بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
منتـدى آخـر الزمـان  

العودة   منتـدى آخـر الزمـان > المنتدى الإسلامي > حوارات دينية > السنة وعلوم الحديث

السنة وعلوم الحديث
دراسة السنة وعلوم الحديث وتخريج النصوص على جميع المذاهب والفرق الإسلامية.

               
 
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-07-2016, 07:20 AM
عضو
 Kuwait
 Female
 
تاريخ التسجيل: 26-12-2014
الدولة: ارض الله
المشاركات: 35
معدل تقييم المستوى: 0
ندى is on a distinguished road
افتراضي المسانيد نشأتها وأنواعها وطريقة ترتيبها

بسم الله الرحمن الرحيم

المسانيد نشأتها وأنواعها وطريقة ترتيبها

المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله .
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (١)
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } (٢)
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } (٣) أما بعد :
فإن المسانيد من أوائل المؤلفات المخصوصة الأصيلة في تدوين الحديث النبوي ، حيث تعتبر بمثابة موسوعات حديثية جليلة القدر جَمَّة النفع ، ولا سيما مسند الإمام أحمد ( ت 142 هـ ) رَحِمَهُ اللَّهُ .
وقد عُني مؤلفوها ببيان أسانيد الأحاديث حفظًا للعلم ، وإبراء للذمة ، قال أبو السعادات ابن الأثير ( ت 606هـ ) عنهم : " منهم من قَصُرَت (٤) همته على تدوين الحديث مطلقًا ليحفظ لفظه ، ويستنبط منه الحكم . . . فإنهم أثبتوا الأحاديث في مسانيد رواتها ، فيذكرون مسند أبي بكر الصديق ؟ مثلا ، ويثبتون فيه كل ما رووه عنه " (٥)
ثم إنهم رتبوها - في الأصل - على المسانيد ، فلا يلزمهم الاقتصار على الثابت ، أو الحكم على الأحاديث ، وسيأتي - إن شاء الله - كلام الأئمة في هذا الشأن (٦)وقد اشتهر عن فريق من متقدمي أهل الحديث أن الذمة تبرأ بمجرد الإسناد ؛ لأن من أسند فقد أحال إلى مَليء ، وهذا ظاهر من مؤلفاتهم في تلك الفترة ، يقول الحاكم أبو عبد الله ( ت 405 هـ ) : " وكان الطريق إليه - يعني كتابه - رواية ما نُقل إلينا في كل فصل من فصوله بأسانيدهم ، اقتداء بمن تقدمنا من أئمة الحديث من إخراج الغثِّ والسمين في مصنفاتهم " (7) وقال الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني ( ت 852 هـ ) : " أكثر المحدثين في الأعصار الماضية من سنة مائتين وهلمّ جرّا ، إذا ساقوا الحديث بإسناده ، اعتقدوا أنهم بَرِئوا من عهدته ، والله أعلم " (8)
وبالرغم من ذلك الجمع العام للروايات في المسانيد ، فإن فوائدها عظيمة ، ومنها :
إنها من المصادر الحديثية الأصيلة ، حيث يروي مؤلفوها الأحاديث بأسانيدهم ، ولا يخفى ما لمعرفة الإسناد من أثر كبير في الوصول إلى الحكم على الحديث الذي يراد الاحتجاج به في المسائل والاختيارات ونحوها .

إنها من مظان جَمْع طُرق حديث كل صحابي ، ولا سيما المسانيد التي تُعنى بالعلل ، ولهذا أثره الكبير على علوم الإسناد من تسمية الرواة ، ومعرفة ألفاظ صيغ أدائهم ولا سيما المدلِّسين ، والرواة عن المختلطين ، واتصال الأسانيد ، ونحو ذلك كما له أثره أيضًا في علوم المتن من معرفة الزيادات ، وضبط الألفاظ ، وفهم معانيها إضافة إلى ما يتصل بمدى تقوية الحديث بمعرفة متابعاته ، وشواهده ، أو تضعيفه بمعرفة اختلاف الرواة فيه المفضي إلى إظهار علله .

ومن الجدير بالذكر أن هذه الفائدة تتحقق في الغالب - بعد توفيق الله - بواسطة المداخل والفهارس إلى هذه المسانيد ، والتي تجمع طرق الحديث في موضع واحد ، مع تسهيل الوصول إليه .
معرفة الصحابة ، إذا صح الإسناد إليهم ، لأن مؤلفي المسانيد رتبوا الأحاديث فيها - في الغالب - على الصحابة .

معرفة المكثرين من الرواية والمقلين منها من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتأسيسًا على ذلك ، تم وضع هذا البحث المستقل في المسانيد ؛ للأسباب التالية :
هذه المكانة - السابقة - المهمة للمسانيد في حفظ المرويات الحديثية ، وما يترتب على ذلك من فوائد متعددة .
تحرير ما يتعلق بالمسانيد من مسائل اختلف فيها أهل الحديث ، مثل أوائل المسانيد ، ومراتبها ونحو ذلك .
إن علم المسانيد فن مستقل بذاته ، يحتاج إلى جمع شوارده في بحث مفرد بحيث يبين فيه :
نشأتها ، وأنواعها ، ومراتبها ، وما يتصل بها ، ومن هنا جاء إعداد هذا الموضوع ، وهو يتكون من :
المقدمة : وفيها بيان أهمية الموضوع وأسباب اختياره ، وخطة البحث ، وهي تتكون من تمهيد ، وبابين ، وخاتمة ، وفهارس ، وبيانها على النحو الآتي :

التمهيد : تعريف المسانيد .

الباب الأول : نشأة المسانيد ومراتبها ، وفيه فصلان :
الفصل الأول : نشأة المسانيد ، وفيه :
المبحث الأول : تدوين المسانيد .
المبحث الثاني : مرتبة المسانيد بين المصادر الحديثية .
الفصل الثاني : مراتب المسانيد ، وفيه :
المبحث الأول : المسانيد المنتقاة .
المبحث الثاني : المسانيد المعلة .
المبحث الثالث : المسانيد العامة .
الباب الثاني : أنواع المسانيد وطريقة ترتيبها ، وفيه فصلان :
الفصل الأول : أنواع المسانيد ، وفيه :
المبحث الأول : المسانيد الشاملة .
المبحث الثاني : المسانيد الخاصة .
الفصل الثاني : طريقة ترتيب المسانيد ، وفيه :
المبحث الأول : طريقة ترتيب المسانيد إِجمالا .
المبحث الثاني : طريقة ترتيب أشهر المسانيد تفصيلا .
الخاتمة ، وتشتمل على أهم نتائج البحث .
الفهارس .
هذا وسميت هذا البحث : " المسانيد : نشأتها ، وأنواعها ، وطريقة ترتيبها " ، وأسأل الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ، الرحمن الرحيم ، أن يغفر لي ولوالدي وذوي أرحامي وعموم المسلمين ، والحمد لله رب العالمين .

