بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
منتـدى آخـر الزمـان  

العودة   منتـدى آخـر الزمـان > منتدى الباحث الشرعي [بهاء الدين شلبي] > مناقشة الأبحاث والدراسات > الأبحاث والدراسات

الأبحاث والدراسات
جميع أبحاث ودراسات الباحث: بهاء الدين شلبي.(للاطلاع فقط والمناقشات في قسم مناقشة الأبحاث والدراسات).

               
 
  #1  
قديم 08-27-2020, 11:51 PM
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 56
المشاركات: 6,729
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي علاقة حاسة الشم بالتنفس

علاقة حاسة الشم بالتنفس


علاقة حاسة الشم بالتنفس

الكاتب: بهاء الدين شلبي.

كتبت بتاريخ 23 يونيو 2013

تعتبر حاسة الشم Olfactory sense من أهم الحواس تأثيرا في مخ الإنسان، وبالتالي تتسبب من خلال المخ في تعديل بعضا من وظائف الجسم الحيوية، يكفي دليلا أن من يصاب بالإغماء يسترد وعيه بشم مواد منبهة كالعطور أو البصل، فيفيق من أغماءه، ومن يستنشق بعض العطور تتحرك شهوته، مما يتسبب في تحفيز أعضاؤه التناسلية، وعلى العكس من هذا، فقد يشم رائحة فتبعث على الغثيان، وأخرى قد تصيب بالغضب والحدة، مما يشير إلى وجود علاقة بين حاسة الشم ومراكز الانتباه في المخ. فلا نخلط بين الشم والتنفس، لأن الشم جزء من عملية التنفس، لذلك إن يتنفس الإنسان عن طريق فمه فلن يشم الرائحة. فحاسة الشم يمكنها تنشيط وظائف المخ لدى الانسان، أو تثبيطه تماما، لذلك فالزيوت العطرية تؤثر تأثيرا مزدوجا من خلال التنفس، ومن خلال الشم، وكذلك الروائح الكريهة لها تأثيرها في جسم الإنسان من خلال التنفس والشم.

وكما أن الإنسان يتأثر بحاسة الشم، فكذلك الجن والشياطين يتأثرون بهذه الحاسة، بل قد تفوق حساسية الشم عند الجن، إلى حد يزيد عن مثيلها عند البشر، كما أن حاسة الشم تزيد عند الحيوانات عما لدى الإنسان، فكذلك تتفاوت قوتها بين الحيوانات المختلفة، فعلى سبيل المثال تشتهر الكلاب بقوة حاسة الشم لديها. وجدير بالذكر أن من أصناف الجن حيوانات جنية، لقوله صلى الله عليه وسلم: (الجِنُّ ثلاثةُ أصنافٍ؛ فصنفٌ لهم أجنحةٌ يطيرون بها في الهواءِ، وصِنفٌ حيَّاتٌ وكلابٌ، وصِنفٌ يحِلُّون ويظْعَنون). () قال تعالى: (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ) [الإسراء: 64]. ومن المتوقع أن حاسة الشم لدى حيواناتهم أقوى ما لدى حيواناتنا، بناءا على تفوق حاسة الشم لدى الجن بشكل عام على حاسة الشم لدى البشر.

على كل الأحوال؛ فحواس الجن تفوق حواس البشر، السمع، والإبصار، واللمس، والتذوق، والشم، فكما أن قوتها نعمة عليهم، فإنها تمثل نقطة ضعف إن أحسن المعالج استغلالها أثر في الشياطين وأضعف من تسلطهم، لأن بعض الروائح قد تؤثر في الشياطين، فتتسبب في إضعافهم، بينما على العكس قد تزيد من قوتهم بعض الروائح، فتؤثر في الجن من خلال الشم، كما أنها تؤثر فيهم من خلال التنفس. لذلك يتفنن السحرة في استخدام أنواع مختلفة من البخور بإيحاء وأمر من شياطينهم، بعضها تقوي الشياطين، وبعضها تسحر للجن المسلم، وتقضي على عمار البيوت منهم، وإن لم يحسن المعالج الشرعي استخدام الروائح في التأثير على الشياطين، فبكل تأكيد يكون قد فاته الكثير من فرص إضعافهم، فضعفهم لا يخدم المريض فقط بل يعطي الفرصة لعمار البيت من الجن المسلمين، لكي ينقضو على الشياطين فيأسروهم، ويستردوا منهم أسراهم، وهذه غنيمة كبيرة جدا لصالح المريض في اتجاه الشفاء بإذن الله تعالى.

يمكن للشيطان القيام بنفس ما تقوم به حاسة الشم من تأثيرات في المخ، فيستطيع عن طريق السيطرة على مراكز الانتباه، أن يتحكم في نشاط المريض، فينشطه أو يثبطه، فتارة تراه في حالة هياج، قد تصل إلى حد التشنجات والصرع، وتارة أخرى خاملا كسلانا، فقد يرقد زمنا مخدرا خاملا بلا حراك تماما، فإن تمت رقيته عادت إليه حركته وأفاق. بل يمكن للشيطان فعل ذلك بدون الدخول إلى المخ، فيكفي أن ينفخ في أنفه فيؤثر فيما يسمى البصلة الشمية فيهيج الإنسان أو يثبطه. فعن جبير بن مطعم قال: رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ حينَ دخلَ الصَّلاةَ قال: (اللَّهُ أَكبرُ كبيرًا، اللَّهُ أَكبرُ كبيرًا، اللَّهُ أَكبرُ كبيرًا، ثلاثًا، الحمدُ للَّهِ كثيرًا، الحمدُ للَّهِ كثيرًا، الحمدُ للَّهِ كثيرًا، وسبحانَ اللَّهِ بُكرةً وأصيلًا – اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ من الشَّيطانِ، من همزِهِ، ونفخِهِ، ونفثِهِ). () وفي رواية عن عبد الله بن مسعود قالَ: “همزُهُ المَوتَةُ، ونفثُهُ الشِّعرُ، ونفخُهُ الكِبرُ”. () وهذا اجتهاد الصحابي، فحمل دلالة النص على هذا المعاني، لكن النص يتسع ليشمل معاني أخرى خلاف ما ذكره الصحابي، خاصة من وجهة نظر المتخصص، لذلك سيتبين لنا دلالات للنص أكثر عمقا اوأدق تفصيلا، على النحو التالي:

همزات الشياطين ووساوسهم: والهمز كما في لسان العرب: “وهَمَزَ الشيطانُ الإِنسانَ هَمْزاً: هَمَسَ في قلبه وَسْواساً. وهَمَزاتُ الشيطان: خَطَراتُه التي يُخْطِرُها بقلب الإِنسان.”. () أي أن همزات الشيطان هي وساوسه، وما يلقيه في قلب الإنسان، فيصرفه عن التركيز في صلاته، فيفسد عليه عبادته. لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا نوديَ بالصلاةِ أدبر الشيطانُ وله ضُراطٌ ، فإذا قُضِيَ أقبلَ ، فإذا ثُوِّبَ بها أدبر ، فإذا قُضِيَ أقبلَ ، حتى يَخْطِرَ بين الإنسانِ وقلبِه ، فيقولُ : اذكرْ كذا وكذا ، حتى لا يدري أثلاثًا صلى أم أربعًا ، فإذا لم يدرِ ثلاثًا صلى أو أربعًا ، سجد سجدتيِ السهوِ). ()

وعن عثمان بن أبي العاص لمَّا استعمَلني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ على الطَّائفِ جعلَ يعرضُ لي شيءٌ في صلاتي حتَّى ما أدري ما أُصلِّي، فلمَّا رأيتُ ذلِكَ رحلتُ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فقال: (ابنَ أبي العاصِ؟) قلت: نعَم يا رسولَ اللَّهِ. قال: (ما جاءَ بِك؟) قلت: يا رسولَ اللَّهِ، عرضَ لي شيءٌ في صلواتي حتَّى ما أدري ما أصلِّي قال: (ذاكَ الشَّيطانُ، ادنُه) فدنوتُ منْهُ، فجلستُ على صدورِ قدميَّ، قال: فضربَ صدري بيدِهِ، وتفلَ في فَمي وقال: (اخرُجْ عدوَّ اللَّهِ) ففعلَ ذلِكَ ثلاثَ مرَّاتٍ، ثمَّ قال: (الحق بعَملِكَ). قال: فقالَ عُثمان: فلعمري ما أحسَبُهُ خالطني بعدُ. ()

أمر الله تبارك وتعالى بالتعوذ من همزات الشياطين، أي وساسهم، وما تلقيه في صدور الناس، قال تعالى: (وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ) [المؤمنون: 97، 98]، وهذه الاستعاذة ملزمة عند كل شيء من شأن أحدنا، لذلك قرنت الآية الاستعاذة بالله من همزات الشياطين بالاستعاذة من حضورهم، لأن الشياطين تحضرنا عن كل شؤون حياتنا حتى الطعام، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الشيطانَ يَحضُرُ أحدَكُمْ عند كلِّ شَيءِ من شأنِه حتى يَحْضُرَهُ عند طعامِه، فإذا سَقَطَتْ من أحدِكمْ اللُقْمَةُ فلْيُمِطْ ما كان بِها من أذَى، ثُمَّ لْيَأْكُلْها و لا يَدَعْها لِلشيطانِ، فإذا فَرَغَ فلْيلْعَقْ أصابِعَهُ، فإنَّه لا يَدرِي في أيِّ طعامِه تَكونُ البَرَكَةُ). ()

وهنا يحضر الشيطان حين تناول الطعام، فإن سقطت اللقمة وسوس للإنسان بأن علق بها شيء من الأذى فيدعها، وغرض هذا الشيطان هو تفويت شيء من بركة الطعام على الطاعم، وهنا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن لا نستجيب لوسوسة الشيطان، فقال: (فإذا سَقَطَتْ من أحدِكمْ اللُقْمَةُ فلْيُمِطْ ما كان بِها من أذَى، ثُمَّ لْيَأْكُلْها و لا يَدَعْها لِلشيطانِ)، فلا نترك للشيطان فرصة أن يفوت علينا شيئا من البركة، حتى ما علق بأصابعنا من بقايا الطعام، فأمرنا بلعقها لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا فَرَغَ فلْيلْعَقْ أصابِعَهُ، فإنَّه لا يَدرِي في أيِّ طعامِه تَكونُ البَرَكَةُ).

