اليهود وألف ليلة و ليلة
 

حكايات ألف ليلة وليلة إنتاج ضخم وهائل لدرجة دخوله في قائمة الروايات الملحمية الذهبية , إلى أن الروعة والإشعاع الثقافي الكبير الذي تتميز به لا يجب أن يعمي الأعين عن الجوانب الغامضة والملتبسة في هذا العمل الروائي,فالحكايات تتميز بكم هائل من المفردات والصور ذات الطابع الجنسي والاباحي من حكايات الجواري و خلوات الملوك زد على هذا معجم السر والشعوذة المرفق بقصص الجن والشياطين والمردة,فكيف لبيئة إسلامية عربية متقيدة بمنظومة أخلاق خاضعة لأحكام الشرع تسري في مختلف جوانب الحياة الإنسانية أن تنتج عملا يحتوي على مواد أدبية تتنافى مع قيم ومبادئ الأسس الحضارية الإسلامية.
احتواء ألف ليلة وليلة على مضامين تتعارض مع الطابع الفكري والثقافي لذلك الزمن دفع بعض الباحثين على البحث المتعمق وتسليط الضوء أكثر على ظروف وملابسات صياغة هذا المنتج الروائي الضخم.
من بين الباحثين الذين توغلوا في خفايا حكايات الليالي الأستاذ الباحث جمال البدري الذي ألف كتاب تحت عنوان اليهود وألف ليلة وليلة يبرز فيه الدور الكبير الذي لعبه اليهود من خلال بث الأفكار اليهودية وروح التلمود في ثنايا القالب الروائي للحكايات,وفرضيته هذه مدعومة بمجموعة من الشواهد التاريخية ومن خلال مقارنة العقائد التلمودية والقبالية (القبالاه هي التراث الباطني اليهودي) مع بعض الأحداث وسلوكيات الشخصيات المدرجة في فصول الحكايات والقصص.
و بعد الفحص العميق للرواية والتحليل العميق لعناصره, استنتج البدري أن مثل هذا العمل لا يمكنه أن ينجز من طرف فرد وإنما مؤسسة من الروائيين لها صفة الديمومة والاستمرارية,بغض النظر عن الأشكال والتطورات التاريخية والسياسية والثقافية المحيطة بها, كما لا حظ أن جغرافية أحدات الحكايات واسعة تكاد تستوعب كل ما هو معروف وقتها من بلدان وجزر وبحار بما يستحيل أن يكون مؤلفها شخص واحد أو فئة مستقرة في بؤرة محددة جغرافيا,وبعد أن تتبع أثار التلمود وأفكار اليهود في تلافيفها خلص إلى الأتي:"ألف ليلة وليلة تم تأليفها في نفس بيئة تأليف التوراة والتلمود البابليين,ووفق طريقتهما المرحلية,وتمت كتابتها بشكلها الأولي من قبل سنهدرين اليهود تحت إشراف الجالوت (رئيس السنهدرين في الدولة العباسية),وبمساعدة الحاخام المصري سعديا الفيومي المقيم في مدرسة سورا بالكوفة, تم تمت عملية نشرها واذاعتها في مجالس بغداد".
من خلال أبحاث الأستاذ جمال البدري, تبين له أن الغاية من تأليف ألف ليلة وليلة تتمحور حول أهداف سياسية دينية هي التخفيف من العداء ضد اليهود من قبل الأوساط غير اليهودية ثقافيا مع كسب المعتدلين من مختلف الطبقات والفئات والمستويات لتقبل المقولات اليهودية, وبالتالي تقبل الفكر والسلوك اليهودي.