التمهيد : تعريف المسانيد
المطلب الأول : التعريف اللغوي :

المسانيد أو المساند جمع : مسند ، وهو : اسم مفعول من الثلاثي : ( سَنَدَ ) ، قال ابن فارس ( ت 395 هـ ) : " السين والنون والدال أصل واحد يدل على انضمام الشيء إلى الشيء . وقد سُمِّي الدهر : مُسنَدًا ؛ لأن بعضه متضام " (9)
وقال الليث : " السند ما ارتفع عن الأرض " (10) وقال الأزهري ( ت 370 هـ ) : " كل شيء أسندت إليه شيئًا فهو مُسنَد " (11) وحكى أيضًا عن ابن بُزُرْج أن السَّنَد مثقل : ( ( سنود القوم في الجبل ) ) ، وقال الجوهري ( ت 393 هـ ) : " السَنَد : ما قابلك من الجبل وعلا عن السطح ، وفلان سَنَده أي : معتمد " (12) وقال ابن منظور ( ت 711هـ ) : " ما يسند إليه يُسمى مسْنَدًا ومُسْنَدًا ، وجمعه : المَساند " (13) وزاد صاحب القاموس أنه يجمع أَيضًا بلفظ : ( مسانيد ) ، ويرى أبو عبد الله : محمد بن عبد الله الشافعي الزركشي ، ( ت 794 هـ ) (14) أن الحذف أولى .
ومما سبق يتبين أن المُسند هو : ما ضُمَّ إلى شيء أو رُفع إليه ليقوى به ، أو ليعرف به ويُنسب إليه.
المطلب الثاني : التعريف الاصطلاحي :
المساند والمسانيد جمع مسند ، ويطلق في الاصطلاح على الرواية بالإسناد ، أي رفع الأحاديث إلى قائلها ، وعلى الكتاب الذي يروي مؤلفه أحاديث كل صحابي على حدة ، والمعنى الثاني هو المقصود في هذا البحث ، قال الخطيب أبو بكر : أحمد بن علي بن ثابت البغدادي ( ت 463 هـ ) عن أنواع المؤلفين في الأحاديث : " ومنهم من يختار تخريجها على المسند ، وضم أحاديث كل واحد من الصحابة بعضها إلى بعض " (15) وقال الزركشي عنهم : " ومنهم من جمع حديث كل صحابي وحده ، ثم رتبهم على حروف المعجم ، ومنهم من رتب على سوابق الصحابة ، فبدأ بالعشرة المبشرين ثم بأهل بدر " (16)
وقد سُميت بعض المصنفات على الأبواب بالمسانيد ، وهي ليست كذلك بالمعنى السابق ، وإنما لإرادة مؤلفيها منها : مطلق الرواية بالإسناد ، وعليه تحمل بقية المصنفات التي يرد في أسمائها لفظة " مسند " ، وإلا فهي مرتبة على الأبواب الفقهية ، مثل :
الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسُننه وأيامه ، للإمام البخاري ( ت 256 هـ ) .
المُسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، للإمام مسلم ( ت 261هـ ) .
مسند الدرامي ، قال الحافظ عبد الرحيم بن الحسين العراقي ( ت806 هـ ) : " عَدَّه - يعني ابن الصلاح - مسند الدرامي في جملة هذه المسانيد مما أُفرد فيه حديث كل صحابي وحده ، وَهْم منه فإنه مرتب على الأبواب كالكتب الخمسة ، واشتهر تسميته بالمسند كما سمى البخاري : المسند الجامع الصحيح - وإن كان مرتبًا على الأبواب - لكون أحاديثه مسندة ، إلا أن مسند الدرامي كثير الأحاديث المرسلة والمنقطعة والمقطوعة ، والله أعلم " (17)
مسند الإمام الشافعي ، وهو من جمع غيره ، وذكر محمد بن عبد الرحمن السخاوي ( ت 902 هـ ) (18) أنه مرتب على الأبواب .
مسند الإمام : عبد الله بن المبارك - ت 181 هـ - وهو مرتب على أبواب الفقه أيضًا .
وكذا يُحمل ما رتب على أبواب الآداب : مثل : مسند الشهاب لأبي عبد الله : محمد بن سلامة القضاعي ( ت 454 هـ ) ، ومسند الفردوس للحافظ أبي المنصور : شَهْرَدار بن شَيْرَويه الديلمي ( ت 558 هـ ) ، يقول العلامة عبد الرؤوف المناوي ( ت 1031هـ ) : " هذا احتراز عن المسند بمعنى الإسناد ، كمسند الشهاب ومسند الفردوس ، أي : إسناد حديثهما " (19)
وغالبًا ما تكون تسمية هذه المصنفات بالمسند مقيدة بما يدل على ذلك كما تقدم في تسمية صحيح البخاري ومسلم .
العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي :
يتصل المعنى الاصطلاحي لكلمة : ( مسند ) بمعناها اللغوي من عدة أطراف ، منها الضم والجمع فصاحب الكتاب المُسند يضم الأحاديث إلى راويها ، أو يضم أحاديثه كلها على حِدة ، ومنها الرفع والنِّسبة ، ومنها الاعتماد ، وذلك من جهة أن المحدث يرفع الحديث إلى قائله فيسوق إسناده به ، بحيث يعتمد على صنيعه ، قال الزركشي : " هو مأخوذ من السند ، وهو ما ارتفع وعلا عن سفح الجبل ؛ لأن المُسْنِد يرفعه إلى قائله ، ويجوز أن يكون مأخوذًا من قولهم : فلان سَنَد ، أي : معتمد ، فسمي الإخبار عن طريق المتن : مسندًا ؛ لاعتماد النقاد في الصحة والضعف عليه " (٢0)

الباب الأول : نشأة المسانيد ومراتبها
الفصل الأول : نشأة المسانيد .
المبحث الأول : تدوين المسانيد
بدأت عناية أهل العلم بتأليف المسانيد - بمعناها الاصطلاحي المختار (21) في أوائل عصر تدوين أصول المصادر الحديثية ، وذلك في أواخر القرن الثاني الهجري ومطلع القرن الثالث الهجري ، حيث عُني المتقدمون من أئمة الحديث بإفراد حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمساند خاصة به - في الغالب - وفي ذلك يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني ( ت 852 هـ ) : " رأى بعض الأئمة أن يفرد حديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصة ، وذلك على رأس المائتين ، فصنف عُبيد الله بن موسى العَبْسي الكوفي مسندًا ، وصنف مُسَدَّد بن مُسَرْهَد البصري مسندًا " (22)

