بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
منتـدى آخـر الزمـان  

العودة   منتـدى آخـر الزمـان > منتدى مقارنة الأديان > الحوارات والمناظرات الدينية > كتب

كتب

               
 
  #1  
قديم 08-12-2015, 09:04 AM
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,804
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي بنو إسرائيل في القرآن والسنة

بسم الله الرحمن الرحيم


إسرائيل القرآن والسنة

بنو إسرائيل في القرآن والسنة

د. محمد سيد طنطاوي

بنو إسرائيل في القرآن والسنة





رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-12-2015, 09:05 AM
المدير
 Egypt
 Male
 
تاريخ التسجيل: 16-12-2013
الدولة: القاهرة
العمر: 57
المشاركات: 6,804
معدل تقييم المستوى: 10
بهاء الدين شلبي تم تعطيل التقييم
افتراضي

قراءة جديدة لأشهر رسالة دكتوراه عن «بنى إسرائيل» طنطاوى: القرآن وصف اليهود بـ«الجحود والأنانية والغرور» .. الحلقة الثالثة

أحمد رجب ١٢/ ٦/ ٢٠١٠ للوهلة الأولى، بدا كما لو أن العالم مصدوم من الجريمة الإسرائيلية الأخيرة، التى ارتكبتها بحق أسطول الحرية، ومبعث الصدمة هنا أن الغرب نفسه هو الذى ظل طوال ما يزيد على ٦٠ سنة يروج لديمقراطية الدولة اليهودية، ويدفع ثمن صورتها كدولة مظلومة مضطهدة من جانب جيرانها العرب. تلك الصورة المغلوطة، فندها الدكتور سيد طنطاوى، شيخ الأزهر الإمام الأكبر الراحل، إذ خصص رسالته للدكتوراه، فى عام ١٩٦٩، لكشف ما يمكن تسميته جذور العنف فى التاريخ اليهودى، منذ دخولهم مصر، وخروجهم منها وتأسيس دولتهم، بعد أن أبادوا شعوباً بكاملها فى سبيل ذلك.
«المصرى اليوم» تقدم قراءة جديدة فى علم الراحل، احتفاء به من ناحية، ولضرورة كتبها هو نفسه فى مقدمة دراسته، حينما قال «كان مقصدى الأول أن أكشف للشباب المسلم بصفة خاصة وللعقلاء والمنصفين بصفة عامة عن أحوال بنى إسرائيل وتاريخهم وأخلاقهم وأكاذيبهم وقبائحهم معتمدا فى بيان ذلك على ما جاء فى القرآن الكريم وفى السنة النبوية المطهرة وفى التاريخ الصحيح».

بأسلوب بليغ ينتقل الإمام الراحل، خلال دراسته المهمة، فيعرض فى فصلها الرابع لـ«تأديب اليهود»، ويشرح بالتفصيل كيف أن «اليهود لم يقابلوا الجميل بالجميل، بل قابلوا حلم رسول الله بالإمعان فى التمرد، والغدر والإساءة، فقد انتقلوا من نطاق جحود النبوة، وتشكيك المسلمين فى صحة دين الإسلام إلى نطاق الغدر، ونقض العهود والمجاهرة بالكراهية والاستنكار»..

ويشرح كيف شكك اليهود فى صحة انتصار الرسول فى غزوة بدر، فاستقبلوا عودة «زيد بن حارثة» و«عبدالله بن رواحة» إلى المدينة للتبشير بالنصر، بالصياح «أيها الناس إن محمداً قد قتل، وأصحابه قد هزموا وهذه ناقته نعرفها جميعاً، ولو أنه انتصر لبقيت عنده، وإنما يقول هذان ما يقولان هذيانا من الفزع والرعب، ولئن كان ما يقولانه حقا لبطن الأرض خير من ظهرها»، وهكذا كشف اليهود، حسب الدراسة، عن حقدهم الدفين وعداوتهم الصريحة للمسلمين، بعد أن انتصر المسلمون فى بدر، وظهر أمر الله وهم كارهون.