أما الصلاة فكلها خير وبركة، فالشيطان أحرص ما يكون على حرماننا بركتها، وتفويت فضلها علينا، لذلك يندفع الشيطان إلى الوسوسة للمؤمن في صلاته، ليفسد عليه أداءها فيحرم بركتها. فهي محببة للمؤمن، خفيفة عليه، في حين أنها ثقيلة على المنافقين، ممن يظهرون الصلاح والتقوى، ويخفى علينا حقيقة ما في قلوبهم من فساد، وأثقل صلاة عليهم هي العشاء والفجر، لأنهما أوقات الخلود للنوم والراحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أثقلَ الصَّلاةِ على المنافقين صلاةُ العشاءِ والفجرِ ولو يعلمون ما فيهما لأتوْهما ولو حبوًا). () فالشيطان لن يجهد نفسه في الوسوسة للمنافق، لأن صلته بالله مقطوعة أصلا، ولن يصل الله تعالى من قطع صلته به، لذلك لا يجد المنافق في صلاته أدنى قدر من البركة، وإن كان يدعي كذبا سعادته بها ليوهم من حوله بصلاحه. فمن أسباب هذه الطمأنينة في الصلاة أداءها في جماعة، خاصة لمن هو مصاب بفرط الوسوسة، لأنها تقلص من فرصة وساوس الشيطان، على خلاف من يصلي فردا، ففي صلاة الجماعة لا مجال للشك في عدد الركعات.

يجب أن نفرق بين معنى (الهمز) وهو أن تعيب في الآخرين، فالشيطان يهمزنا في صلاتنا، أي يظهر لنا من صلاتنا ما ليس فيها من عيوب، فيختلط الأمر على المصلي فيقول: هل أصبت في قرائتي أم أخطأت؟ هل صليت ثلاث ركعات أم أربع؟ هل خرج مني ريح أم لا؟ قال تعالى: (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ) [الهمزة: 1]، قال تعالى: (هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ) [القلم: 11]، ومعنى الهمز في لسان العرب: “والهَامِزُ والهُمَّازُ: العَيَّابُ. والهُمَزَةُ مثله، ورجل هُمَزَةٌ وامرأَة هُمَزَةٌ أَيضاً. والهَمَّاز والهُمَزَة: الذي يَخْلُف الناسَ من ورائهم ويأْكل لحومهم، وهو مثل العُيَبَةِ، يكون ذلك بالشِّدْقِ والعين والرأْس. الليث: الهَمَّازُ والهُمَزَة الذي يَهْمِزُ أَخاه في قفاه من خَلْفِه، واللَّمْزُ في الاستقبال… ابن الأَعرابي: الهُمَّازُ العَيَّابُونَ في الغيب، واللُّمَّازُ المغتابون بالحضرة؛ ومنه قوله عز وجل: ويلٌ لكل هُمَزة لمزة. قال أَبو إِسحق: الهمزة اللمزة الذي يغتاب الناس ويَغُضُّهم؛ وأَنشد: إِذا لَقِيتُك عن شَحْطٍ تُكاشِرُني، وإِن تَغَيَّبْتُ كنتَ الهامِزَ اللُّمَزَهْ ابن الأَعرابي: الهَمْزُ الغَضُّ، والهَمْزُ الكَسْرُ، والهَمْزُ العَيْبُ. وروي عن أَبي العباس في قوله تعالى: ويل لكل همزة لمزة؛ قال: هو المَشَّاءُ بالنميمة المُفَرِّقُ بين الجماعة المُغْري بين الأَحبة. وهَمَزَ الشيطانُ الإِنسانَ هَمْزاً: هَمَسَ في قلبه وَسْواساً. وهَمَزاتُ الشيطان: خَطَراتُه التي يُخْطِرُها بقلب الإِنسان …”

فهمز الشيطان على نحو أدق؛ هو كل عيب يوسوس به الشيطان للإنسان، سواء في صلاته، فيقد يهز للإنسان في عفة زوجته، أو يعيب في المقربين منه، بل قد يهمز في الله عز وجل، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزالُ الناسُ يتساءلونَ حتى يقالَ: هذا، خلقَ اللهُ الخلقَ، فمَنْ خلَقَ اللهَ؟ فمن وجَدَ مِن ذلِكَ شيئًا فلْيِقُلْ: آمنتُ باللهِ). وفي روايَةٍ: (يأتي الشيطانُ أحدَكم فيقولُ: مَنْ خلَقَ السماءَ؟ مَنْ خلَقَ الأرْضَ؟ فيقولُ: اللهُ) ثُمَّ ذَكَرَ بمثلِهِ . وزادَ : (ورسلِهِ). () فالشيطان يهمز في الله تبارك وتعالى، وينسب إليه عز وجل النقص فيقول (فمَنْ خلَقَ اللهَ؟)، فهو لا يعيب صلاتنا فقط، وإنما يتبجح حتى يعيب في الله تعالى لعنه الله وأخزاه، جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال يا رسولَ اللهِ: إنَّ أحدَنا يجدُ في نفسِه، يعرضُ بالشيء، لأن يكونُ حممةٌ أحبَّ إليه من أن يتكلَّم به، فقال: (اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، الحمدُ للهِ الذي ردَّ كيدَه إلى الوسوسةِ). () فالشيطان يهمز في عقيدة المسلم، ويذكره بنواقص ليست فيها، ويعظم هذا الهمز إن كان في الصلاة، فنحن نصلي لنعبد الله ونقدسه، وننزهه عن كل نقيصة، ولذلك يعظم هذا الهمز في أنفسنا إن وجدناه في صلاتنا، فننشغل به عن صلاتنا.

أما (الوسوسة) فهي طريقة تواصل الشيطان مع عقولنا، فيبث إلينا من خلالها الوسوسة أفكاره، فهو يغزو عقولنا عن طرق الوسوسة، ولذلك سماه الله تعالى (الْوَسْوَاسِ) [الناس: 4] لأنه (يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) [الناس: 5]، وهذا يدل على أن (العقل) المفكر يقع في الصدور لا في الدماغ، وإنما ما يقع داخل الدماغ هو (المخ) لا العقل. ففي لسان العرب: “وفي الحديث: (الحمد لله الذي ردّ كَيْده إِلى الوَسْوَسة)؛ هي حديث النفس والأَفكار … وقد وَسْوَسَتْ إِليه نفسه وَسْوَسة ووِسْواساً، بالكسر، ووَسْوس الرجلَ: كلَّمه كلاماً خفيّاً. ووَسْوس إِذا تكلم بكلام لم يبينه”. ()

لذلك أمرنا الله عز وجل بالاستعاذة من الشيطان عند تلاوة القرآن الكريم فقال: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [النحل: 98]، وأكمل صيغ الاستعاذة ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يستعيذ بالله قائلا: (اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ من الشَّيطانِ، من همزِهِ، ونفخِهِ، ونفثِهِ)، فلنحرص على سنته الشريفة هذه عند كل شيء من شؤون حياتنا، ولنتمسك بما كان عليه النبي المهدي، فهو أهدى الخلق، وأحق من غيره أن يتبع، فمن تبعه فقد رشد، ومن اتبع غيره فقد ضل ضلالا مبينا، كائنا من كان هذا المتبوع.

النفث في العقد السحرية: وإن ذهب البعض إلى أن النفث هو الشعر، لكن في هذا الموضع؛ نجد أن السحر شره أعم، بينما الشعر شره أخص. وكذلك لا تعارض بين السحر والشعر، خاصة وأن من الشعر ما يدخل في مسمى السحر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناسُ! قولوا قولَكم، فإنما تَشقيقُ الكلامِ من الشيطانِ). ثم قال رسولُ اللهِ: (إنَّ من البيانِ لَسحرًا). () فالصلاة وتلاوة القرآن الكريم يناسبها التعوذ من عموم السحر، لا من الشعر خاصة.

وفي لسان العرب: “النَّفْثُ: أَقلُّ من التَّفْل، لأَن التفل لا يكون إِلاَّ معه شيء من الريق؛ والنفثُ: شبيه بالنفخ؛ وقيل: هو التفل بعينه. نَفَثَ الرَّاقي ..”. () والنفث فعل مقترن بالرقى سواء الشرعية، أو الشركية، وكل رقية شركية هي من السحر، لذلك دائما ما ينفث السحرة أثر كل عزيمة شركية. ولاقتران التعوذ بالنفث والشيطان، فالمراد بالنفث هنا هو النفث المقترن بسحر الشيطان، كما في قوله تعالى (وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) [الفلق: 4] فأمر الله تعالى بالتعوذ من شر الأنفس النفاثات في العقد، فحذفت الأنفس، وبقي لفظ (النَّفَّاثَاتِ) يدل عليها، فالأنفس المحذوفة، تشمل كل الأنفس النفاثة؛ أي أنفس الجن والإنس على حد سواء، وإن كان قد ذهب البعض إلى القول بأن (النَّفَّاثَاتِ) هن السواحر، إلا أن هذا أشمل وأعم في الاستعاذة من نساء السحرة دون الرجال، فقد تكون النسوة الساحرات أشد في سحرهن وكيدهن من الرجال، لكن في نهاية المطاف فالسحر شر مطلق، يجب التعوذ بالله منه.