وبالرغم مما اختاره الحافظ ابن حجر ، فإن أهل العلم اختلفوا في أول من صنف مسندًا ، على أقوال ، منها :
القول الأول : إنه : عبيد الله بن موسى العَبْسي الكوفي ( ت 213 هـ ) ، وأبو داود : سليمان بن داود الطيالسي البصري ( ت 203 هـ ) .
وبه قال الحاكم (23) وابن الجوزي ( ت 597 هـ ) (25) وأبو السعادات ابن الأثير (25) والزَّرْكَشي (26) وغيرهم .
وقد ابتدأ الحافظ ابن حجر العسقلاني بعُبيد الله بن موسى ، ولكنه ثنى بمُسَدَّد بن مُسَرْهَد الأسدي البصري ( ت 228 هـ ) (27) كما تقدم .
أما الإمام أبو عمرو : عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح ( ت 643 هـ ) فقد ابتدأ بالطيالسي فقال : " كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة وما جرى مجراها في الاحتجاج بها . . كمسند أبي داود الطيالسي ، ومسند عُبيد الله بن موسى " (28)
القول الثاني : إنه : نُعيم بن حماد الخزاعي المصري ( ت 228 هـ ) ، وأسد بن موسى الأموي المصري المعروف بأسد السنة ( ت 213 هـ ) ، وفي ذلك يقول الدارقطني ( ت 385 هـ ) : " قال أحمد بن حنبل رَحِمَهُ اللَّهُ : أول من رأيناه ، يكتب المسند : نُعيم ابن حماد " (29) ويقول أيضًا : " أول من صنف مسندًا وتتبعه : نُعيم بن حماد " (30) إلا أن الخطيب البغدادي يقول : " صنف أسد بن موسى المصري مسندًا ، وكان أسد أكبر من نُعيم سنًّا وأقدم سماعًا ، فيحتمل أن يكون نُعيم سبقه إلى تخريج المسند وتتبع ذلك في حداثته ، وخَرَّج أسدٌ بعده على كبر سنه والله أعلم " (31)
القول الثالث : إنهم أوائل بحسب البلدان .
قال أبو أحمد : عبد الله بن عدي ( ت 365 هـ ) - عند ترجمة يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني الكوفي ( ت 228 هـ ) - : " ليحيي - يعني صاحب الترجمة - مسند صالح ، يقال إنه أول من صنف مسندًا بالكوفة ، وأول من صنف بالبصرة : مُسَدَّد ، وأول من صنف بمصر : أسد السنة ، وأسد قبلهما وأقدم موتًا " (32)
الترجيح : الذي يظهر - والله أعلم - من كلام الحفاظ السابقين ، أن أوائل من جمع المسانيد ، هم على النحو الآتي :
الأول : نُعيم بن حماد الخزاعي المصري ( ت 228 هـ ) ، يدل على ذلك كلام الإمام أحمد المتقدم - وحسبك به - فهو صريح بأن نُعيمًا صَنَّف المسند في حداثته ، حيث اشتهر عن نُعيم بن حماد حثه على جمع حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وعنايته به يقول الإمام أحمد عنه : " أول من قدم علينا في آخر عمر هُشَيم يطلب المسند : نُعيم بن حماد " (33) وقال أيضًا : " جاءنا نُعيم بن حماد ونحن على باب هُشَيم نتذاكر المقطعات ، فقال : جمعتم حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال : فعُنينا بها منذ يومئذ " (34)
وهُشَيم ، هو : ابن بشير الواسطي ( ت 183 هـ ) ، ونُعيم قد صنف مسنده قبل هذا التاريخ ، فتبين وجه ترجيح كلام الإمام أحمد هنا عن غيره ، وبه يتأكد الاحتمال الذي ذكره الخطيب البغدادي - آنفًا .
الثاني : عُبيد الله بن موسى العَبْسي .
الثالث : أسد السنة ، كما أفاد الأئمة الحفاظ عنهما - وفق ما تقدم - .
* أما من أورد مسند الطيالسي ، فصنيعه محل تأمل ؛ لأن مسنده ليس من جمعه ، فقد قال أبو نعيم : أحمد بن عبد الله الأصبهاني ( ت430 هـ ) : " صنف أبو مسعود الرازي ليونس بن حبيب مسند أبي داود " (35)
وأبو مسعود ، هو : الحافظ أحمد بن الفرات بن خالد الضبي الرازي ثم الأصبهاني سمع من أبي داود الطيالسي وغيره ، ومات سنة 258 هـ (36)
ويونس بن حبيب ، هو : العجلي مولاهم الأصبهاني ، راوي مسند حديث الطيالسي ، ومات سنة 267 هـ .
هذا ويقول ابن حجر العسقلاني عن المسند المذكور : " وهو . . . الذي جمعه بعض الأصبهانيين من رواية يونس بن حبيب عنه " (37) ويقول السخاوي : " لولا أن الجامع لمسند الطيالسي غيره بحسب ما وقع له بخصوص من حديثه لا بالنظر لجميع ما رواه الطيالسي ، فإنه مكثر جدًّا ، لكان أول مسند فإن الطيالسي متقدم على هؤلاء " (38) وقال أيضًا : " هذا المسند يسير بالنسبة لما كان عنده ، فقد كان يحفظ أربعين ألف حديث ، والسبب في ذلك عدم تصنيفه هو له ، إنما تولى جمعه بعض حفاظ الأصبهانيين من حديث يونس بن حبيب الراوي " (39) وبنحو ذلك قال السيوطي ( ت 911 هـ ) (40)
ويرى الزركشي : أن يونس بن حبيب هو الجامع لمسند حديث الطيالسي (41)
وأما من رأى أن الأولية في جمع المسانيد مقيدة بالبلدان ، فكلامه لا يطرد ؛ لأنه يشترك في البلد أكثر من مؤلف واحد : فنُعيم وأسد السنة من مصر ، وعُبيد الله العَبْسي ويحيي الحِمَّاني من الكوفة ، والطيالسي ومُسَدَّد من البصرة ، وكل واحد منهم ذكر فيمن صنف مسندًا أولا .

المبحث الثاني :

مرتبة المسانيد بين المصادر الحديثية - من جهة الصحة وعدمها - .
تعتبر المؤلفات على المسانيد في المرتبة التالية للمصنفات على الأبواب من الصحاح والسنن القريبة منها ، هذا من حيث الأصل ، يقول الخطيب البغدادي : " ومما يتلو الصحيحين : سنن أبي داود السجستاني وأبي عبد الرحمن النَّسَوي ، وأبي عيسى الترمذي ، وكتاب محمد بن إسحاق ابن خزيمة النيسابوري ، الذي شرط فيه على نفسه إخراج ما اتصل سنده بنقل العدل عن العدل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، ثم كُتب المسانيد الكبار " (42) والسبب في ذلك أن الأصل في هذه المسانيد جَمْع مرويات كل صحابي ، دون النظر إلى ثبوتها أو عدمه ، ولهذا يقول أبو عبد الله الحاكم : " هذه المسانيد التي صنفت في الإسلام على روايات الصحابة مشتملة على رواية المُعَدلين من الرواة وغيرهم من المجروحين " (43) وهو حكم ابن الأثير كما تقدم (44)
ويقول ابن الصلاح : " عادتهم فيها - يعني أصحاب المسانيد - : أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه ، غير متقيدين بأن يكون حديثًا محتجًّا به ، فلهذا تأخرت مرتبتها - وإن جَلّت لجلالة مؤلفها - عن مرتبة الكتب الخمسة ، وما التحق بها من الكتب المصنفة على الأبواب ، والله أعلم " (45) ويقول الحافظ ابن حجر : " هذا هو الأصل في وضع هذين الصنفين - يعني التأليف على المسانيد وعلى الأبواب - ومَن يُصَنِّف على المسانيد فإن ظاهر قصده : جمع حديث كل صحابي على حِدة سواء أكان يصلح للاحتجاج به أم لا " (46)
والتعبير بالأصل يدل على أن هناك من المصنفين من خالف الأصل في ذلك ، بمعنى أنه انتقى مروياته في المسانيد ، أو اقتصر على الصحيح - بناء على شرطه - يقول الحافظ ابن حجر : " بعض من صنف على المسانيد انتقى أحاديث كل صحابي فأخرج أصح ما وجد من حديثه " (47) وبالرغم من ذلك ، فإن انتقاء الحديث لكونه أصح من غيره ، أو أصح ما في الباب ، لا يلزم منه أن يكون صحيحًا في ذاته ، فالضعيف أصح من الموضوع ، وكلاهما في حكم المردود كما هو معلوم - ، وسيأتي - إن شاء الله - (48) كلام للحافظ العراقي بمعنى ذلك .
ولذلك فإن في المسانيد أحاديث صحيحة وأخرى ضعيفة على تفاوت في درجات الصنفين ، وإنه وإن قُدمت المسانيد المنتقاة عما سواها من المسانيد ، فإن الاحتجاج بالحديث منها يبقى خاضعًا لمدى توافر شروط الاحتجاج ، وفق ما يُبينه المحققون من الحفاظ والمحدثين .
والخلاصة : أن مرتبة المسانيد بعد مرتبة المصنفات على الأبواب - هذا من حيث الأصل - ؛ لأنهم اعتنوا بالجمع في الغالب دون اشتراط الصحة .

الفصل الثاني : مراتب المسانيد .