وتنتقل الدراسة طوال الفصل الرابع لسرد تفصيلى لغزوات النبى، وحروبه ضد اليهود، فى بنى النضير ويهود بنى قينقاع، وما ورد فى الكتاب والسنة، عن هذه الحروب، قبل أن ينتقل فى فصله الخامس إلى عرض نعم الله تعالى على بنى إسرائيل وموقفهم منها، بداية من تفضيلهم على العالمين، وإنجائهم من عدوهم، وكثرة الأنبياء فيهم، إلى غير ذلك من وجوه النعم،
وذلك ليحملهم على أن يقوموا بواجب الشكر لخالقهم، وتلاحظ الدراسة، أن الله، عز وجل، وهو يتحدث عن مظاهر النعم على بنى إسرائيل قد عقبها بموقفهم الجحودى منها، وبما ترتب على موقفهم هذا من قصاص عادل، ليتناسب مع ما اقترفوه من آثام فكأنه سبحانه، يصورهم وهم يمرون بحالات ثلاث «حالة المن والعطاء، وحالة الجحود والإباء، وحالة الانتقام والجزاء»،
وتستشهد الدراسة بحديث أخرجه أبوجرير عن ابن شهاب الزهرى يقول «لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسهم برزوا ومعهم موسى فاضطربوا بالسيوف وتطاعنوا بالخناجر وموسى رافع يديه حتى إذا فتر بعضهم قالوا يا نبى الله أدع الله لنا وأخذوا بعضديه يسندون يديه فلم يزل أمرهم على ذلك حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيديهم بعضهم عن بعض فألقوا السلاح وحزن موسى وبنو إسرائيل للذى كان من القتل فيهم فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى ما يحزنك أما من قتل منهم فحى عندى يرزقون وأما من بقى فقد قبلت توبته فسُر بذلك موسى وبنو إسرائيل».

وتعرض الدراسة فى فصله السادس لـ«رذائل اليهود كما يصورها القرآن الكريم»، حيث يوضح الإمام أن القرآن سجل على بنى إسرائيل كثيراً من الأخلاق السيئة، والطباع القبيحة، والمسالك الخبيثة.. فقد وصفهم بالكفر والحجود والأنانية والغرور، والجبن والكذب، واللجاج والمخادعة، والعصيان والتعدى، وقسوة القلب، وانحراف الطبع، والمسارعة فى الإثم والعدوان، وأكل أموال الناس بالباطل، إلى غير ذلك من الرذائل التى سجلها القرآن الكريم عليهم، واستحقوا بسببها الطرد من رحمة الله، وضرب الذلة والمسكنة عليهم، وإن هذه القبائح التى سجلها القرآن يراها الإنسان واضحة جلية فيهم على مر العصور،
واختلاف الأمكنة، ولم تزدهم الأيام إلا رسوخا فيها وتمكناً منهاً وتعلقاً بها، وتشرح الدراسة بالتفصيل بعض هذه الرذائل وأهمها «نقضهم العهود والمواثيق، سوء أدبهم مع الله تعالى، جحودهم الحق وكراهتهم الخير لغيرهم بدافع الحسد، تحايلهم على استحلال محارم الله تعالى، نبذهم لكتاب الله، تحريفهم للكلم عن مواضعه، وحرصهم على الحياة وجبنهم عن الجهاد، وطلبهم من نبيهم موسى أن يجعل لهم إلهاً كما لغيرهم آلهة، وعكوفهم على عبادة العجل، وتنطعهم فى الدين، وإلحافهم فى المسألة».

وعن نقضهم للعهود تقول الدراسة، صفة نقض العهود من الصفات التى دمغ القرآن بها اليهود فى كثير من آياته، والمتتبع لتاريخهم قديماً وحديثا يرى أن هذه الرذيلة تكاد تكون طبيعة فيهم، فقد أخذ الله عليهم كثيراً من المواثيق، على لسان أنبيائه ورسله، ولكنهم نقضوها، وعاهدهم النبى غير مرة، فكانوا ينقضون عهدهم فى كل مرة..
وتشرح الدراسة كيف نقض اليهود المنتظر، حين جاءهم هذا الرسول، طرح فريق كبير من اليهود تعاليم التوراة التى فيها البشارة بالنبى (صلى الله عليه وسلم) وراء ظهورهم، وأعرضوا عنها إعراضاً تاماً، حتى لكأنهم لا يعلمون منها شيئاً.

