عرض مشاركة واحدة
  #36  
قديم 11-29-2020, 04:19 PM
محمد عبد الوكيل محمد عبد الوكيل غير متواجد حالياً
عضو
 Saudi Arabia
 Male
 
تاريخ التسجيل: 13-02-2020
الدولة: أرض الله
المشاركات: 207
معدل تقييم المستوى: 5
محمد عبد الوكيل is on a distinguished road
افتراضي

قال تعالى (فَلَمَّا قَضَیۡنَا عَلَیۡهِ ٱلۡمَوۡتَ مَا دَلَّهُمۡ عَلَىٰ مَوۡتِهِۦۤ إِلَّا دَاۤبَّةُ ٱلۡأَرۡضِ تَأۡكُلُ مِنسَأَتَهُۥۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَیَّنَتِ ٱلۡجِنُّ أَن لَّوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ ٱلۡغَیۡبَ مَا لَبِثُوا۟ فِی ٱلۡعَذَابِ ٱلۡمُهِینِ﴾ [سبأ:١٤]

يؤخذ من الآية حقيقتين .. الأولى أن جزئية أكل (دابة الأرض) للمنسأة هي من دلت الجن على حقيقة وفاة سليمان عليه السلام .. أي أنه لو كان حيا لما فعلت ذلك .. ليس بإرادتها؛ لأنها حيوان أو حشرة .. أي أن النبي عليه السلام ما كان ليتركها تأكل منسأته لسبب من الأسباب أو أنها لم تكن لتستطيع.

الثانية أن الشياطين كانت لابثة في العذاب المهين طيلة الزمن الذي ظنوا أن سليمان عليه السلام كان حيا .. وأنهم لو علموا خلاف ذلك ما لبثوا .. أي أنه عليه السلام -شخصيا- كان يشكل لهم تهديدا .. فبمجرد أنه حي .. تلبث الشياطين في العذاب المهين بإذن الله تعالى لسبب ما له علاقة مباشرة بسليمان عليه السلام .. بمجرد عصيانهم؛ يقع عليهم ذلك السبب بواسطة سليمان عليه السلام عقابا لهم.

تحيلنا هذه الحقيقة لقوله تعالى (لِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهۡرٞ وَرَوَاحُهَا شَهۡرٞۖ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَيۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن يَعۡمَلُ بَيۡنَ يَدَيۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَمَن يَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ)[سبأ:12]

أمر النبي سليمان عليه السلام هو أمر الله تعالى لأن الأنبياء يبلغون عن ربهم وينفذون أوامره .. وعليه وبجمع الآية مع ما تقدم .. سليمان هو سبب وقوع عذاب السعير على الشياطين .. أي أنهم كانوا يحذرون أن يوقع عليهم هذا العذاب طالما هو حي .. وعليه تكون "المنسأة" هي السلاح مصدر هذا العذاب .. ولخصوصيته ولخطورة العدو بما يمتلك من قوة وسرعة خاطفة .. كان عليه السلام يضعه بمحاذاته أثناء صلاته حذرا من أي طارئ .. كما في قوله تعالى (وَرَآئِكُمۡ وَلۡتَأۡتِ طَآئِفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ يُصَلُّواْ فَلۡيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلۡيَأۡخُذُواْ حِذۡرَهُمۡ وَأَسۡلِحَتَهُمۡۗ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ تَغۡفُلُونَ عَنۡ أَسۡلِحَتِكُمۡ وَأَمۡتِعَتِكُمۡ فَيَمِيلُونَ عَلَيۡكُم مَّيۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن كَانَ بِكُمۡ أَذٗى مِّن مَّطَرٍ أَوۡ كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَن تَضَعُوٓاْ أَسۡلِحَتَكُمۡۖ وَخُذُواْ حِذۡرَكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا)[النساء:102]

فالكافر جبان ختّال يريد أن يستغل فرصة انشغال المؤمن بصلاته ليباغته ويغتاله.

وعودة لإسقاط هذا المعنى على الآية .. نفهم أنه ما كان "لدابة الأرض" أن تأكل هذا السلاح (المنسأة) .. إما لأن سليمان عليه السلام كان ليمنعها .. إما أنها لم تكن لتستطيع، وعندما تمكنت من ذلك علمت الشياطين أن سليمان توفي.

بالنسبة لدلالة تسمية (دابة الأرض) راودتني فكرة كون الحادثة وقعت خارج الأرض ولذلك تمت نسبة تلك الدابة للأرض دليلا على استثناء .. ولا يتعارض هذا الاحتمال مع احتمال كونه مات يصلي بإمكانه استقبال القبلة أينما يكون .. لكن مسألة وجود الشياطين في الأرض تنفي هذا الاحتمال على أساس أنه عليه السلام كان قريبا منهم.

ومحاولة لربط المعنى اللغوي ل (المنسأة) مع ما تقدم .. أقترح أنه زيادة على عذاب السعير، كان هذا السلاح يُبقي الشياطين بعيدة و متأخرة عن سليمان عليه السلام فلا تصل إليه. [1]

__________
[1] وأَنْسَأَ عنه: تأَخَّر وتباعَدَ، من لسان العرب، نسأ.

هذا والله تعالى أعلم.



رد مع اقتباس