دائما يأتي النفث في أثر تلاوة الرقية، سواء كانت رقية شرعية أم شركية، لأن الريق الخفيف، والأبخرة، والزفير الخارج من الفم أثناء النفث، كل ذلك يعتبر وسيطا ناقلا إما لبركة الرقية الشرعية، وإما للعنة الرقية الشركية السحرية، فكل ما يصيبه النفث إما ينال بركة الرقية الشرعية، أو يصيبه لعنة الرقية الشركية، أو السحر بمعنى أدق. لذلك فالنفث في الرقى الشركية فعل ملازم في أداء السحر، فإن اقترن النفث بالشيطان دل على هذا قيامه بالسحر، فالنفث جزء من تأكيد السحر، وخاتم يختم به السحر ليتم تأكيد اكتماله.

فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح جسده بيديه الشريفتين بعد أن ينفث فيهما، حتى تصيب بركة الرقية جسده بالكامل، وهذا الفعل منه فيه تأكيد على أن للنفث تأثير على جسم الإنسان. والشاهد على هذا ما ذكرته عائشة أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان إذا أوى إلى فراشِه كلَّ ليلةٍ، جمع كفَّيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ). و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ). و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ). ثم يمسحُ بهما ما استطاعَ من جسدِه، يبدأُ بهما على رأسِه ووجهِه، وما أقبل من جسدِه، يفعل ذلك ثلاثَ مراتٍ. () فالقول أنه ( .. جمع كفَّيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما ..) أي جمع كفيه فقرأ فيهما ثم نفث، فأجمل الرواي الكلام، ثم فصل ما قرأ في كفيه، قبل أن ينفث فيهما، لأنه ورد في رواية أخرى قالت عائشة أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان إذا اشتكى يقرأُ على نفسِه بالمعوِّذاتِ، وينفثُ. فلما اشتدَّ وجعُه كنتُ أقرأُ عليهِ، وأمسحُ عنهُ بيدِه، رجاءَ بركَتِها. () أي أنه علي الصلاة والسلام كان يقرأ المعوذات أولا ثم ينفث، مما يفيد أنه كان يرقي نفسه على الترتيب التالي؛ كان يبدأ أولا بجمع كفيه معا، ثم يتلو المعوذات فيهما، ثم ينفث في يديه، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده. وتنبه إلى أصول الرقية الشرعية؛ فكان عليه الصلاة والسلام يبدأ من أعلى، إلى أسفل الجسد؛ فيبدأ برأسه ووجه أولا، ثم ما أقبل من جسده، لذلك على المعالج المتمكن من علمه أن يبدأ برقية المريض من أعلى إلى أسفل جسد المريض.

فالشيطان يعقد على الإنسان عقدا سحرية، وينفث فيها، فيؤثر في نشاطه وهمته، لقوله صلى الله عليه وسلم: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقدة، فإصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان). () فإذا قرأ المسلم القرآن، أو صلى، أصابه الكسل والخمول، فلا يدري ما يقرأ، وهذا عرض يشكو منه عدد غير قليل ممن أصابهم المس والسحر، فضلا من لم يصبه شيء من ذلك، وعلاجه الوضوء كما في النص، وكلما عاود الشيطان كررنا فعل ذلك، وسوف يتوقف بإذن الله، هذا إن استمر المريض على تكرار الوضوء، وإن تعذر كثرة الوضوء فيفيد بإذن الله تكرار مسح فروة الرأس بالكامل بالماء المرقي، كلما عاد الشيطان للوسوسة أو للتنويم أثناء تلاوة الورد القرآني، كررنا الوضوء او المسح بالماء.

علاقة حاسة الشم بالتنفس
أمر تكليف يحوي طلاسم مدونة على بقايا عظام (عظم اللوح)

عادة ما تذهب الأذهان إلى أن كلمة (الْعُقَدِ) من الآية، وكلمة (عقدة) من الحديث، تعنيان عقدا يعقدها الساحر على الخيط، خاصة وأنه أسلوب متبع بين السحرة، لكن في حقيقة الأمر؛ أن طريقة العقد في الخيوط غير ملازمة في كل الأسحار، وإنما هي إحدى طرق صناعة أمر التكليف، والتي لا حصر لها، من الممكن أن يكون سائل مرشوش، أو على بقايا عظام بشرية أو حيوانية، أو على حفنة من تراب مقابر، أو بعض الحبوب، أو بعض أجزاء من ملابس المسحور له، والقائمة طويلة جدا،كما سحر للنبي عليه الصلاة والسلام (في مُشطٍ ومُشاطَةٍ وجُفِّ طَلعَةٍ ذكَرٍ) كما ورد في الحديث.


سُحِرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى إنه لَيُخَيَّلُ إليه أنه يَفعَلُ الشيءَ وما فعَله، حتى إذا كان ذاتَ يومٍ وهو عِندي، دَعا اللهَ ودَعاه، ثم قال : (أشعَرْتِ يا عائشةُ أن اللهَ قد أفتاني فيما استفتَيْتُه فيه). قلتُ: وما ذاك يا رسولَ اللهِ؟ قال: (جاءَني رجلانِ، فجلَس أحدُهما عِندَ رأسي، والآخَرُ عِندَ رِجلي، ثم قال أحدُهما لصاحبِه: ما وجَعُ الرجلِ ؟ قال: مَطبوبٌ، قال: ومَن طَبَّه؟ قال: لَبيدُ بنُ الأعصَمِ اليهودِيُّ من بني زُرَيقٍ، قال: في ماذا؟ قال: في مُشطٍ ومُشاطَةٍ وجُفِّ طَلعَةٍ ذكَرٍ، قال: فأين هو؟ قال: في بئرِ ذي أَروانَ). قال: فذهَب النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أُناسٍ من أصحابِه إلى البئرِ، فنظَر إليها وعليها نخلٌ، ثم رجَع إلى عائشةَ فقال: (واللهِ لكأنَّ ماءَها نُقاعَةُ الحِنَّاءِ، ولكأنَّ نخلَها رُؤوسُ الشياطينِ). قلتُ: يا رسولَ اللهِ أفأخرَجتَه؟ قال: (لا، أما أنا فقد عافاني اللهُ وشَفاني، وخَشِيتُ أن أٌثَوِّرَ على الناسِ منه شَرًّا). وأمَر بها فدُفِنَتْ. ()

علاقة حاسة الشم بالتنفس
جف طلع النخيل كالذي سحر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وهو عبارة عن غلاف مشقوق طوليا يحتوي داخله على حبوب لقاح النخيل .. ويتوافر في النخل الذكر فقط .. وهو علاج للعقم لذلك يباع في الطرقات كما في الصورة

فأن يسحر للنبي عليه الصلاة والسلام، ويكيد له السحرة والشياطين فهذا واقع في حق الأنبياء والمرسلين، بداية من آدم عليه السلام حين وسوس له الشيطان، من قوله تعالى: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى) [طه: 120] والوسوسة عرض من أعراض السحر، إلى أيوب عليه السلام، مسه الشيطان بنصب وعذاب، من قوله تعالى: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) [ص: 41] وموسى حين خيل إليه أن الحبال والعصي حيات تسعى، من قوله تعالى: (قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) [طه: 66]. لكن أن يضره السحر، فهذا معلق بإذن الله تعالى، لقوله تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ) [البقرة: 102]. فأن يؤثر السحر في الوحي المنزل من الله عز وجل، فهذا لا يقع مطلقا، لأن الوحي المنزل محفوظ من الله عز وجل، لقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9]. فلا تستطيع الشياطين بسحرهم أن يمنعوا الملائكة من تبليغ الوحي إلى الأنبياء والمرسلين، لقوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) [الجن: 26؛ 28].

فليس كل سحر يلزمه وجود خيط معقود. ثم لا يستقيم عقلا أن يعقد الشيطان على قافية الرأس عقدا في خيط! لكننا قد نقول؛ (يعقد الساحر سحرا)، أي يبرم الساحر سحرا، بمعنى يعقد اتفاقا مع الشياطين على فعل كذا وكذا بفلان، فيمكن أن يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: (يعقد الشيطان)، أي يبرم الشيطان سحرا، أو يسحر سحرا، وضده (انحل السحر)، أي انحل عقد الساحر مع الشياطين، فانحلت عقدة السحر، فقوله صلى الله عليه وسلم: (انحلت عقدة)، أي بطل السحر وانحل.

فمعنى العقد والحل لا يقتصر فقط على الخيوط والحبال، كما في لسان العرب: “العَقْد: نقيض الحَلِّ … ويقال: عقدت الحبل، فهو معقود، وكذلك العهد؛ ومنه عُقْدَةُ النكاح؛ وانعقَدَ عَقْدُ الحبل انعقاداً”. () فالعقد والحل ضدان؛ يحتملان معان عديدة، ولا يقتصر معناها على عقد الخيوط وحلها فقط، فقد يقصد بالعقد العهد والقسم، فيتحلل المرأ من عهده وقسمه أو يمينه، قال تعالى: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) [التحريم: 2]

لذلك يعزم الساحر، فيقسم على الخدام بأسماء أسياده وأسيداهم من الجن قائلا: “أقسمت عليكم بكذا وكذا؛ إلا فعلتم كذا وكذا، وتوكلوا بفلان ابن فلانه”، كما أقسم السحرة بعزة فرعون من قوله تعالى: (فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ) [الشعراء: 44]. فإن (حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ) تمثل ما صنعوه من سحر، وقسمهم (بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ) هو عهد قطعوه على أنفسهم بأن تكون لهم الغلبة، فقالوا (إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ). فقسمهم هذا كفر وشرك، ويعد هذا عزيمة شركية، تخضع لها شياطين الجن لإمرة قرين فرعون، لأن فرعون في قسمهم لا يمثل فرعون نفسه فقط، وإنما يمثله هو وشيطانه معا، أي قرينه من الجن، وهذا يعني أن قرينه شيطان ساحر، وأن السحرة يعبدون فرعون، وقرينه من الجن معا، فقرينه إن كان ساحرا متمكنا من علمه انقادت له الشياطين، وبعبادتهما تكتسب عزائمهم السحرية قوة على خدام السحر، أما قولهم (إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ) فالغلبة كانت الغرض من سحرهم، وغايتهم أن ينالوا أجرهم من فرعون، لقوله تعالى: (وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [الأعراف: 113، 114].

