَهُ فاهْرُبْ في الأرضِ، ولو أنْ تَموتَ وأنتَ عاضٌّ بجِذْلِ شَجَرةٍ، قال: قُلتُ: ثم ماذا؟ قال: ثم يَخْرُجُ الدَّجَّالُ، قال: قُلتُ: فبِمَ يَجيءُ به معه؟ قال: بنَهَرٍ -أو قال: ماءٍ- ونارٍ، فمَن دَخَلَ نَهَرَه حُطَّ أجْرُه ووَجَبَ وِزْرُه، ومَن دَخَلَ نارَه وَجَبَ أجْرُه وحُطَّ وِزْرُه، قال: قُلتُ: ثم ماذا؟ قال: لو أنتَجْتَ فَرَسًا لم تَركَبْ فَلُوَّها حتى تقومَ السَّاعةُ). [3]

فقال: (خَليفةَ اللهِ في الأرضِ) ويراد به هنا خليفة آخر الزمان، وهذا النص لا يسري في حق أي حاكم جائر ظالم، فأعطى الشارع هذا الخليفة العادل صلاحيات لم يعطها لغيره، فقال: (فالْزَمْه، وإنْ نَهَكَ جِسمَكَ وأخَذَ مالَك،) فأمر بملازمته أي نصرته وطاعته، وإن أنهك جسمك في القتال، وأخذ مالك لشراء العدة وتجهيزات الحرب.

وعليه فحال خليفة آخر الزمان كحال طالوت وداوود عليهما السلام، يحكم الأرض كلها، وإنا كان من المصطفين من عباد الله، فإن خليفة آخر الزمان من المصطفين كذلك، فيصطفيه الله عز وجل بالوحي والرسالة (أي القيام بمهمة محددة)، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رسول الله وخاتم النبيين فلا نبي بعده يأتي بكتاب، قال تعالى: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [الأحزاب: 40] فهو خاتم النبيين ولم تثبت الآية أنه خاتم المرسلين، فهذا لا ينفي أن يبعث بعده رسولا يعمل بالقرآن العظيم، والدليل هو تبشيره صلى الله عليه وسلم بظهور خليفة الله في الأرض آخر الزمان، والذي توجد عنه بشارات عند أهل الكتاب وينتظرون ظهوره كما كانوا ينتظرون ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل.


والله تعالى أعلى وأعلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
[1] الراوي : ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند
الصفحة أو الرقم: 37/ 71 | خلاصة حكم المحدث : رجاله ثقات رجال الصحيح، [وروي موقوفا]
التخريج : أخرجه ابن ماجه (4084) واللفظ له، وأحمد (22387) بنحوه
[2] الراوي : حذيفة بن اليمان | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع
الصفحة أو الرقم: 2995 | خلاصة حكم المحدث : حسن
[3] الراوي : حذيفة بن اليمان | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند
الصفحة أو الرقم: 23425 | خلاصة حكم المحدث : حسن دون قوله: "لو أنتجت فرسا لم تركب فلوها حتى تقوم الساعة"،



رد مع اقتباس