قال الإمام ابن جرير: «ومعنى قوله تعالى: (كأنهم لا يعلمون) كأن هؤلاء الذين نبذوا كتاب الله من علماء اليهود فنقضوا عهد الله، بتركهم العمل بما واثقوا الله على أنفسهم العمل بما فيه، لا يعلمون ما فى التوراة من الأمر باتباع محمد (صلى الله عليه وسلم) وتصديقه، وهذا من الله- تعالى- إخبار عنهم بأنهم جحدوا الحق على علم منهم به ومعرفة، وأنهم عاندوا أمر الله فخالفوا على علم منهم بوجوبه عليهم».

فالآية الكريمة صريحة فى أن اليهود نقضوا العهود، التى أخذت عليهم فى كتبهم، بأن يؤمنوا بالنبى محمد (صلى الله عليه وسلم) ويصدقوه عند ظهوره، فيما يخبر به عن الله- تعالى.
هذه آيات ثلاث أوردناها كدليل على نكث اليهود لعهودهم التى أخذها الله عليهم فى توراتهم، وعلى ألسنة أنبيائهم بأن يؤمنوا بمحمد (صلى الله عليه وسلم)، وقد أقروا بها ولكنهم نقضوها وخالفوها.

ومن ألوان نقض اليهود لعهودهم التى تذكرها الدراسة: بعد أن هاجر النبى (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة، عقد مع اليهود الذين كانوا يسكنونها معاهدة ضمن لهم فيها الحرية والاستقرار، وكان من أهم نصوص هذه المعاهدة «أنه إذا حصل اعتداء على المدينة فعلى اليهود أن يدافعوا مع المسلمين عنها، وأن على اليهود أن يتفقوا مع المسلمين ما داموا محاربين».
لكن اليهود بطوائفهم المختلفة، نقضوا عهودهم مع الرسول، فبنو قينقاع الذين كانوا يقيمون داخل المدينة، وبيوتهم تلاصق بيوت المسلمين، لم يكتفوا بالامتناع عن مد يد العون، والمساعدة للمسلمين فى غزوة بدر، بل ساءهم أن ينتصروا على قريش، وصرحوا بحزنهم لهزيمة أهل مكة، وأخذوا يتحرشون بالمسلمين.

وفى خلال ذلك، نزل جبريل على النبى (صلى الله عليه وسلم) بقوله تعالى: ( وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِين) فلما فرغ جبريل- عليه السلام- من قراءتها، قال النبى (صلى الله عليه وسلم): «إنى أخاف من بنى قينقاع، ثم سار إليهم فى سوقهم» فقال لهم: «يا معشر اليهود: احذروا من الله- تعالى- مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أنى نبى مرسل، تجدون ذلك فى كتابكم، وفى عهد الله إليكم، فقالوا: مدلين بقوتهم- يا محمد إنك ترى أنا كقومك، لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، إنا والله لو حاربتنا لتعلمن أننا نحن الناس..».

ولما وجد الرسول (صلى الله عليه وسلم) منهم تصميماً على نقضهم لعهودهم، ومحاربة مستمرة للدعوة الإسلامية، ومآزرة لكل معارض لها، طردهم من المدينة، إلى أذرعات جزاء غدرهم وخيانتهم.

وأما بنو النضير: فكانوا فى نقضهم لعهودهم مع المسلمين أفحش من سابقيهم، فإنهم لم يكتفوا بمنع يد المعونة عن المسلمين فى بدر، بل آووا الأعداء الذين جاءوا للإفساد فى المدينة بعد ذلك، فقد حصل منهم فى غزوة السويق التى تتلخص أحداثها: فى أن أبا سفيان بن حرب، حاول بعد هزيمته فى بدر أن ينتقم من المسلمين،
فسار مع رجال له إلى المدينة فوصلها ليلاً، فطرق باب (سلام بن مشكم)- أخو بنى النضير- فاستقبله استقبالاً حسناً وعرفه أخبار المسلمين، فخرج أبوسفيان من عنده وهجم برجاله على ناحية يقال لها: (العريض).. وعلم المسلمون بذلك، فتعقبوا أبا سفيان ومن معه، ولكنهم نجوا بعد أن ألقوا ما معهم من سويق.

وبنو النضير- أيضاً- هم الذين حاولوا اغتيال الرسول (صلى الله عليه وسلم) حين جاءهم إلى بيوتهم، ليطلب منهم المعونة فى دفع دية قتيل قتل خطأ.