تتمايز الكتب الحديثية منزلة بحسب مدى التزام مؤلفيها بشروط الصحة فيما يجمعونه فيها من الروايات ، وهكذا المسانيد أيضًا ، فهي ليست على صعيد واحد ، والمقصود هنا : الموازنة بين المسانيد ذاتها ، وبيان أعلاها مكانة ، ولا شك أنه إذا قلت الأحاديث الضعيفة ، ارتفعت مرتبة الكتاب على غيره ، وعمت فائدته للعامة والخاصة .
فالأصل أن أعلى المسانيد أنقاها وأصحها حديثًا ؛ لأن فائدتها - والحالة هذه - عامة للعلماء وطلاب العلم وغيرهم ، شأنها في ذلك شأن المصنفات على الأبواب ، حيث تقدم منها : المصنفات التي اشترط أصحابها الصحة فيها ، بما يوافق ما عليه أهل التحقيق ، ولهذا يقول الإمام مسلم : " ضبط القليل من هذا الشأن وإتقانه ، أيسر على المرء من معالجة الكثير منه ، ولا سيما عند من لا تمييز عنده من العوام فالقصد منه إلى الصحيح القليل ، أولى بهم من ازدياد السقيم ، وإنما يُرجى بعض المنفعة في الاستكثار من هذا الشأن وجمع المكررات منه لخاصة الناس ممن رزق فيه بعض التيقظ ، والمعرفة بأسبابه وعلله " (49)
وإذا تقرر ما سبق فإن كلام من قدم المسانيد المعلة على غيرها يحمل على اعتبار ما فيها من نفع للعلماء الذين لهم بصر في معرفة العلل ، وإلى ذلك أشار الإمام مسلم كما تقدم ، وبه يجاب على صنيع من قدم المعل مطلقًا مثل الخطيب البغدادي حيث يقول : " يستحب أن يصنف المسند مُعَللا فإن معرفة العلل أجل أنواع علم الحديث " (50) وأصرح منه كلام ابن الصلاح حيث يقول : " مِنْ أعلى المراتب في تصنيفه ، تصنيفه معللا ، بأن يجمع في كل حديث طرقه واختلاف الرواة فيه ، كما فعل يعقوب بن شيبة " (51) .
والخلاصة أن المسانيد على مراتب منها :

المرتبة الأولى : المسانيد المنتقاة .

المرتبة الثانية : المسانيد المعلة .

المرتبة الثالثة : المسانيد العامة ، وهي أكثر المسانيد .

وقد نبه السخاوي إلى نحو من ذلك فقال : " ثم من أهلها من يجمع في ترجمة كل صحابي ما عنده من حديثه من غير نظر لصحته وغيرها ، وهم الأكثر ، ومنهم من يقتصر على الصالح للحجة كالضياء "(52)
وإليك بعض المسانيد بحسب مراتبها ، في المباحث الآتية :

المبحث الأول : المسانيد المنتقاة - أصح المسانيد - .
تتميز المسانيد المنتقاة بانتخاب أصحابها لأصح الروايات وأجودها فيما يُروى عن الصحابة ، إلا إنه من الجدير بالتنبيه إليه - كما تقدم - أن الحكم لمسند بأنه أصح المسانيد ، أو الحكم لحديث بأنه : أصح ما في الباب ، لا يلزم أن يفيد صحة المسند نفسه أو الحديث ، وفي ذلك يقول الحافظ العراقي : " لا يلزم من كونه يُخرج أمثل ما يجد عن الصحابي ، أن يكون جميع ما خرَّجه صحيحًا ، بل هو أمثل بالنسبة لما تركه " (53)

وأشهر تلك المسانيد المنتقاة .

1 - مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ( ت 142 هـ ) ، وهو من أنقى المسانيد كما يقول الحافظ ابن حجر عنه في باب المفاضلة بين المسانيد : " لا يشك منصف أن مسنده أنقى أحاديث وأتقن رجالا من غيره ، وهذا يدل على أنه انتخبه " (54)
ومما يدل على ذلك قول ابنه عبد الله عن بعض الأحاديث : " وهذا الحديث لم يخرجه أبي في مسنده من أجل ناصح ؛ لأنه ضعيف في الحديث ، وأملاه عليَّ في النوادر " (55) ويقول حنبل بن إسحاق : " جمعنا أحمد أنا وابناه : عبد الله وصالح ، وقال : انتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفًا ، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فارجعوا إليه ، فإن وجدتموه وإلا فليس بحجة " (56) ويُحمل إطلاق الإمام أحمد ذلك الحكم ، على أن في مسنده أصول أو نظائر أو شواهد أو ما يقوم مقام الأحاديث الصحيحة التي خلا منها المسند ، ولعله بهذا يجاب عن قول الحافظ العراقي : " ثَمَّ أحاديث صحيحة مخرجة في الصحيح وليست في مسند أحمد ، منها : حديث عائشة في قصة أم زرع " (57) وقد أجاب الحافظ ابن حجر عليه بما تقدم .
ومن المعلوم أن كون المسند منتقى لا يلزم منه صحة جميع ما فيه ؛ إذ فيه الضعيف بل والموضوع ، وقد أفرد الحافظ ابن حجر جزءًا سماه : " القول المُسَدَّد في الذب عن مسند الإمام أحمد " ، وذكر فيه الأحاديث الموضوعة والواهية التي انتُقدت في مسند الإمام أحمد ، ثم أجاب عنها ، ولكن لا تخلو إجابته في بعض المواضع من الحاجة إلى تأمل ، وإعادة نظر ، إذ حَسَّن أحاديث كان قد حكم عليها بالوضع فريق من الأئمة قبله كشيخ الإسلام ابن تيميَّة (58)