فالعقدة في السحر؛ هي العهد والميثاق التي يعزم به الساحر على الخدام، ويسمى (أمر التكليف)، فيقسم الساحر على الخدام بأيمان كفرية مغلظة، وبأسماء شيطانية مفهومة أو مبهمة، فيستعدي على الخدام أصحاب تلك الأسماء إن لم ينفذوا المطلوب منهم، فيكرههم بها على تنفيذ سحر ما، وإن لم ينفذوا التكليف وقع عليهم العقاب والعذاب. فالسحر قائم على الإكراه لا على الاختيار، وهذا ما أقر به سحرة فرعون، قال تعالى: (وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) [طه: 73]. لذلك فكثير من الخدام يبغض السحر والساحر، وهذا من فرط ما يقع عليه من الجور والعذاب كما يقع على المسحور له، لكنه أسير خدمة السحر، وهو مكره بسبب عقدة السحر حتى تنحل، فإذا انحلت العقدة، رفع عنه سلطان الساحر، فقد يسلم حينها لله عز وجل، ثم يبطل السحربعد ذلك.

فهذه الرقية الشركية تسمى؛ (عزيمة) كما في لسان العرب: “والعَزِيمةُ مِنَ الرُّقَى: التي يُعزَمُ بها على الجِنّ والأَرواحِ”. () وبهذه العزيمة يعقد الساحر عقدة مع الخدام، أي يبرم معهم عهدا وميثاقا، ثم ينفث بعدها لإتمام العقد، فالنفث متمم للعقد أو العزيمة، فلا يشترط استخدام خيط ينفث فيه. فهذا القسم عقد مبرم بين الساحر والخادم، فيسمى إبرام العقد؛ عقدة، كما في قوله تعالى: (وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) [البقرة: 235]، ففي لسان العرب: “وعُقْدَة النكاحِ والبيعِ: وجوبهما؛ قال الفارسي: هو من الشدّ والربط، ولذلك قالوا: إِمْلاكُ المرأَةِ، لأَن أَصل هذه الكلمة أَيضاً العَقْدُ، قيل إِملاك المرأَة كما قيل عقدة النكاح؛ وانعَقدَ النكحُ بين الزوجين والبيعُ بين المتبابين. وعُقْدَةُ كلِّ شيءٍ: إِبرامه”. ()

ومن الحقائق المغيبة عن الكثيرين؛ أن الشيطان (في بعض الأحيان) يسحر إذا رقى الراقي بآيات من القرآن الكريم، فإن قرأ بآية فيها تنزيه لله عز وجل، تلفظ الشيطان على لسان المريض بألفاظ، يسب فيها الله عز وجل، وهذا الفعل الكفري ما هو إلا سحر يمارسه الشيطان دون أن يدري أحد، وهنا يجب على المعالج أن يتوقف فورا عن تلاوة القرآن الكريم، لأن الله تعالى نهى عن أي فعل يدفع الكافرين إلى سب الله عز وجل فقال: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام: 108]. وعلى المعالج أن يعدل عن طريقة الرقية، وأن يستبدل تلاوة القرآن الكريم، بترديد بعض الأدعية، أو بعض الذكر، أو يكرر الآذان، أو يلقي على المريض موعظة تقوم من عقيدته، وتثبته على الحق.

من المسلمات في السحر التعمد والإصرار، فلا يوجد مكانا فيه للصدفة أو الخطأ، لذلك فإن أمر التكليف مع كل سحر يقوم به الساحر، يعتبر عقد بين الساحر والشيطان، ووثيقة إدانة لا يملك الساحر التملص من الإقرار بها، والنفث ركن أساسي في العقد، يحمل بصمة أنفاس الساحر ولعابه، فهو بمثابة توثيق للعقد، وهذا فارق جوهري بين النفث في الرقية الشرعية وبين النفث في الرقى الشركية السحرية، فالرقية الشرعية يتبرك بها بالنفث والمسح، أما الرقية الشركية فهي توثيق للعقد مع الشيطان.

فالعقد المبرم ليس عقدا رمزيا، بل عقدا حقيقيا، وتختلف طريقته من عقد إلى الآخر، بحسب طريقة السحر، فقد يكون بكلمات يتمتم بها الساحر، أو يكتبها في رق، أو ورق، أو على بقايا عظام، وقد يكون بنظرة من عينيه، وهذا يتم بسحر مسبق يقوم الساحر بإعداده بحيث إن نظر إلى شيء سحر بحسب ما يتمناه في نفسه، وقد يكون عبارة عن عناصر ومركبات لا حصر لها، وهذا العقد المقترن بكل سحر هو خلاف (عقد تعميد الساحر) والذي بموجبه صار ساحرا.

الدكتور محمد جعفر في كتابه (كتاب السحر) يقول: “قد يعتقد الكثيرون أن العقد أو الميثاق الذي يبرمه الساحرمع الشيطان هو ضرب من الخيال أو عقد مجازي. ولكن الحقيقة تقرر عكس ذلك بتاتا فهذا العقد هو عقد حقيقي كأي عقد في العالم يعقد بين طرفين لأغراض معلومة. وقد ذكر المحامي الكبير (موريس جارسون) وهو أحد أقطاب المحاماة في فرنسا ويستشهد بآرائه ومبادئه اليوم الكثير من المحامين _ كما يعتبر أيضا من المراجع الموثوق بها في عالم السحر والسحرة وأعمالهم _ فقد ذكر هذا المحامي المعروف في محاضرته التي ألقاها أمام معهد (علوم ما وراء الطبيعة عام 1929) ما يأتي: “إن أول عمل يقوم به الساحر عند تحالفه مع الشيطان وظهور الأخير لمقابلته له لأول مرة هو تحرير ميثاق أو عقد ينص فيه أن يبيع الطرف الأول للطرف الثاني روحه ونفسه ومتاعه وكل ما يملك نظير أن يمنح الطرف الثاني (الشيطان) للطرف الأول (الساحر) القوة والمقدرة لإتيان الأعمال السحرية، ولكن يلاحظ في هذا العقد أن كل الإلتزامات الواردة في هذا العقد يقوم بها الطرف الأول وليس فيه أية التزامات على الطرف الثاني حتى يرجع إليها الطرف الأول في حالة إخلال الشيطان بمساعدته. وأضاف جرسون قائلا: “إن لدي الآن ومعي حالا أحد هذه العقود”. (ص: 60، 61)

علاقة حاسة الشم بالتنفس
الساحر أوربان جراندييه Urbain Grandier

إن كان شرطا في كل سحروجود عقد تكليف، إلا أن عقد التعميد واحد فقط، ولا يتكرر مع كل ساحر، فقد يحتفظ به الساحر في بعض الأحيان، ولكن يشترط أن يكون بحوزة كل ساحر عقدا مكتوبا بينه وبين الشيطان، بل قد يحتفظ بهذا العقد داخل عالم الجن، فيكون في حيازة الشيطان يهدد بها الساحر بين الحين والآخر، خاصة إن أخطأ أو تردد في تنفيذ أوامر الشيطان. وفي القرون الوسطى تم العثور بالفعل على بعض العقود تحوي توقيع السحرة والشياطين، ولا تزال هذه العقودة متحفظ عليها.

ذكر هذا الدكتور محمد جعفر في كتابه فيقول: “ولعل أخبث وأقذر عقد تحرر بين الساحر والشيطان هو الميثاق المبرم بين الساحر العظيم (أوربان جراندييه Urbain Grandier وإبليس والذي حكم بإعدامه في 18 أغسطس سنة 1634. وتنفذ فيه الحكم علنا بسوق لودون. وما زالت صورة هذا العقد محفوظة بالمكتبة العمومية بباريس ويوجد بمكتبة (أبسالا) صورة العقد المبرم بين الشيطان والساحر (دانيال سالثنيوس) وكان شابا خليعا رقيعا مستهترا عمل بعد تخرجه من جامعة (كونجز يرج) أستاذا للغة العبرية ولكنه باع روحه ونفسه للشيطان فلقي حتفه سريعا”. (ص: 62)

علاقة حاسة الشم بالتنفس
العقد المبرم بين الشيطان والساحر أوربان جراندييه

نفخ الشيطان: وأما نفخ الشيطان حين تلاوة القرآن، فيكون بالنفخ في منخري القارئ، فيفسد عليه مخارج الألفاظ حين التلاوة، مما يؤدي إلى اللحن في القراءة، فتتغير معاني الكلمات، وفساد مخارج الألفاظ من علل المنهي عنه في الصلاة، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) [النساء: 43]، فالسكران يلحن في قراءته، فتارة يتلعثم، وتارة ينفخ الشيطان في منخريه، فتتغير معاني الكلمات، ولذلك فالسكران منهي عن الصلاة حتى يفيق، ويعلم ما يقول، ولهذا السبب يجب الاستعاذة قبل القراءة من نفخ الشيطان.