وكانت عقوبتهم جزاء خياناتهم ونقضهم لعهودهم أن طردهم المسلمون من المدينة كسابقيهم.
وأما بنو قريظة فقد كانوا فى نقضهم لعهودهم مع المسلمين، ونكثهم مواثيقهم، أشد من جميع طوائف اليهود، لأنهم لم ينقضوا عهودهم فى وقت السلم، بل تحللوا منها فى وقت الشدة والعسر، وإحاطة أحزاب الكفر بالمدينة.

وذلك أن المشركين بعد أن جمعوا جموعهم فى غزوة الأحزاب بقيادة أبى سفيان، وبتحريض حيى بن أخطب اليهودى، بلغ المسلمين فى ذلك الوقت أن يهود بنى قريظة قد نقضوا عهودهم، وانضموا إلى جيش الكفر وأرسل الرسول (صلى الله عليه وسلم) إليهم من يحذرهم من مغبة خياناتهم، ولكنهم أصروا عليها، وكذّبوا الرسول (صلى الله عليه وسلم) وذكروه بسوء.
وبعد أن رد الله الذين كفروا- عن المدينة- دون أن ينالوا خيراً منها، تفرغ الرسول (صلى الله عليه وسلم) والمسلمون لتأديب بنى قريظة، الذين نقضوا عهودهم فى ساعة العسرة، وكان حكم الله فيهم القتل جزاء غدرهم وخياناتهم.

هذا وفى ختام هذا البحث نستطيع أن نقول: إن الآيات التى وصفت اليهود بنقض العهود، والتى يؤيدها واقعهم التاريخى كثيرة متعددة، ومن هذه الآيات ما فيه تصريح بأن هذه الرذيلة تكاد تكون طبيعة فيهم، وصفة لازمة من صفاتهم، قال تعالى: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُون).

قال صاحب الكشاف عند تفسيره للآية الكريمة: «واليهود موسومون بالغدر ونقض العهود، وكم أخذ الله- تعالى- الميثاق منهم ومن آبائهم فنقضوا، وكم عاهدهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلم يفوا: (الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُون).
وقال بن جرير: «لم يكن فى الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه، يعاهدون اليوم وينقضون غداً».
ثانى رذائل اليهود التى تذكرها الرسالة، هى سوء أدبهم مع الله تعالى، وعداوتهم لملائكته وقتلهم الأنبياء، حيث يروى القرآن كثيراً من رذائل اليهود ومقابحهم، ومن بين ما حكاه عنهم من رذائل، سوء أدبهم مع الخالق، ووصفهم له، سبحانه وتعالى، بما لا يليق به،
كذلك من بين ما تعرضه الدراسة، من رذائل «مجاهرتهم بالعداوة لأمين الوحى جبريل، عليه السلام، وقتلهم الأنبياء الكرام»، الذين جاءوهم بالهدى ودين الحق، وتعديهم على من يأمرونهم بالقسط بين الناس، وفى كراهتهم لجبريل يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور «ومن عجيب تهافت اعتقادهم أنهم يثبتون أنه ملك مرسل من الله ويبغضونه وهذا من أحط دركات الانحطاط فى العقل والعقيدة، ولا شك أن اضطراب العقيدة من أكبر مظاهر انحطاط الأمة، لأنه ينبئ عن تظافر آرائهم على الخطأ والأوهام».

وينتقل الإمام طنطاوى، لعرض ثالث الرذائل، وهى استحلال محارم الله، وهى الرذيلة التى يقول عنها «وقعوا نتيجة جهلهم وفسوقهم وجشعهم وضعف إرادتهم فى رذيلة التحايل على هدم الشرائع، ليصلوا إلى مطامعهم وشهواتهم، ظانين لجهلهم وعدم فقههم أنهم عن طريق ذلك التحايل المحرم سيفلتون من المؤاخذة والعقوبة، وقصة أصحاب السبت، أكبر دليل على تلاعبهم بالدين وتهالكهم على الدنيا، وهى القصة التى ورد ذكرها فى القرآن الكريم،
فى قوله تعالى «وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِى السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذالِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوء وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ»،
ويفسر «طنطاوى» الآيات ويقول : تفصيل هذا الاعتداء الذى حصل منهم يوم السبت، أنهم قد حفروا حياضا إلى جانب البحر، التى كانت فيه الأسماك فى هذا اليوم، فكانت المياه تنساب إلى تلك الحياض فى يوم السبت، مع ما تحمله من الأسماك الكثيرة، ثم إذا أرادت الرجوع إلى البحر لا تستطيع، لضآلة الماء الذى بالحياض، فتبقى فيها إلى أن يصطادوها بعد يوم السبت، وصنيعهم هذا ظاهره امتثال لأمر الله، تعالى، فإنهم لم يصطادوا فى يوم السبت، وحقيقة أنه مجاوزة لما حرم الله عليهم من الصيد، فإن حجزها فى الحياض صيد لها فى المعنى.
وتنتقل بعد ذلك الدراسة لتتحدث عن عقاب الله لليهود بالتيه أربعين عاما فتقول:
وبذلك نرى أن قوله تعالى: (كتب الله لكم) يصور لنا بدليل السياق والسباق نفسية بنى إسرائيل الخوارة، وكيف أنهم أمعنوا فى معصية نبيهم، وأبوا دخول الأرض المقدسة رغم كل ما ساقه لهم من بشارات، وما توعدهم به من عقوبات.

