عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 06-15-2014, 02:04 PM
بهاء الدين شلبي بهاء الدين شلبي غير متواجد حالياً
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,740
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

هناك سوء فهم للآيات ترسخ في عقول الناس بسبب الجهل المتفشي باللغة العربية .. فأخذوا آية وأهملوا ما قبلها ولم يربطوا كلا منهما بالآخر

فسليمان عليه السلام فتنه الله عز وجل ثم أناب (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ) .. فالإنابة مترتبة على الفتنة .. فكيف (أَنَابَ)؟ .. الآية التالية تجيب عن هذا السؤال وتحدد لنا كيف أناب سليمان عليه السلام .. فقال تعالى موضحا إنابته بقوله: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) فطلب من الله تعالى طلبين .. الأول منهما: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي) وأما الثاني: (وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي)

وهذا الفهم السائد باطل من جهتين:

أنه لا يصح حمل هذا الدعاء على أن سليمان عليه السلام اشترط على الله تبارك وتعالى أن يمنع هذا الملك على من بعده .. لأن الاشتراط على الله تبارك وتعالى هو عدوان في الدعاء .. وهذا الفعل محال أن يأتيه نبي من الأنبياء عليهم السلام .. فحمل النص على هذا المعنى فاسد ولا يصح

وهذا بخلاف أنه من الخطأ القول بأن سليمان عليه السلام آثر نفسه بهذا الملك وطلب من الله عز وجل أن يحرم منه كل من يأتي بعده من عباد الله تعالى .. فهذا المفهوم من الأنانية والأثرة وحب النفس وتفضيلها على الآخرين وهذا مما لا يليق بمقام النبوة فلا يصح أن ينسب لنبي من الأنبياء أنه آثر نفسه بفضل الله تعالى دون غيره من الناس

وكذلك من آداب الدعاء [تخصيص الدعاء] فلا نطلب في الدعاء شيئا مجهولا دون تعيين .. كأن يسأل أحدهم الله فيقول (هب لي من لدنك ولدا) فقد يهبه الله ولدا كما طلب .. لكن إن لم يعين فيه الصلاح فقد يكون ولدا عاقا فاسدا قال تعالى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) [آل عمران: 38] .. وقال تعالى: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) [مريم: 5، 6] .. فثمة فارق بين [تخصيص الدعاء] فنطلب شيئا بعينه دون غيره .. كأن نسأله الفردوس الأعلى .. وبين [الاشتراط في الدعاء] فلا يصح أن نملي على الله عز وجل شرطا في الدعاء فهو يهب ملكه من يشاء ويمنعه عمن يشاء .. فالشرط في الدعاء عدوان

وعدم ورود ذكر التخصيص في نص دعاء سليمان عليه السلام فهذا لا يمنع أنه كان يعلم مسبقا نوع الملك الذي كان يسأله من الله تعالى .. فلم يطلب من الله عز وجل ملكا مبهما أو مجهولا .. لأن الآيات التالية بيت ما كان يطلبه من الملك مما أغنى عن التكرار .. خاصة وقد تكرر ذكر هذا مفصلا في غير ما موضع من كتاب الله تعالى

فقال تعالى: (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ) [ص: 36؛ 38]

وقال تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ * وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَٰلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ) [الأنبياء: 81، 82]

وقال تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 12، 13]

أما قوله (مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) فلا يحمل المعنى أنه يؤثر نفسه بهذا الملك على من بعده .. وإنما طلب ملكا علم مسبقا أن الأصل فيه أنه لا يكون لأحد من البشر .. فتسخير الريح والشياطين لم يكن لأحد من البشر لا من قبله ولا من بعده .. فطلب من ربه عز وجل أن يستثنيه من هذا الأصل ليستعين بهذا على الإنابة إلى الله تبارك وتعالى .. فقد وردت كلمة يبنغي في كتاب الله عدة مرات

قال تعالى: (وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا) [مريم: 92]

قال تعالى: (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) [الشعراء: 210؛ 212]

قال تعالى: (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس: 40]

قال تعالى: (قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا) [الفرقان: 18]

قال تعالى: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ) [يس: 69]

وكلمة ينبغي الواردة في النصوص السابقة تدور كلها حول دلالة واحدة مشتركة وهي بيان أمر ثابت وتنفي عنه التغير والتبدل .. فمن الثوابت التي لا تتغير ولا تتبدل أن الرحمن لا يتخذ ولدا .. وأن الشياطين لا تتنزل بالقرآن إنما الملائكة .. وأن الشمس لا تدرك القمر .. وأن الرسل لا يتخذون لأنفسهم أولياء يعبدونهم من دون الله .. وأن القرآن كلام الله تعالى وليس بشعر .. وكذلك ما طلبه سليمان عليه السلام من ربه كان ملكا ألأصل فيه أنه لا يناله أحد فأراد أن يستثنيه الله تبارك وتعالى من هذا ليس لمتعة شخصية وإنما ليعينه على تحقيق غاية أكبر وأعم إرضاءا لله تبارك وتعالى

فمن الواضح أن سليمان عليه السلام أراد أن يتحمل أمانة ومسوؤلية عظيمة يكفر بها عن فتنته التي وقع فيها وبهذا يحقق الإنابة إلى ربه عز وجل .. ولم يطلب ملكا زائلا لأنه كان ملكا بالفعل .. وكانت هذه الأمانة التي تحملها سليمان عليه السلام هي محاربة شياطين الجن فسخرهم الله عز وجل له يعملون بأمره إنجازات عظيمة مهولة تشهد على مر الزمان بقدرة الله تبارك وتعالى على الشياطين .. وتبقى ذكرى للشياطين بزمن التسخير أو عصر السخرة .. لتحفر في ذاكرتهم هم ونسلهم أنهم لا يستطيعون أن يسبقوا أمر الله ولا يتجاوزوه .. فعلى ما يبدو أن سليمان عليه السلام كادته الشياطين حين فتنه الله عز وجل فسأل الله أن يسخر له الشياطين لردعهم وترك ملكه آية لهم وللبشر .. إلا أنهم بمجرد وفاته سحروا على هذا الملك بما فيه من أنجازات عظيمة وبناء حتى يخفوا أثره عن أعين الناس حتى لا تستخف بهم البشر كلما رأو هذا الملك .. وإلا فأين صرح سليمان؟ وأين هو عرش بلقيس العظيم؟ وأين تلك التماثيل التي عملتها الشياطين؟ .. الحقيقة أنها مخفية عن أعين الناس إلى أن يأذن الله تبارك وتعالى بإظهارها بعد سقوط مملكة الشياطين بمقتل إبليس والدجال عليهما لعائن الله



رد مع اقتباس