2 - مسند الإمام : إسحاق بن راهُوَيْه (59) ( ت 238 هـ ) ، الذي ذكر نفسه أنه : " انتقى في مسنده أصح ما وجده من حديث كل صحابي إلا أن لا يجد ذلك المتن إلا من تلك الطريق ، فإنه يخرِجه " (60) كما صرح أيضًا بقوله عن صنيعه : " خرجت عن كل صحابي - صح - أمثل ما ورد عنه " (61)
وذكر ذلك أبو زرعة الرازي قائلا : إن إسحاق يخرج أمثل ما ورد عن ذلك الصحابي (62)
ولا يلزم من التعبير بذلك صحة جميع ما فيه ، وفي كلام الإمام إسحاق نفسه ما يشير إلى ذلك ، ومسنده فيه بعض الأحاديث الضعيفة والواهية ، وفي ذلك يقول الحافظ العراقي : " لا يلزم من كونه يخرج أمثل ما يجد للصحابي أن يكون جميع ما خرجه صحيحًا ، بل هو أمثل بالنسبة لما تركه " (63) ثم ذكر بعض الأمثلة على الأحاديث الضعيفة الموجودة فيه .
مسند الإمام : بقي بن مَخْلَد الأندلسي القرطبي ( ت 276 هـ ) ، وقد انتقى أحاديثه مثل انتقاء الإمام إسحاق ابن راهُوَيْه كما نبه إلى ذلك الحافظ ابن حجر (64) وأشار إلى ذلك الإمام أبو محمد . علي بن أحمد بن سعيد بن حزم ( ت 456 هـ ) عندما وصف طريقة ترتيب مسنده قائلا : " لا أعلم هذه الرتبة لأحد قبله ، مع ثقته ، وضبطه ، وإتقانه ، واحتفائه فيه في الحديث ، وجودة شيوخه ، فإنه روى عن مائتي رجل وأربعة وثمانين رجلا ليس فيهم عشرة ضعفاء ، وسائرهم أعلام مشاهير " (65)
البحر الزخار ، وهو : مسند الإمام أبي بكر : أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ( ت 292 هـ ) وقد انتقاه ، واجتهد فيه ، ومما يفيد ذلك أنه أحيانًا يروي الحديث الذي فيه مقال ، ثم يبين علته ، ويعتذر عن تخريجه له بأنه لم يعرفه إلا من هذا الوجه ، مثل صنيعه عند حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مرفوعًا : " < الْمَهْدِيُّ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ > " ، حيث قال : " لا نعلمه يُروى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد ، وإنما كتبناه مع لين ياسين ؛ لأنا لم نعرفه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، إلا بهذا الإسناد فلذلك كتبناه وبينّا العلة فيه " (66).
الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين لضياء الدين أبي عبد الله : محمد بن عبد الواحد بن أحمد الحنبلي المقدسي ( ت 643 هـ ) ، وهو مرتب على مسانيد الصحابة ، واشترط الصحة في كتابه ، وعن ذلك يقول السخاوي : " منهم من يقتصر على الصالح للحجة ، كالضياء " (67) وتسميته : بالمختارة ، دليل على ذلك ، وهو يقول في مقدمته : " هذه أحاديث اخترتها مما ليس في البخاري ومسلم ، إلا أنني ربما ذكرت بعض ما أورده البخاري تعليقًا ، وربما ذكرنا أحاديث بأسانيد جياد ولها علة ، فنذكر بيان علتها حتى يُعرف ذلك " (68)
المبحث الثاني : المسانيد المُعَلة .
عِلل الأحاديث فن جليل خفي تُميز به الأحاديث صحة وضعفًا ، ويُعرف بعدة مسالك ، منها جمع طرق الحديث وما جاء في الباب ومقارنة بعضها ببعض ، والنظر في حال رواتها واختلافهم ، فقد روى الحاكم بإسناده عن يحيي بن معين أنه قال : " لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجهًا ما عقلناه " (69) ويقول الخطيب البغدادي : " السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه ، وينظر في اختلاف رواته ، ويعتبر بمكانتهم من الحفظ ، ومنزلتهم في الانتقاء والضبط " (70)
ولقد عُني عدد من مؤلفي المسانيد بعلل الأحاديث ، عناية كبيرة ، بالرغم من أن أيَّا منهم لم يُتمَّ مسنده المُعَل ، قال أبو القاسم : عبيد الله بن أحمد بن عثمان الأزهري ( ت 435 هـ ) : " سمعت الشيوخ يقولون : لم يتم مسند معل قط " (71)
والمصنفات في العلل منها ما هو على المسانيد ، ومنها ما هو على الأبواب ، والكلام هنا على : المسانيد التي يروي مؤلفوها الحديث بإسنادهم مع بيان العلل والاختلاف والتفرد ، ومنها :
المسند الكبير المعلل للإمام يعقوب بن شيبة بن الصلت السدوسي ( ت 262 هـ ) . قال عنه الإمام محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت 748 هـ ) : " صاحب المسند الكبير العديم النظير المعلل الذي تم من مسانيده نحو من ثلاثين مجلدًا ، ولو كمل لجاء منه مجلد " (72) والمطبوع منه جزء صغير من مسند أمير المؤمنين : عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (73)
العلل الكبير للإمام أبي عيسى : محمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي ( ت 279 هـ ) ، وهو مرتب على المسانيد ، إلا أن أبا طالب : محمود بن علي بن أبي طالب القاضي ( ت 585 هـ ) قد رتبه بعدئذ على الأبواب ، وهو مطبوع متداول ، وتظهر فيه عناية الإمام الترمذي الكبرى بكلام شيخه الإمام أبي عبد اللهالبخاري في العلل ، حيث كان يسأله عن الأحاديث ، ويجيبه الإمام البخاري عما فيها من العلل .
البحر الزخار المعروف بمسند البزار - المتقدم ، يقول الحافظ إسماعيل ابن عمر بن كثير الشافعي الدمشقي ( ت 774 هـ ) عنه : " في مسند الحافظ أبي بكر البزار من التعاليل ما لا يوجد في غيره من المسانيد " (74) ولعله يريد ما فيه من العناية ببيان تفرد الرواة .
مسند الإمام أبي علي : الحسن بن محمد بن ماسَرْجِس الماسَرْجِسي ( ت 365 هـ ) ، قال السخاوي عنه : " له مسند معلل في ألف وثلاثمائة جزء " (75)
المبحث الثالث : المسانيد العامة.

المسانيد العامة هي تلك التي لم يُعْنَ فيها أصحابها بانتقاء الأحاديث ولا ببيان عللها ، وإنما كان همهم الجمع للروايات دون النظر إلى مدى صحتها أو ضعفها ، ودون الاهتمام بجمع طُرُقها واختلاف رواتها ومنازلهم جرحًا وتعديلا ، ومن أشهر تلك المسانيد الكثيرة :
مسند أبي بكر : عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ( ت 235 هـ ) .
المنتخب من مسند عبد بن حميد ( 249 هـ ) ، انتخبه من مسنده الكبير .
مسند أبي بكر : محمد بن هارون الرُّويَاني ( ت 307 هـ ) .
مسند الهيثم بن كليب الشاشي ( ت 335 هـ ) .

الباب الثاني : أنواع المسانيد وطريقة ترتيبها .

الفصل الأول : أنواع المسانيد .

تتنوع المسانيد بالنسبة لشموليتها ، إلى نوعين :
النوع الأول : المسانيد الشاملة .
والنوع الثاني : المسانيد الخاصة ، وقد نبه الحافظ ابن حجر العسقلاني إلى أصل هذا التقسيم ، فقال عند تقسيم المسانيد : " الباب الثاني : في المسانيد ، وبدأت بالكوامل منها ، ثم بالمفردات " (76)
المبحث الأول : المسانيد الشاملة .
المسانيد الشاملة هي تلك التي جُمعت فيها مرويات كثير من الصحابة وعامتهم في الغالب ، وهي على أقسام - كما سبق بيانها - :
القسم الأول : المسانيد المنتقاة .
القسم الثاني : المسانيد المعلة .
القسم الثالث : المسانيد العامة ، وهي : بقية المسانيد التي تشتمل على الثابت وغيره ، دون بيان العلل (77)
المبحث الثاني : المسانيد الخاصة .
المسانيد الخاصة هي : تلك المسانيد التي جُمعت فيها مرويات صحابي واحد ، أو مرويات عدد من الصحابة يجمعهم وصف مخصوص ، وتقدم أن الحافظ ابن حجر سماها بالمفردات (78) وأشار السخاوي أيضًا إلى صنيع مؤلفيها فقال : " ومنهم من يقتصر على صحابي واحد كمسند أبي بكر مثلا أو مسند عمر " (79) وقال محمد بن جعفر الكتاني ( ت 1345 هـ ) : " قد يقتصر في بعضها على أحاديث صحابي واحد ، كمسند أبي بكر ، وأحاديث جماعة منهم كمسند الأربعة أو العشرة ، أو طائفة مخصوصة جمعها وصف واحد ، كمسند المقلين ، ومسند الصحابة الذين نزلوا مصر إلى غير ذلك " (80)
ومما سبق يتبين أنها على أحوال :
الحال الأولى : المسانيد الخاصة بمرويات صحابي واحد ، ومن ذلك :
1 - مسند عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأبي أمية : محمد بن إبراهيم الطَرْسُوسي ( ت 273 هـ ) .
2 - مسند أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لأبي بكر : أحمد بن علي بن سعيد الأموي المروزي ( ت 292 هـ ) .
3 - مسند عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ، لأبي بكر : عبد الله بن - الإمام أبي داود صاحب السنن - سليمان بن الأشعث السجستاني ، ( ت 316 هـ ) .
4 - مسند عبد الله بن أبي أوفى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، لأبي محمد : يحيي بن محمد بن صاعد ( ت 318 هـ ) .
مسند سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، لأبي عبد الله : أحمد بن إبراهيم بن كثير الدورقي البغدادي ( ت246 هـ ) .
مسند عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، لأبي بكر : أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد الفقيه البغدادي ( ت 348 هـ ) .
الحال الثانية : المسانيد الخاصة بجمع مرويات عدد من الصحابة يجمعهم وصف معين ، مثل معرفة المُقلين من الصحابة - وهم : من قلّت مروياتهم - ومن ذلك :
* المنتقى من مسند المُقلين للحافظ دَعْلَج بن أحمد السِّجزي ( ت 351 هـ ) .
الفصل الثاني : طريقة ترتيب المسانيد .

المبحث الأول : طريقة ترتيب المسانيد إِجمالا : تقدم ما يدل على أن مؤلفي المسانيد جعلوا مرويات كل صحابي على حدة ، ولهم بعد ذلك عدة مسالك في ترتيب أسماء الصحابة رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وكذا في ترتيب مرويات كل واحد منهم .