الخلاصة أن الكتابة فى قوله تعالى (كتب الله لكم) إما أن تكون كتابة تكليفية على معنى: كتب عليكم، وفرض أن تدخلوها مجاهدين مطيعين لنبيكم.

وإما أن تكون كتابة قدرية، أى: قضى وقدر الله- تعالى- أن تكون لكم، وهى فى هذه الحالة مشروطة بالإيمان، وامتثال الأوامر، وقيامهم بواجب الجهاد والطاعة لنبيهم، وبنو إسرائيل لم يتحقق فيهم هذا الشرط، بل الذى تحقق أنهم كفروا بالله، وعصوا أنبياءهم، وجبنوا عن الجهاد فى سبيل الله.

وحتى بعد أن فتح الله لهم باب رحمته، وقال لهم (ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَـزِيدُ الْمُحْسِنِينَ)، لم يقابلوا هذه النعمة الجليلة بالطاعة والشكر، وإنما قابلوها بالجحود والبطر، فكانت عاقبة أمرهم أن أنزل الله عليهم عذاباً من السماء بسبب فسوقهم وظلمهم.

وبذلك نرى أن دعوى اليهود أن: الأرض المقدسة ملك لهم بدليل قوله تعالى (كتب الله لكم) لا أساس لها من الصحة، ولا يشهد لها عقل أو نقل.

وللإجابة على الأمر الثانى وهو كون عقابهم أربعين سنة يتيهون فى الأرض تقول الدراسة: «اقتضت حكمة الله- تعالى- أن يجعل عقوبته لقوم مناسبة لما اقترفوا من ذنوب وآثام، وبنو إسرائيل لطول ما ألفوا من ذل واستعباد، على أيدى فرعون وقومه، هانت عليهم نعمة الحرية، وضعف عندهم الشعور بالعزة، وماتت فيهم صفة الإحساس بالكرامة الإنسانية، وأصبحت حياة الذلة والعبودية والاسترقاق مع القعود أحب إليهم من حياة العزة والكرامة مع الجهاد.. ولهذا عندما دعاهم نبيهم- عليه السلام- لدخول الأرض المقدسة ليعيشوا فيها عيشة طيبة عزيزة، اعتذروا إليه بشتى ألوان المعازير، وأكدوا له عدم اقترابهم منها طول حياتهم مادام الجبارون فيها».

فاقتضت حكمة الله- تعالى- أن يحرمهم منها جزاء جبنهم وعصيانهم، وأن يحكم عليهم بالتيهان فى الأرض حيارى، لا يعرفون لهم مقراً، حتى ينشأ منهم جيل آخر، يقدر لنعمة الحرية قدرها.
وعن ذلك يقول بن خلدون فى مقدمته: «ويظهر من مساق الآية الكريمة ومفهومها: أن حكمة ذلك التيه مقصودة، وهى فناء الجيل الذين خرجوا من قبضة الذل والقهر والقوة وتخلقوا به، وأفسدوا من عصبيتهم، حتى نشأ فى التيه جيل آخر عزيز لا يعرف الاستعباد والقهر، ولا يسأم المذلة والخسف، فنشأت لهم بذلك عصبية أخرى، اقتدروا بها على المطالبة والتغلب، ويظهر لك من ذلك أن الأربعين سنة، أقل ما يأتى فيها فناء جيل ونشأة جيل آخر، سبحان الحكيم العليم».
ولصاحب المنار كلام حسن فى حكمة هذه العقوبة، نرى من المناسب إثباته هنا، فقد قال فى ختام تفسيره لهذه الآيات الكريمة: «إن الشعوب التى تنشأ فى مهد الاستبداد، وتساس بالظلم والاضطهاد، تفسد أخلاقها وتذل نفوسها، ويذهب بأسها، وتضرب عليها الذلة والمسكنة، وتألف الخضوع، وتأنس بالمهانة والخنوع، وإذا طال عليها أمد الظلم تصير هذه الأخلاق موروثة ومكتسبة، حتى تكون كالغرائز الفطرية والطبائع الخلقية، إذا أخرجت صاحبها من بيئتها، ورفعت عن رقبته نيرها، وألفيته ينزع بطبعه إليها، ويتفلت منك ليتقحم فيها، وهذا شأن البشر فى كل ما يألفونه، ويجرون عليه من خير وشر، وإيمان وكفر».