هناك وجه آخر لتناول النص؛ من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحدَكم إذا كان في الصلاةِ جاءه الشيطانُ فأبَسَ به كما يأبِسُ بدابتِه، فإذا سكن له أضرطَ بينَ أليَتَيه ليفتنَه عن صلاتِه، فإذا وجدَ شيئًا من ذلك، فلا ينصرفْ حتى يسمعَ صوتًا، أو يجدَ ريحًا). () وفي لسان العرب “وأَضْرَطَ به: عَمِلَ له بفِيه شبه الضُّراط”. () فقوله ( أضرطَ بينَ أليَتَيه) أي نفخ بينهما بفيه حتى يظن المصلي تفلت ريح منه، وفي (مجمع الزوائد) للهيثمي أورد عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ قال: “إن الشيطانَ ليلطفُ بالرجلِ في صلاتِه ليقطعَ عليه صلاتَه، فإذا أعياه نفخَ في دبرِه، فإذا أحس أحدُكم من ذلك شيئًا فلا ينصرفْ حتى يجدَ ريحًا، أو يسمع صوتًا”. () فإن شعر الإنسان بشيء من ذلك فيفعل كما قال عليه الصلاة والسلام (فلا ينصرفْ حتى يسمعَ صوتًا، أو يجدَ ريحًا)، وهكذا يتم حل المشكلة، إذن فلا تنحصر الاستعاذة في هذا النوع من النفخ، طالما له حل كما تقدم، لكن الاستعاذة تشمل عموم النفخ.

فالنفخ كما في لسان العرب: “النَّفْخ: معروف، نَفَخ فيه فانْتَفَخ. ابن سيده: نَفَخ بفمه يَنْفُخ نَفْخاً إِذا أَخرج منه الريح يكون ذلك في الاستراحة والمعالجة ونحوهما؛ وفي الخَبر: فإِذا هو مُغْتاظٌ يَنْفُخُ؛ ونَفخ النارَ وغيرها ينفُخها نَفْخاً ونَفِيخاً”. () فنفخ الشيطان في منخري الإنسان حقيقة لا مجازا، لقول السائب بن يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا عائِشةُ أتعرِفينَ هذِهِ؟) قالَت : لا يا نبيَّ اللَّهِ. قالَ: (هذِهِ قَينةُ بَني فلانٍ. تُحبِّينَ أن تغنِّيَكِ؟) قالت: نعَم، قالَ: فأَعطاها طبقًا فغنَّتها. فَقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وسلَّمَ: (قَد نفخَ الشَّيطانُ في مَنخريها). ()

والشاهد من الحديث أن النفخ يقع من الشيطان على حقيقته لقوله (قَد نفخَ الشَّيطانُ في مَنخريها)، أي أن الشيطان ينفخ في فتحتي أنفها حين تغني، كما في لسان العرب: “والمُنْخُران أَيضاً: ثُقْبا الأَنْف”. () أي في بداية مجرى التنفس، فلم يقل في صدرها، وإلا لفهم أن المقصود هو عمل الشيطان داخل رئتيها فقط، كجزء من الجهاز التنفسي، فللتنفس أهمية بالغة بالنسبة للمطربين، فلهم تدريبات خاصة بالتنفس، مما يساعدهم على اللحن، أما تلاوة القرآن الكريم فلا لحن فيها. وإنما ذكر فتحتي الأنف على وجه التحديد، لأن الأنف جزء من الجهاز التنفسي، وذو علاقة وطيدة بالصوت ومخارج الألفاظ، تتعلق بتفاوت الطبقات الصوتية، فكلما انفتح الأنف وصل المغني لطبقات أعلى، وصوت أكثر حدة. “الطبقات الصوتية هي درجات تردد الصوت البشري عند الكلام والغناء، وقد صنفها الخبراء إلى أقسام، وكلما كان تردد موجة الصوت الصادر أكبر، كان الصوت أكثر حدة، وأعلى طبقة، لتكون النساء والأطفال عادة أعلى طبقة من الرجال”. (المصدر)

فالشيطان يحضر من يغني فيتلاعب بأنفاسه، سواء بزيادة تدفق الهواء في أنفه، أم بنقصانه، فيتحكم في مخارج ألفاظه، مما يؤثر في أداءه الصوتي، فيوضح منطوق الكلام ويكشف عن مكنون دلالاته، مما يؤثر في حواس المستمع، ويحرك مشاعره ووجدانه. ومع النفخ تزداد كمية الهواء المندفعة إلى داخل الأنف، وزيادة الهواء المتدفق أو نقصانها يتسببان في الإصابة بما يعرف طبيا باسم خنة الكلام Hyponasal speech، وهذا ما ذكره دكتور كريستوفر شانغ Chritopher Chang فقال: “تتم خُنَّة الكلام عند وجود انخفاض غير طبيعي لتدفق الهواء عن طريق الأنف أثناء الكلام، وغالبا في حالة من انسداد الأنف أو الاحتقان. وتتم خنة الكلام عند وجود زيادة تدفق هواء غير طبيعية أثناء الكلام”. (المصدر)

وفي لسان العرب: “الخَنِينُ: ضرب من البكاء دون الانتحاب، وأَصلُ الخَنِين خروجُ الصوت من الأَنف كالحَنين من الفم وفي الحديث: أَنه كان يُسْمَع خَنينُه في الصلاة؛ الخَنِينُ: ضرب من البكاء دون الانتحاب، وأَصلُ الخَنِين خروجُ الصوت من الأَنف كالحَنين من الفم. وفي حديث أَنس: فَغَطَّى أَصحابُ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وجُوهَهم لهم خَنِينٌ. وفي حديث خالد: فأَخْبَرهم الخبرَ فَخَنُّوا يبكون. وفي حديث فاطمة، رضوان الله عليها: قام بالباب له خَنِينٌ. والخَنِينُ الضحك إذا أَظهره الإنسان فخرج خافياً، والفعل كالفعل، خَنَّ يَخِنُّ خَنِيناً، فإذا أَخرج صوتاً رقيقاً فهو الرَّنينُ، فإِذا أَخفاه فهو الهَنينُ، وقيل: الهَنِينُ مثل الأَنِينِ، يُقال: أَنَّ وهَنَّ بمعنى واحد. قال ابن سيده: والخَنَنُ والخُنَّةُ والمَخَنَّة كالغُنَّةِ، وقيل: هو فوق الغُنَّة وأَقبح منها، قال المُبَرَّدُ: الغُنَّة أَن يُشْرَبَ الحرفُ صوت الخَيْشوم، والخُنَّة أَشدُّ منها. التهذيب: الخُنَّة ضرب من الغنة، كأَنَّ الكلام يرجع إلى الخياشيم، يقال: امرأَة خَنَّاء وغَنَّاء وفيها مَخَنَّةٌ. ورجل أَخَنُّ أَي أَغَنُّ مسدودُ الخياشيم، وقيل: هو الساقط الخَياشيم، والأُنثى خَنَّاء، وقد خَنَّ، والجمع خُنٌّ؛ قال دَهْلَبُ ابن قُرَيْعٍ: جارية ليستْ من الوَخْشَنِّ، ولا من السُّودِ القِصارِ الخُنِّ. ابن الأَعرابي: النَّشِيجُ من الفم، والخَنِينُ من الأَنف، وكذلك النَّخِير، وقال الفَصِيحُ من أَعراب بني كلاب: الخَنين سُدَدٌ في الخَياشيم، والخُنانُ منه. وقد خَنْخَن إذا أَخرج الكلام من أَنفه. والخُنانُ داء يأْخذ في الأَنف”. ()

علاقة حاسة الشم بالتنفس

لكن النفخ في منخري الأنف؛ لا يتحكم في أداء المغني فقط، مما يؤثر في المستمعين، لكنه يتحكم في إحساس المغني من وجه آخر، وهذا هو الأهم، فإن ضاع من المغني الإحساس باللحن، فلن يحسن أداءه. فأنفاس الشيطان الخبيثة تندفع مع النفخ إلى داخل المنخرين، فتصل إلى البصلة الشمية داخل أعلى تجويف الأنف، فتؤثر في الانفاعلات النفسية للإنسان حين يغني، فيتأثر أداؤه للحن بحسب تغير انفاعلاته، من شجن وحزن، وفرح ونشوة. وهذا ما يفعله الشيطان في أهل الطرب والمغنى، حين يقومون بأداء ألحانهم وأغانيهم، ولكنهم ينكرون لأنهم لا يشعرون بوجود الشيطان معهم، وهذا لا يعذرهم بالجهل مع وجود النص. فمن زكمت أنفه لا يحسن إخراج الكلمات، بسبب انسداد مخارج الألفاظ، ولا يتقن أداء اللحن المطلوب، فلا يؤديه كما كان يؤديه باتقان من قبل، لفقدان الإحساس باللحن، بسبب تأثر المخ بحاسة الشم، فلم يعد الشيطان ينفخ، وبالتالي فإنه لن يحسن أداء اللحن بالشكل المحدد للأغنية.