وعلى ذلك فالكلام عن طريقة ترتيب المسانيد من جانبين ، كما يلي :

المطلب الأول : طريقة المسانيد في ترتيب أسماء الصحابة رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ :
لأهل المسانيد طرق متعددة في ترتيب أسماء الصحابة رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، داخل مسانيدهم ، وهي مبينة في الصور الآتية :
الصورة الأولى : الترتيب بحسب السابقة في الإسلام بحيث يُقدمون في الرجال :
العشرة المبشرين بالجنة ، وهم : الخلفاء الأربعة ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عُبيد الله ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وأبو عبيدة بن الجراح ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ .
ثم أهل بدر .
( ج ) ثم أهل الحديبية .
( د ) ثم من أسلم وهاجر بين الحديبية والفتح .
( هـ ) ثم من أسلم يوم الفتح .
( و ) ثم أصاغر الأسنان كالسائب بن يزيد ، وأبي الطفيل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا :
ويُقدمون في النساء غالبا : أمهات المؤمنين ، مبتدئين بأم المؤمنين عائشة ، ثم حفصة بنت عمر ، وأم سلمة : هند بنت أبي أمية ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، وزينب بنت جحش ، وميمونة بنت الحارث ، وجويرية بنت الحارث ، وصفية بنت حُيَي ، وسودة بنت زمعة رضوان الله عليهن .
وهذه الطريقة في ترتيب أسماء الصحابة فصَّلها غير واحد من الحفاظ ، يقول الخطيب البغدادي : " وهذه الطريقة أحب إلينا في تخريج المسند " (81) وبنحوه قال ابن الصلاح (82) وقالا ذلك مقارنة بالصور الآتية :
الصورة الثانية : الترتيب بحسب القبائل بحيث يُقدمون : بني هاشم ، ثم الأقرب فالأقرب إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النسب .
الصورة الثالثة : الترتيب بحسب الحروف الهجائية ، كما هو ظاهر في معجم الطبراني الكبير ، والأحاديث المختارة للضياء المقدسي (83)
الصورة الرابعة : ما لم يُرتب على المسانيد ، ولا على الأبواب ، وهي مسانيد قليلة جدًّا ، يمثلها :
* مسند الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي البغدادي ( ت 282 هـ ) ، فقد ذكر الإمام الذهبي : أنه لم يرتب على الأبواب ولا على المسانيد (84)
وقد قام العلامة علي بن أبي بكر الهيثمي ( ت 807 هـ ) بترتيب زوائد مسند الحارث على الأبواب الفقهية ، وسماه : " بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث " .
ومن الأمور المشتركة في المسانيد المطبوعة ما يلي :
1 - تقديم العشرة المبشرين بالجنة مبتدئين بالأربعة الخلفاء رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، في الغالب .
ومن المسانيد المرتبة كذلك :
* مسند حديث أبي داود : سليمان بن داود الطيالسي والذي جمعه غيره .
* مسند عبد الله بن الزبير الحميدي .
* مسند إسحاق بن إبراهيم راهُويَه الحنظلي .
* مسند الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني .
* المنتخب من المسند الكبير لعبد - صح - بن حميد .
* والبحر الزخار لأحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار .
* ومسند أبي يعلى : أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي .
* ومسند أبي بكر : محمد بن هارون الروياني .
* ومسند أبي سعيد : الهيثم بن كُليب الشاشي
2 - تقديم أمهات المؤمنين في النساء من الصحابة ، مبتدئين بعائشة رضوان الله عليهن ، وهذا في الغالب أيضًا .
وربما قدم بعضهم مسند فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، و رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، عمن سواها كما في مسند أبي داود الطيالسي .
3 - جمع مسانيد نساء الصحابة في موضع أثناء مسانيد الرجال غالبًا ، وربما جعلت مسانيد نساء الصحابة مجتمعات في آخر مسانيد الرجال ، كصنيع عبد بن حميد في المنتخب من مسنده .
4 - يغلب أيضًا على هذه المسانيد : تقسيم مسند كل صحابي من المكثرين على التراجم ، أي : تقسيم مرويات الصحابي على حسب من روى عنهم .
ومنهم من يبدأ ذلك برواية الصحابة عن الصحابي صاحب المسند ، وهو ما يعرف بتقسيم المرويات على الطبقات ، وسيأتي - إن شاء الله - بيان ذلك مفصلا في المبحث الثاني .
وهذه الصور الإجمالية في هذا الجانب ، قد نبه إليها : الخطيب البغدادي (85) وابن الصلاح (86) والسخاوي (87) وغيرهم .
المطلب الثاني : طريقة المسانيد في ترتيب مرويات كل صحابي .
سلك مصنفوا المسانيد عدة طرق في ترتيب مرويات كل صحابي ، منها ما يلي :
الصورة الأولى : ترتيب مرويات الصحابي على التراجم ، وذلك بأن يجعلوا مرويات كل تابعي عن ذلك الصحابي على حِدة ، ويضعوا ذلك عنوانًا له ، كقولهم : ما رَوى سعيد بن جبير عن ابن عباس ، ثم يسوقوا بأسانيدهم مرويات سعيد بن جبير عن ابن عباس في ذلك الموضع .
يقول أبو عبد الله الحاكم : " التراجم شرطها أن يقول المصنف : ذكر ما رُوي عن أبي بكر عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، ثم يترجم هذا المسند فيقول : ذكر ما رَوى قيس بن أبي حازم عن أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صحيحًا أو سقيمًا " (88)
ومن أمثلة المسانيد المرتبة وفق هذه الطريقة : مسند الطيالسي ، والبحر الزخار للبزار ، ومسند الهيثم الشاشي ، من المسانيد التي سبق ذكرها (89)
الصورة الثانية : ترتيب مرويات الصحابي على أبواب الفقه ، وهي طريقة تجمع بين : الترتيب على المسانيد والترتيب على الأبواب ، إلا أن الكتب المرتبة وفقها تُعد من المسانيد ؛ لأن ترتيبها الأساسي على المسانيد ، وترتيبها على الأبواب تبع له .

والمسانيد المرتبة على هذا النحو قليلة بالنسبة لغيرها ، ومنها :