وقد ضرب النبى (صلى الله عليه وسلم) مثلاً لهدايته، وضلال الراسخين فى الكفر فقال: «مثلى ومثلكم كرجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التى تقع فى النار يقعن فيها، ويجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها».

أفسد ظلم الفراعنة فطرة بنى إسرائيل فى مصر، وطبع عليها بطابع المهانة والذل، وقد أراهم الله- تعالى- ما لم ير أحداً من الآيات الدالة على وحدانيته وقدرته، وصدق رسوله موسى- عليه السلام-
وبين لهم أنه أخرجهم من مصر لينقذهم من الذل والعبودية والعذاب، إلى الحرية والاستقلال والعز والنعيم، وكانوا مع هذا كله، إذا أصابهم نصب أو جوع، أو كلفوا أمراً يشق عليهم، يتطيرون بموسى ويتململون منه، ويذكرون مصر، ويحنون إلى العودة إليها، ولما غاب عنهم أياما لمناجاة ربه اتخذوا إلههم عجلاً من حليهم وعبدوه.

وكان الله- تعالى- يعلم أنهم لا تطيعهم نفوسهم المهينة على دخول أرض الجبارين، وأن وعده- تعالى- لأجدادهم إنما يتم على وفق سنته فى طبيعة الاجتماع البشرى، إذا هلك ذلك الجيل الذى نشأ فى الوثنية والعبودية، ونشأ بعده جيل جديد فيه حرية البداوة، وعدل الشريعة، ونور الآيات الإلهية، وما كان الله ليهلك قوماً بذنوبهم، حتى يبين لهم حجته عليهم، ليعلموا أنه لم يظلمهم وإنما يظلمون أنفسهم.

وعلى هذه السنة العادلة أمر الله - تعالى - بنى إسرائيل بدخول الأرض المقدسة، بعد أن أراهم عجائب تأييده لرسوله إليهم، فأبوا واستكبروا فأخذهم الله ـ تعالى - بذنوبهم وأنشأ من بعدهم قوماً آخرين، جعلهم هم الأئمة الوارثين، جعلهم كذلك بهممهم وأعمالهم الموافقة لسنته وشريعته المنزلة عليهم، فهذا بيان حكمة عصيانهم لموسى بعد ما جاءهم بالبينات، وحكمة حرمان الله - تعالى - لذلك الجيل منهم من الأرض المقدسة.

فعلينا أن نعتبر بهذه الأمثال التى بينها الله تعالى لنا، ونعلم أن إصلاح الأمم بعد فسادها بالظلم والاستبداد، إنما يكون بإنشاء جيل جديد يجمع بين حرية البداوة واستقلالها وعزتها، وبين معرفة الشريعة والفضائل والعمل بها،
وقد كان يقوم بهذا فى العصور السالفة الأنبياء، وإنما يقوم بها بعد ختم النبوة ورثة الأنبياء، الجامعون بين العلم بسنن الله فى الاجتماع، وبين البصيرة والصدق والإخلاص فى حب الإصلاح، وإيثاره على جميع الأهواء والشهوات، ومن يضلل الله فما له من هاد.

المصدر:
http://today.almasryalyoum.com/artic...ticleID=258557



رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
القرآن, بنو, في, إسرائيل, والسنة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية
تابعونا عبر تويترتابعونا عبر فيس بوك تابعونا عبر وورد بريس


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة لمنتدى آخر الزمان©

تابعونا عبر تويتر