حاسة الشم: “تتميز حاستي الشم والذوق عن سائر الحواس بأنهما حاستين كيميائيتين، فكلا منهما يعتمد على مستقبلات حسية تتعرف على المواد الكيميائية المختلفة، سواء ما يستنشقه الإنسان عبر الأنف، أو ما يتذوقه عبر الفم.إن جزء الخلايا الشمية الذي يستجيب للمنبهات الشمية الكيميائية هو الأهداب. وتنتشر المادة ذات الرائحة في البداية، عند ملامستها لسطح الشم، إلى المخاط الذي يغطي الأهداب، ثم ترتبط مع بروتين المستقبة الذي ينتأ من خلال الغشاء الهدبي”. (المرجع في الفيزيولوجيا الطبية/ صفحة 808)

فقد يتذوق الإنسان شرابا أو طعاما ما، ولكن ليس بالضرورة أن يبتلعه، وبالتالي فلن تؤثر العناصر الغذاء بما تحتويه من عناصر في وظائف الجسم بمجرد التذوق، هذا ما لم يتم ابتلاعها، لكن التذوق قد يؤثر في انفعالات ونفسية المتذوق إن كان طعمه محبب، فيبعث على إحساس بالنشوة والسعادة، أو كريه، يبعث على الإحساس الغثيان. بينما في حاسة الشم يتأثر الإنسان نفسيا وعضويا في آن واحد، لأن حاسة الشم ترتبط ارتباطا وثيقا بعمل الجهاز التنفسي The Respiratory System، فبدون عملية الاستنشاق Inhalation، وهي جزء رئيسي من عملية التنفس، حيث يدخل الهواء المحمل بالروائح الدخول إلى التجويف الأنفي، ليصل إلى المستقبلات الشمية، والتي بدورها تنقل المعلومات إلى المخ، والذي تتأثر وظائفه بأنواع الرائحة المختلفة، ما بين روائح طيبة، وأخرى كريهة.

لذلك يمكن أن نعالج المس والسحر باستنشاق وشم الزيوت العطرية، لما لها من تأثير مباشر في الدم، بينما لا يكفي العلاج بالتذوق فقط، ما لم يبتلع المريض تلك الزيوت، بحيث يستخرج الجسم منها العناصر الغذائية والدوائية. لكن جدير بالذكر أن الشيطان قد يستغل الروائح المنبعثة من العلاجات، فيصيب المريض بالغثيان لينفره من تناولها، بل إن الشيطان قد ينفر من روائح بعض المواد، فيحاول في هذه الحالة أن ينفر المريض منها، بينما نفس المريض في ظروف غير مرضية قد يكون هذا العلاج مألوفا له.

“للشم؛ كما هو الحال بالنسبة للذوق، صفات عاطفية مستلطفة أو كريهة. ولهذا فإن للشم أهمية تساوي أهمية الذوق إن لم تكن أكثر في اختيار الطعام. وفي الواقع فالشخص الذي سبق أن تناول طعاما لم يستسيغه أو لم يوافقه يصاب بالغثيان حتى عند شم أنواع الروائح التي وجدت كريهة في الماضي إحساسا سيئا عند التعرض لها لاحقا. وعلى الكرف الآخر يمكن أن تولد العطور ذات النوعية الفضلى أحيانا الفوضى في العواطف الذكورية. وبالإضافة لذلك، تعتبر الروائح المستثيرات الأولية للدوافع الجنسية في بعض الحيوانات الدنيا”. (المرجع في الفيزيولوجيا الطبية/ صفحة: 809)

علاقة حاسة الشم بالتنفس

“فعملية الشم تبدأ مع دخول الجزيئات المتطايرة الدقيقة جدا ( أقل من 300 حجم جزيئي ) إلى فتحة الأنف، ثم وصولها إلى منطقة تدعى المنطقة الشمية، حيث تذوب هذه الجزيئات في الطبقة المخاطية الرقيقة المحيطة بهذه المنطقة والتي تفرز من قبل غدد بومان Bowman’s glands، ثم تقوم بروتينات خاصة موجودة في المنطقة المخاطية بنقلها إلى المستقبلات الشمية Olfactory receptors، التي يقدر عددها بحوالي عشرة ملايين مستقبل، والتي تقع على سطوح بروزات دقيقة جدا تدعى الأهداب Cilia، وتتصل هذه المستقبلات بدورها بالأعصاب الشمية التي تتجمع في منطقة واحدة تدعى البصلة الشمية Olfactory bulb، التي ترسل هذه الأعصاب إلى منطقة الاميجلادا amygdala في الدماغ حيث يتم تحليل الرائحة والتعرف عليها. يدخل ضمن عملية الشم هذه عدد كبير من العمليات الكيميائية والجينية التي ما زال العلم الحديث عاجزا عن فك طلاسمها ومعرفة أسرارها”. (المصدر)

علاقة حاسة الشم بالتنفس
ترتبط حاسة الشم بالجهاز الحوفي Limbic System، ويتكون من مجموعة من التراكيب الدماغية، ويحتوي على الحُصَين واللَوزَة Amygdala، والنواة المِهادِيّة الأمامية Anterior Thalamic Nuclei، يقوم الجهاز الحوفي بأداء مجموعة وظائف متنوعة تشمل كلا من العواطف، والسلوك، والذاكرة طويلة الأمد، و حاسة الشم. وما يعنينا هنا هو اللوزة، وهي مجموعة من الخلايا العصبية على شكل اللوز، التي تشارك في الذاكرة، والاستجابات العاطفية والافرازات الهرمونية. إنه يقع في عمق الفص الصدغي من الدماغ وسطي. وهي مسؤولة عن تحديد ما الذي وحيث يتم تخزين الذكريات في الدماغ. ( المصدر )

إذا كان من وظائف المخ جمع ما يصل إليه من المعلومات، من خلال مستقبلات الحواس المختلفة، ومنها حاسة الشم، التي ترسل إلى المخ من خلال ما تستقبله المستقبلات الشمية من الروائح المختلفة، فإن العقل هو الذي يدرك الرائحة، ويعقل ما لا حصر له من أنواع الروائح المختلفة، فالعقل يحتفظ في ذاكرته برصيد هائل جدا من الروائح المختلفة، فيستطيع التمييز بينها بمجرد أن يستنشقها الإنسان، من خلال ما يصل إليه من معلومات من خلال المخ. مما يؤكد على وجود نقطة اتصال بين المخ في الجسد المادي، وبين العقل في الجسد الروحي. ولأن العقل يقع داخل الروح، وليس داخل الجسد المادي، إذن فمن وظائف العقل وهو جزء من الروح إدراك الروائح المختلفة، مما يؤثر في حال الروح وانسجامها سلبا وإيجابا، بحسب ما يصل إليه من روائح مختلفة، طيبة كانت أو خبيثة. وهذه الحالة الروحانية تنعكس على المخ، مما يؤثر في وظائف الأعضاء التي تستقبل إشارات من المخ، سواء بالانفعال أو الاسترخاء والراحة والانسجام.

لهذا تعد حاسة الشم من أقوى الوسائل لغزو الروح، والتحكم فيها، فيتحول الإنسان من حزين إلى سعيد، ومن ثائر إلى مسترخي، وبالعكس، وهذا كله ينعكس على الجسد المادي، فتظهر عليه علامات الاسترخاء، أو الحزن والسعادة. خاصة وأن حاسة الشم مرتبطة بعملية التنفس، من خلال موضعين هامين من مواضع اتصال الجسد بالروح، في موضع اتصال المخ بالروح في الرأس، وفي موضع اتصال الشعب الهوائية بالروح، في منتصف القفص الصدري حيت تسكن الروح وتستقر من الجسد.

بطبيعة الحال يتأثر الجن تماما كما يتأثر البشر بالروائح والعطور، وبالتأكيد فعند استخدام المريض للزيوت العطرية، فإن الشيطان المتلبس به يصل إليه نفس الرائحة، ويتأثر بها، فيصل التأثير إلى روحه الخبيثة، لذلك من خلال هذه العطور يمكننا غزو روح الشيطان، والتغيير من انفعالاتهم، وبالتالي إضعافهم والحد من شيطنتهم وكبح جماح شرهم. وبكل تأكيد كما يتأثر كلا الجسدين الروحي والمادي، فإن الجسد الجني يـتأثر كذلك، وهذا بدوره يؤثر على استقرار أي شيطان يعمل داخل جسم الإنسان، إذن فمن خلال استخدام العطور نستطيع إصابة عدة أهداف في وقت واحد، بشرط حسن توظيف استخدام الزيوت العطرية، مع توخي الحذر الشديد من سوء الاستخدام، وتجنب استخدام العطور بعشوائية، وإلا فمن المؤكد سوف تحقق نتائج خلاف ما ننتظره منها.

الروائح الكريهة وتسلط الشيطان: جدير بالملاحظة؛ اتخاذ الشياطين مواضع انبعاث الروائح الكريهة من أجسامنا مخارج آمنة لهم من الجسد، على خلاف المواضع الأخرى فتمثل مداخل لهم، فيتخذون لهم مداخل ومخارج آمنة، خلاف المداخل والمخارج الرئيسية. “فللجن مداخل ومخارج رئيسية واستثنائية لكي يدخل إلى الجسم، المداخل الرئيسية وعددها في الرجل 32، وفي المرأة 33 بفارق فتحة المهبل، منها ما هو مرتبط بالطرف العلوي، ومنها ما هو مرتبط بالطرف السفلي. مداخل ومخارج الطرف العلوي: العينين. الأذنين. فتحتي الأنف. الفم. حلمتي الثدي. أَشعُر اليدين وعددها عشرة ( منبت الأظافر من الجلد). مداخل ومخارج الطرف السفلي: السرة. الإحليل (مخرج البول). المهبل (في الإناث فقط). الشرج. أَشعُر القدمين وعددها عشرة (منبت الأظافر من الجلد)”. (المصدر)

هذه الروائح الكريهة تشكل عنصر أمان لخروج الشياطين، فلا يتعرضون لأي هجوم محتمل من الجن المسلم من عمار البيوت، بينما تمثل الروائح الكريهة نقطة ضعف بالنسبة للجن المسلم، لأنها تسهم في تعضيد أي هجوم من الشياطين، لذلك فالعلاج بالزيوت العطرية يمنح آمان جزئي للجن المسلم، فهي تضعف من قوة الشياطين، وهذا يمهد لاختراق صفوفهم والقضاء عليهم، فجب أن ندرك أن علاج السحر ليس معركة بين طرفين الإنس والشياطين فحسب، بل هناك طرف ثالث هم الجن المسلم من عمار بيت المريض، يحاربون سحرة الجن، لأنهم جنس واحد، تماما كما نحارب طرفا رابعا، لا يجب أن نغفل عنه؛ وهم سحرة الإنس، ممن سحروا للمريض.