* مسند الحميدي ، فقد رتب أحاديث جماعة من الصحابة المكثرين على الأبواب (90)
* ومسند بقي بن مَخْلَد القرطبي ، الذي قال عنه ابن حزم : " مُصَنَّفه الكبير الذي رتبه على أسماء الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فروى فيه عن ألف وثلاثمائة صاحب ونيف ، ثم رتب حديث كل صاحب على أسماء الفقه وأبواب الأحكام ، فهو مُصَنَّف ومُسْنَد ، ولا أعلم هذه الرتبة لأحد قبله " (91) على أن كلام ابن حزم محل تأمل ؛ من أجل صنيع الحميدي - الآنف الذكر - المتوفى سنة 219 هـ .
الصورة الثالثة : سرد مرويات كل صحابي دون ترتيب معين ، ومن أمثلة المسانيد التي جُمعت فيها المرويات كذلك :
* مسند ابن أبي شيبة .
* ومسند الإمام أحمد .
* ومسند أبي يعلى الموصلي .
المبحث الثاني : طريقة ترتيب أشهر المسانيد تفصيلا .
المطلب الأول : طريقة ترتيب مسند الإمام الحميدي .
روى الإمام الحميدي في مسنده عن : " 180 " صحابيًّا - بحسب المطبوع - ، ولم يخرج أحاديث طلحة بن عبيد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، وهو أحد المبشرين بالجنة .
وعدد الأحاديث على حسب ترقيم محققه ( حبيب الرحمن الأعظمي ) : ( 1300 ) (92) واستدرك أيضًا : حديثًا واحدًا وجده في بعض النسخ ، ونبه إليه ، وهذا العدد بالمكرر ، ويدخل فيه : المرفوع ، والمرسل ، والموقوف ، والمقطوع ، وغيرها واقتصر الإمام الحميدي في غالب مسنده على مرويات شيخه سفيان بن عُيينة ، وعللها واختلاف الرواة فيها ، وليس ببعيد القول بأن هذا الكتاب أفرده الحُميدي لترتيب مرويات شيخه المذكور : على مسانيد الصحابة ، وحيث إن غالب مروياته في هذا المسند عن شيخه سفيان ، وأما مروياته فيه عن غيره ، فعددها : " 48 " حديثًا (93) وهي قليلة بالنسبة لمجموع مرويات الكتاب ، وهي : " 1300 " حديثٍ كما سبق ، فتصبح نسبتها : أقل من 4 % .
ويتنبه إلى أنه قرن سفيان بغيره في أربعة أحاديث منها ، كما أن مجموعة من هذه الأحاديث ، ساقها الحُميدي أثناء بيانه لعلل أحاديث شيخه سفيان بن عُيينة ، فكأنه ذكرها تبعًا .
وقد رتب الإمام الحُميدي مروياته على مسانيد الصحابة ، ورتب مرويات المكثرين منهم على الأبواب ، أما على وجه التفصيل ، فترتيبه على النحو الآتي :
رتب المرويات بحسب مسانيد الصحابة ، وربما روى في مسند صحابي حديث صحابي آخر ؛ لتعلق ذلك بالمتن ، أو بقصة في الإسناد ، ولم يذكر في مسانيد كثير من الصحابة الذين أخرج لهم ، إلا حديثًا أو حديثين ، وكذا اقتصر في المكثرين منهم على مجموعة أحاديث ليست بالكثيرة بالنسبة لعدد مروياتهم المعروفة ، والذي يظهر أنه إما خص كتابه هذا بمرويات سفيان بن عُيينة لهم ، أو أنه انتقى ما أورده من مرويات ابن عُيينة ، وقد ذكر الإمام محمد بن إدريس الشافعي ( ت 204 هـ ) أن الحُميدي يحفظ لسفيان : عشرة آلاف حديث (94)
رتب أحاديث المكثرين من الصحابة على أبواب الفقه في الغالب ، وهذا يظهر من سرده للأحاديث في مسند الصحابي ، ومن ذلك صنيعه في مسند عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، حيث بدأ بأحاديث الوضوء (95) ثم بوب بأحاديث الصلاة ، وأحاديث الصيام ، والحج ، والجنائز ، والأقضية ، وكذا صنع في مسند عبد الله بن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، حيث بوب بأحاديث الحج ، وبوب أيضًا فيه فقال : " أحاديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا التي قال فيها : سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، ورأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " (96) ومسند أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حيث بوب ( بالجنائز ، والجهاد ، والأقضية - وجامع أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ) وغير ذلك .
بدأ مسانيد الرجال بالعشرة المبشرين بالجنة ، إلا طلحة بن عُبيد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلم يذكره ، ولعله لم يظفر برواية من طريقه ، أو لم يظفر بذلك من مرويات شيخه سفيان بن عُيينة لأحاديث طلحة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، ثم ساق بعد ذلك بقية مسانيد الصحابة من غير استيعاب ، وجمع مسانيد الصحابيات رضوان الله عليهن في موضع في أثناء أوائل مسانيد الرجال ، وابتدأها بأحاديث أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن ، وقدّم عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، ثم بقية النساء من غير استيعاب .

المطلب الثاني : طريقة ترتيب مسند الإِمام أحمد :

رتب الإمام أحمد أحاديث كتابه على مسانيد الصحابة ، وقسّمها بضع عشر مسندًا من المسانيد الرئيسة أو مجاميع المسانيد ، وقد ذكر العلامة محمد بن جابر الوادي آشي ( ت749 هـ ) أن عدد مسانيد الإمام أحمد ستة عشر مسندًا (97) ويقول الحافظ ابن حجر : " مسند أحمد يشتمل على ثمانية عشر مسندًا ، وربما أضيف بعضها إلى بعض " (98) وفي موضع آخر ذكر أنها : سبعة عشر مسندًا (99) وبتوجيه ابن حجر يجمع بين هذه الأقوال .
وتلك الأرقام هي لأعداد المسانيد الرئيسة التي جعلها الإمام أحمد في مسنده كالكتب وترجم بها كقوله - مثلا - : " مسند بني هاشم " والحقيقة أنه يُدخل تحتها عدة مسانيد للصحابة ، ولكنه ربما اقتصر على مرويات صحابي واحد فيها إذا كان من المكثرين ، ويترجم له بقوله : " حديث ابن عباس " - مثلا - ، وأما عدد مسانيده من حيث التفصيل ، على حسب ما أورده الحافظ علي بن الحسين بن عساكر ، ( ت571 هـ ) فهي : 1056 مسندًا (100)
وقد ذكر أهل العلم أن المسند يشتمل على ثلاثين ألف حديث غير المكرر ، وأربعين ألفًا مع المكرر ، وما يزيد على ثلاث مائة حديث ثلاثية الإسناد ، هذا هو المعروف عندهم في وصف المسند (101) ولكن عدد أحاديث المسند المطبوع (102) أقل من ذلك ، ويحتمل ذلك عدة أمور منها :
( أ ) كون النسخة المخطوطة المعتمد عليها في الطباعة ناقصة .
( ب ) ربما تم اعتبار مجموعة من الأحاديث حديثًا واحدًا ، بينما هي أكثر من ذلك كمرويات النسخ .
( ج ) ربما لم يتم اعتبار المرويات التي يسوقها الإمام أحمد من أقوال التابعين ونحوهم في شرح الغريب ، ونحو ذلك .
وقد اشتمل المسند كذلك على مرويات للإمام أحمد من غير المسند ، وهي الأحاديث التي قام ابنه عبد اللهبنقلها إلى مرويات المسند ، وهذا النوع من المرويات قليل ، ومن أمثلته قول عبد الله : " حدثني أبي حدثنا علي بن ثابت الجزري ، عن ناصح أبي عبد الله ، عن سماك بن حرب ، عن جابر بن سمرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال : " < لأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ . . . الحديث > " ، ثم قال عبد الله : وهذا الحديث لم يخرجه أبي في مسنده من أجل ناصح ؛ لأنه ضعيف في الحديث ، وأملاه عليَّ في النوادر " (103) ومنه أيضًا قول عبد الله : " حدثني أبي أملاه علينا من النوادر ، قال : كتب إليَّ أبو توبة " (104)
كما تضمن مسند الإمام أحمد زيادات لابنه عبد الله - راوي المسند عن أبيه - لم يروها والده قال عنه الذهبي : " له زيادات كثيرة في مسند والده " (105) هذا بالنظر إلى عددها ذاتها ، ولكنها قليلة بالنسبة لعدد مرويات المسند .
وبالتأمل في مسند الإمام أحمد المطبوع يتبين :

1 - أن المسند مقسم إلى عدة مساند رئيسة ، وهي التي ترجم لها غالبًا بقوله مثلا : " مسند العشرة وما معه ، ومسند أهل البيت " وهي تشتمل على مجموعة من مرويات عدد من الصحابة ، وقد بوب أيضًا على مرويات صحابي واحد بقوله : ( مسند ) ، مثل : " مسند عبد الله بن عباس ، ومسند ابن مسعود ، ومسند أبي هريرة " ، ويلحظ أن هؤلاء الذين أفردهم بهذا التبويب من المكثرين في الغالب ، وفي المسانيد التي يترجم بها وهي جامعة كقوله : ( مسند العشرة ) ، يفصل مرويات كل صحابي على حِدة ، ويبوب عليها بقوله : " حديث أبي بكر ، وحديث عمر بن الخطاب " .