الشيطان عدو الفطرة، التي فطر عليها جميع الخلائق، والنظافة والطهارة فطرة في الإنسان، لهذا حض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (عَشْرٌ من الفِطْرَةِ؛ قَصُّ الشارِبِ، وإعْفاءُ اللِحيَةِ، والسِّواكُ، واسْتِنْشاقُ الماءِ، وقَصُّ الأظْفارِ، وغَسْلُ البَراجِمِ، ونَتْفُ الإبِطِ، وحَلْقُ العانَةِ، وانْتِقاصُ الماءِ). () وفي رواية أخرى قال: (إنَّ من الفطرةِ المضمضةُ، والاستنشاقُ، والسواكُ، وقصُّ الشواربِ، وتقليمُ الأظافرِ، ونتفُ الإبطِ، والاستحدادُ، وغسلُ البراجمِ، والانتضاحُ بالماءِ، والاختتانُ). () هذه القائمة من بعض أعمال الفطرة، تضم أغلب فتحات الجسم تقريبا، وهي أكثر الأماكن تعرضا لنمو البكتريا، وتفوح منها الروائح الكريهة، وهذا ينفر الملائكة والبشر من مصاحبة مثل هذا الإنسان، ما لم نحرص على نظافتها، وكلما لزم الإنسان فطرته سلم من كيد الشيطان، واقترنت به الملائكة، ففي الحديث أنَّ نفرًا، أتَوا النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فوجدَ منهم ريحِ الكرَّاثِ، فقالَ: (ألم أَكُن نَهَيتُكُم عن أَكْلِ هذِهِ الشَّجرةِ، إنَّ الملائِكَةَ تتأذَّى ممَّا يتأذَّى منهُ الإنسانُ).

لذلك كان الاغتسال والطهارة والنظافة وطيب الرائحة من الأمور الواجبة في حق كل مسلم، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغتَسِلوا يومَ الجمُعةِ واغسِلوا رؤسَكم، وإن لم تكونوا جُنُبًا، وأصيبوا من الطِّيبِ). قال ابنُ عباسٍ : أما الغُسلُ فنَعَم، وأما الطِّيبُ فلا أدري. وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ منَ الحقِّ على المسلمِ إذا كانَ يومُ الجمعةِ السِّواكَ، وأن يلبسَ من صالِحِ ثيابِهِ، وأن يتطيَّبَ بطيبٍ إن كانَ). () بل الطهارة من أسباب ملازمة الملائكة للإنسان، ففي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الملائكةَ لا تَحْضُرُ الجُنُبَ، ولا المضْمَخَ بالخَلُوقِ حتى يغتسِلَا). () فإن عدمت نظافة وطهارة الإنسان نفرت منه الملائكة واقترنت به الشياطين واجتمعت عليه، فيصاب بالأمراض والعلل. فعدم النظافة الشخصية أحد أسباب تسلط الجن على جسم الإنسان، فالروائح الكريهة التي تصدر عن أجسادنا، نتيجة التعرق وعدم موالاة النظافة تجذب الشياطين.

لكن قد يستغل الشيطان هاجس النظافة، فيتسلط على الإنسان بالوسوسة ليفرط في الطهارة، فيسرف في استخدام الماء، قال صلى الله عليه وسلم: (إن للوضوء شيطانا يقال له: الولهان، فاتقوا وسواس الماء). () وفي لسان العرب: “الوَلَهُ: الحزن، وقيل: هو ذهاب العقل والتحير من شدّة الوجد أَو الحزن أَو الخوف”. () فنجد الموسوس شبه فاقدا لعقله، فيكون مسلوب الإرادة منساقا لوسواسه، يكرر الوضوء أو الطهارة مرات كثيرة، قد تستمر ساعات، وهذا عرض من أعراض سحر الجن للإنس، يوكل به شيطان يشارك المريض عقله، فيتسلط على تفكيره، وبحضوره على جسده يتحكم في تصرفاته، وببطلان السحر تبطل أعراض الوسوسة.

غازات الجسم والأبخرة: لا تقتصر حاسة الشم على استنشاق الهواء إلى داخل الجسم فحسب، بل يخرج من الجسم غازات عن طريق الجهاز الهضمي، تدخل إلى جوف الإنسان مع تناول الطعام والشراب، فمنها ما يخرج من الفم عن فيما يسمى الجشاء Burp، “يسمح التجشوء لبعض الغازات بمغادرة المعدة، بينما ينتقل الغاز المتبقي في الأمعاء الدقيقة، حيث يتم امتصاصه بشكل جزئي، تنتقل كمية صغيرة من خلال الأمعاء الغليظة لتنطلق عن طريق فتحة الشرج. .. ويتم امتصاص بعض الغاز المنتج في الأمعاء بواسطة مجرى الدم bloodstream ونقله إلى الرئتين، حيث يتم تحريرها في التنفس”. (المصدر) ومنها غازات تخرج من الشرج فيما يسمى الرياح Flatus، فإن صدر معه صوت سمي ضراط، وهو صوت الفيخ ،”والفيخ في مقاييس اللغة: “الفاء والياء والخاء كلمة. يقولون: أفاخ يُفيخ بِريحه”.() أي صوت الرياح والغازات الخارجة من الدبر أو المهبل.

إن مصادر الغازات في جوف الإنسان ليس مصدرها ما يستنشقه من هواء فقط، لكن “عادة ما تعيش بعض البكتريا في الأمعاء الدقيقة. وإن النمو المتزايد للبكتريا المعوية هو زيادة في عدد البكتريا أو تغيير في نوع البكتريا في الأمعاء الدقيقة. في إمكان هذه البكتريا إنتاج المزيد من الغاز، وبإمكانها أيضا أن تتسب في الإسهال وفقدان الوزن”. (المصدر) لكن من الملاحظ؛ في حالة الإصابة ببعض أنواع السحر الداخلية، فإذا بطل السحر المأكول أو المشروب، فإن هذه الأسحار تتحول إلى حالة غازية، فتتمدد البطن وتنتفخ، ولا يشترط خروج الأسحار بالتقيؤ أو الإسهال، فهناك طرق بديلة أفضل من هذا. فتندفع تلك الغازات خارجة من جوف المريض، إما عن طريق الجشاء إن كان لا زال مستقرا في المعدة، وتكون رائحته عادية غالبا، أو عن طريق الضراط، إن كان السحر مستقرا في الأمعاء الغليظة Large intestine، أي داخل القاولون colon الذي يحتل جزءا كبيرا منها، ويختزن فيه أسحار كثيرة. وهي آخر جزء من الجهاز الهضمي، وتبدأ بنهاية الأمعاء الدقيقة، وتنتهي بفتحة الشرج.

الملفت في الأمر؛ أن كمية الغازات التي تخرج من المصاب بالمس والسحر، تتجاوز القدرة الاستيعابية لجوفه، بدليل أن عملية الإخراج بالجشاء أو بالضراط قد تستمر في بعض الأحيان عدة ساعات متواصلة، وبدون انقطاع. وتفسير هذا أن هذه الغازات ما هي إلا نتيجة تفاعلات نتجت عن إبطال (سحر السيمياء) وهي أسحار كيميائية، فتتفاعل مع بعضها البعض داخل المعدة، ومع محتوياتها من عصارة معوية، وطعام وشراب، فيتولد عن تفاعلها تلك الغازات، فتخرج عن طريق الفم مع الجشاء، أما إن كانت تلك الأسحار مستقرة داخل القاولون، فإنها تتفاعل مع الفضلات، فتخرج من الدبر غازات ذات رائحة كريهة جدا. لذلك نلاحظ أثناء الجلسة العلاجية انتفاخ بطن المريض، فترتفع ويزداد حجمها مع الرقية، فإذا بدأ المريض في إخراجها بالجشاء، أو الضراط، فتبدأ بطنه في تخلص من تلك الغازات، والانخفاض تدريجيا، حتى ترجع إلى حجمها الطبيعي، ثم تعاود الانتفاخ، ومن ثم التقلص مرة أخرى مع الاستمرار في ترديد الرقية مرارا وتكرار، إلى أن تستقر حركة البطن، وتتوقف ردود الفعل مع الرقية تماما.

فهذه الغازات الخارجة من الجسم ذات روائح مميزة، يستنشقها المريض ويميزها، وقد يشمها المحيطين به، من الإنس، والجن، فباستنشاق المريض لها يعيد إدخالها إلى الجسم مرة أخرى، ولكنها تكون مخففة بسبب استصحاب الهواء معها، فيعود جزء من هذه الغازات مع الاستنشاق، فتذوب في الدم داخل الرئتين، ليعيد الجسم امتصاصها مرة أخرى، وهنا يبدأ الشيطان استخدامها والاستفادة منها في تحصين نفسه داخل الجسم، فالشيطان يحسن استغلال الفرص، ويجيد فن التلاعب من حيث يجهل البشر علم وظائف الأعضاء والتشريح، لذلك نبهت مسبقا على خطورة (أسحار المراحيض)، وتكلمت عنها مفصلا، وبينت كيفية التخلص منها برش الكلور.

ليست كل الغازات الصادرة من جسم الإنسان تخرج عن طريق الزفير أو الجشاء فحسب، ولكن جزء منها يذوب في الدم، وجزء آخر يخرج مع الضراط. “الغاز هو الهواء في الجهاز الهضمي، وهو الأنبوب العضلي الكبير الذي يمتد من الفم إلى فتحة الشرج، مصاحب لإطلاق الهرمونات والإنزيمات، مما يسمح بهضم الطعام. يغادر الغاز الجسم عندما يتجشأ الناس أو بمرور الغاز عبر فتحة الشرج. ويتكون الغاز بشكل رئيسي من غاز ثاني أكسيد الكربون، والأكسجين، والنيتروجين، والهيدروجين، وأحيانا غاز الميثان. تمر الريح والغاز من خلال فتحة الشرج، وقد تحتوي أيضا على كميات صغيرة من الغازات التي تحتوي على الكبريت. أضف إلى ذلك ريح البطن ذات رائحة كثيفة والتي تحتوي على غازات الكبريت”. (المصدر)

هذه الغازات والأبخرة من جوف المريض، تتصاعد حتى تنتهي إلى قاع المخ، وإلى الخلايا الشمية أعلى تجويف الأنف، فتؤثر في وظائف المخ، وفي حاسة الشم، لذلك فعندما أصف للمريض تناول زيت حبة البركة Nigella sativa oil على الريق صباحا، فإنه يظل يجد تأثير رائحة الزيت في أنفه طيلة اليوم، فالزيوت الطيارة في زيت حبة البركة، تتصاعد مع أبخرة المعدة، لتلمس الخلايا الشمية، والأعصاب والأوعية الدموية في المنطقة المحيطة بها، وهذا حتما له تأثيره في الأسحار داخل المخ، ليس هذا فحسب بل إن استنشاق المريض لرائحة الزيت طيلة اليوم يعيد إدخال جزء لا باس به من هذه الزيوت الطيارة، لتذوب في الدم داخل الرئتين، وبالتالي يصل تأثير زيت الحبة مزدوجا، عن طريق الامتصاص من الأمعاء، وعن طريق التهوية الداخلية مباشرة، وهذا في حد ذاته يمثل إزعاج مستمر للشيطان طوال اليوم، لأن زيت حبة البركة يزيد من سيولة الدم، وبالتالي تتفكك بنية تركيبة الأسحار داخل الأوعية الدموية، وتصير عرضة للإنجراف مع جريان الدورة الدموية، ليتخلص منها الليمف.

الغازات المهبلية وأسحار الرحم: هناك نوع آخر من حالات إخراج الغازات، ولكنه قاصر على النساء فقط دون الرجال، وهو ما يعرف بالرياح المهبلية Vaginal flatulence، وقد يكون مصحوبا بصوت، فيسمى ضراطا. والرياح المهبلية عبارة عن غازات محتبسة داخل المهبل، فإذا خرجت أصدرت صوتا، وليست في كل الحالات مصحوبة بصوت الضراط. حيث تتمدد جدران المهبل ليستوعب هذه الغازات، بينما تنقبض عضلات عنق المهبل مما يؤدي لاحتباس هذه الغازات داخل المهبل، وعندما ترتخي تلك العضلات تنطلق الغازات المحبوسة خارجة، وهذا دليل على قوة العضلات المهبلية، وسلامتها، لذلك ففي حالة اتساع المهبل وترهله لا تخرج هذه الغازات، كمن تكرر حملها وولادتها، بسبب ضعف العضلات المهبلية، وعجزها عن احتباس الغازات، لذلك قد تتفلت هذه الغازات بعض الأحيان في بض الأوضاع كوضع السجود.

“الضراط المهبلي؛ وهو طرد الهواء المحتبس من المهبل والذي عادة ما يصدر أثناء، أو على الفور بعد مباشرة الجماع. على الرغم من طرد الهواء من المهبل فإنه عادة ما يكون عديم الرائحة ولا يحتوي على غازات منعدمة مثل غاز الميثان، وإن صوت الرياح المهبلية مماثل لتلك التي تصدر من الضراط الشرجي .. في معظم الحالات، يعتبر اندفاع الهواء من المهبل أمرا طبيعيا ولا يدعو للقلق، على الرغم من أن العديد من النساء يجدن الصوت مخجلا، خاصة عند حدوث هذا أثناء الجماع. يوجد بعض الحالات التي بها ضراط مهبلي، بيد أنها؛ قد تشير إلى حالة صحية أكثر خطورة، كمثل الناسور المستقيمي المهبلي Rectovaginal fistula أو هبوط الأعضاء التناسلية للإناث”. (المصدر)

دائما تكون الغازات المهببلية عديمة الرائحة، فيما عدا الإصابة بالناسور المستقيمي المهبلي و”هو اتصال غير طبيعي يتم بين الجزء السفلي من الأمعاء الغليظة – المستقيم- والمهبل. كما يمكن لمحتويات الأمعاء أن تتسرب من خلال الناسور، وهذا ربما يعني مرور الغاز أو البراز من خلال المهبل. وقد ينجم الناسور المستقيمي المهبلي عن إصابة أثناء الولادة، مرض كرون Crohn’s disease أو غيره مثل مرض التهاب الأمعاء، أو العلاج الإشعاعي، أو سرطان في منطقة الحوض، أو من مضاعفات بعد عملية جراحية في منطقة الحوض.” (المصدر) وهذا المرض لا يتسبب فقط في متاعب عضوية للمرأة، لكن قد يزيد من متاعبها في حالة الإصابة بالسحر، ويؤثر على المهبل والرحم في آن واحد.

أما في حالة الإصابة بالمس والسحر، خاصة في حالة الإصابة بما يسمى (أسحار الرحم)، وكما هو معروف أن الرحم منفتح على قناة المهبل، فإن كان الرحم يحتوي على أية أسحار كيميائية، فإن الرحم ينتفخ حين الرقية، وتبرز بطن المريضة إلى الأمام وكأنها صارت حامل، وبالضغط الخفيف على أسفل البطن فوق عظم العانة تماما، ومع ترديد الرقية، تبطل هذه الأسحار، فتتصاعد منها الغازات نتيجة التفاعل، لتنطلق خارجة من المهبل ويسمع لها صوت ضراط، ولا مانع من خروج فضلات ومركبات سحرية مختلفة، قد تكون دماء سوداء وغير ذلك، وهذه دلالة طيبة تدل على إبطال بعض الأسحار.

في هذه الحالة قد تحمل الغازات الخارجة روائح كريهة، وبما أن المعاشرة الجنسية تتسبب في إبطال بعض الأسحار المهبلية، فلا مانع من حدوث ضراط مصحوبا برائحة كريهة أثناء الجماع، وإن كان هذا أمرا كريها، فقد يكون حميدا إن حدث بالفعل وبطلت الأسحار. لكن لا مانع أن تستفيد الشياطين من موقعها داخل الرحم، فتخرج غازات كريهة لتنفير الزوج من الجماع، ولتعكير صفو هذه اللحظات الحميمية، فتترك أثرا سيئا بين الزوجين، لذلك يجب على المعالج الكفؤ عند التشخيص، تحديد إن كانت الرياح ناتجة عن بطلان أسحار، أم أنها (سحر تنفير)، أم أنها مجرد أعراض مصاحبة لمرض الناسور المستقيمي المهبلي.

هذه المعلومات من دقائق الأمور العلاجية التي يتحرج منها المرضى، خاصة النساء، ويستحي المعالج من ذكرها، وقد تحاول المريضة مدافعة هذه الغازات حتى لا تحرج أمام المعالج وذويها الحاضرين، وهذا خطأ فادح لأنها بحبسها تلك الغازات تساعد الشياطين على الاحتفاظ بالمخلفات السحرية، لذلك على المعالج أن يفظن لمثل هذه الأمور الحساسة، فيجب أن يحصر عدد الحضور في الجلسة على أقرب المقربين منها، لرفع الحرج عنها، ولإخراج تلك الأرياح وإصدار تلك الأصوات بمطلق حريتها، ودون أن يصدر عن المعالج أو عن الحضور أي رد فعل يسبب لها أدنى الحرج، بل عليه أن يشجع المريضة على هذا. ونفس هذه التوصية تسري في حالة إخراج الضراط بالنسبة للرجال أو النساء بشكل عام، ويجب الالتزام بهذه التعليمات رفعا للحرج عن المرضى، فلن يكتمل الشفاء ما لم تخرج هذه الأرياح، فيجب أن تخرج في حالة التحصين أثناء انعقاد الجلسة، لكي نقلص حجم استفادة الشياطين منها باستنشاقها مرة أخرى.

تابع الجزء التالي من البحث بعنوان

دور السحر في الجهاز التنفسي

هذا البحث جزء من مجموعة أبحاث متصلة منفصلة بعنوان:

1_ الروائح وعلاقتها بالشياطين

2_ الشيطان والعلاقة الزوجية

3_ الفاحشة ودورها في تقوية الشياطين

4_ دور المعاصي في تقوية الشياطين ودعم السحر

5_ عبث الشياطين بأجساد البشر

6_ الأسحار التنفسية

7_ علاقة حاسة الشم بالتنفس

8_ دور السحر في الجهاز التنفسي

9_ حاسة الشم وتأثيرها في الجن

10_ علاج المس والسحر بالزيوت العطرية

11_ تأثير المسك في الشياطين





موضوع مغلق

الكلمات الدلالية (Tags)
الشم, بالتنفس, خاصة, علاقة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية
تابعونا عبر تويترتابعونا عبر فيس بوك تابعونا عبر وورد بريس


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة لمنتدى آخر الزمان©

تابعونا عبر تويتر