2 - بُدء الرجال بالعشرة المبشرين بالجنة ، وقدم حديث الأربعة الخلفاء ، ثم رُتبت البقية بعد ذلك بحسب البلدان ، مثل قوله : مسند البصريين (106) ومسند المكيين (107) ومسند المدنيين (108) ومسند الكوفيين (109) أو بحسب القبائل ، وأهل بيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (110) والأنصار (111) وغير ذلك ، وربما كُررت مرويات الصحابي في أكثر من موضع تارة باعتبار بلده ، وتارة باعتبار قبيلته ، أو أسبقيته في الإسلام ، ومن ذلك أنه أخرج مرويات حارث بن أُقَيْش في مسند الأنصار (112) ثم أخرجها في مسند الشاميين (113) وكذا حارث بن زياد الأنصاري ، أخرج له في موضعين : مسند المكيين (114) ومسند الشاميين (115) وقد رتب ابنه عبد الله مسانيد المقلين ، قال الحافظ ابن حجر : " لم يرتب - يعني الإمام أحمد - مسانيد المقلين ، فرتبها ولده عبد الله ، فوقع منه إغفال كبير من جعل المدني في الشامي ، ونحو ذلك " (116)
وأما مرويات النساء فقد فُرقت في المطبوع من المسند في عدة مواضع (117) وجُمعت مرويات أكثرهن في أواخر المسند (118) متتابعة ، وقُدِّم : حديث عائشة أم المؤمنين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (119) ثم : حديث فاطمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (120) إلى بقية أحاديث أمهات المؤمنين ، وبقية النساء رضوان الله عليهن ، وتُرجم لأحاديث المبهمات من أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مواضع أخرى ، مثل قوله (121) حديث بعض أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
ترجم أيضًا لمسانيد المبهمين والمبهمات من الصحابة رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، بحسب ما جاء في الرواية ، كقوله : " حديث رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (122)
في آخر المسند (123) بعد مرويات النساء ، أخرج مرويات أربعة من الصحابة ، حيث ترجم لأولهم فقال : " حديث صفوان بن أمية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " (124) ثم : " حديث أبي بكر بن أبي زُهير الثقفي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " (125) ثم : " حديث والد بعجة بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " (126) ثم : " حديث شداد بن الهاد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " (127) وبه ختم المسند المطبوع ، وأحاديث صفوان جاءت في موضع آخر (128) وكذا أبو بكر بن أبي زُهير (129) وشداد بن الهاد (130)
المطلب الثالث : طريقة ترتيب مسند أبي يعلى الموصلي :

لمسند أبي يعلى روايتان على المشهور :

الأولى : الرواية المختصرة ، وهي رواية أبي عمرو : محمد بن أحمد بن حَمْدان الحِيري ( ت 376 هـ ) عن أبي يعلى الموصلي (131) وهي التي اعتمد عليها الحافظ علي بن أبي بكر الهيثمي ( ت 807 هـ ) في كتابه : مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (132) ذكر ذلك ابن حجر (133)
الثانية : الرواية المطولة وتُسمى ( المسند الكبير ) ، وهي رواية أبي بكر : محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم بن المقرئ الأصبهاني ( ت381 هـ ) عن أبي يعلى الموصلي ، واعتمد عليها الهيثمي في كتابه : المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي ، والعلامة أبو العباس : أحمد بن أبي بكر البوصيري ( ت 840 هـ ) ، في كتابه : إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانيد العشرة ، ومختصره ، وذكر ذلك في آخرهما (134) واعتمد عليها أيضًا الحافظ ابن حجر في تتبعه لما فات الهيثمي ، وقد أودعها ابن حجر كتابه : المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية .
وقد روى الإمام أبو يعلى الموصلي في مسنده (135) عن ( 210 ) صحابة ، وعدد أحاديثه : ( 7555 ) حديثًا أغلبها من المرفوع .
ورتب المرويات على مسانيد الصحابة ، ورتب مرويات المكثرين منهم على التراجم (136) في الغالب ، حيث :
بدأ الرجال بمرويات العشرة - إلا عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، ثم بمرويات مجموعة من الصحابة المقلين (137) ثم المكثرين من الصحابة ، وهم : جابر بن عبد الله ، ثم عبد الله بن عباس ، ثم أنس بن مالك ، ثم عائشة ، ثم عبد الله بن مسعود ، ثم ابن عمر ، ثم أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (138) ثم بمجموعة من قرابة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وآل بيته (139) وهم : الفضل بن عباس ، وفاطمة ، والحسن والحسين ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، ثم بمجموعة من الصحابة المقلين أيضًا والذي يظهر أنه اعتبر أهل القبائل منهم ، وذكر معهم بعض المبهمين (140) ثم عاد إلى النساء وبدأهن بأمهات المؤمنين - في الغالب - إلا عائشة حيث تقدمت مع المكثرين - ، ثم ببقية النساء ، والمبهمات (141) ثم عاد إلى الرجال (142)
رتب مرويات المكثرين بحسب الرواة عنهم ، وهذا يظهر في مسند جابر بن عبد الله (143) وأنس بن مالك (144) - مثلا - ، وقد ترجم بالرواة عن أنس في مسنده بعنوان ظاهر .
بدء الرجال بمسانيد العشرة المبشرين بالجنة ، وقدّم منهم الأربعة الخلفاء ، إلا إنه لم تُذكر مرويات : عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، وقد جاء في حاشية المخطوط ، بعد نهاية مسند عمر بن الخطاب : " مسند عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لم يكن من سماع أبي سعد الجَنْزَروذي - محمد بن عبد الرحمن بن محمد - ، عن أبي عمرو بن حَمْدان " ، ثم أورد مرويات بقية الرجال من الصحابة ، والذي يظهر أنه اعتبر فيهم بعض الأوصاف في الغالب ، مثل : كثرة المرويات ، والقبائل ، وأهل القرابة وآل البيت .
وضع مسند عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا في مسانيد المكثرين ، وأما بقية النساء ، فذكرهن مجتمعات في أواخر الكتاب تقريبًا ، وبدأهن بأمهات المؤمنين في الغالب .
ترجم لمسانيد المبهمين والمبهمات ، ومن ذلك قوله : " رجل غير مُسمَّى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " (145) وختم الكتاب بمرويات مجموعة من رجال الصحابة رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، بعد نهاية مرويات النساء (146)
المطلب الرابع : طريقة ترتيب مسند الإِمام أبي داود الطيالسي .
يفيد المحققون من أهل الحديث أن الإمام الطيالسي لم يؤلف المسند ، وإنما اكتفى من ذلك بروايته (147) وقد عني أبو مسعود الرازي - وهو جامع المسند - بأكثر مرويات الطيالسي عن شعبة ، وقد بلغ عدد الصحابة الذين لهم رواية فيه ( 267 ) صحابيًّا ، ويضاف إليهم : عشرة مسانيد على الأقل سقطت من المطبوع (148) وعدد أحاديثه ( 2767 ) حديثًا ، وفيه أحاديث لم ترقم (149)
ورُتبت أحاديثه على مسانيد الصحابة ، كما رُتبت مرويات المكثرين منهم على حسب من روى عنهم ، وتفصيل ذلك كما يلي :
رُتبت المرويات فيه على حسب مسانيد الصحابة ، حيث بُدئ بمرويات العشرة المبشرين بالجنة (150) ثم بمرويات المتوسطين والمقلين (152) وأولهم : عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وبعدها مرويات الآحاد وهم من لم يروِ إلا حديثًا أو حديثين (152) ثم مرويات النساء مجتمعات (153) ثم مرويات المكثرين من الصحابة رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ .
وربما رُوي في مسند صحابي ، حديث صحابي آخر ، لتعلق ذلك بالمتن أو بقصة الإسناد ، كما أنه قد يذكر حديث صحابي في موضعين ، مثل حديث جندب بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (154)
رتبت مرويات المكثرين ، بحسب من روى عنهم ، حيث : بُدئ برواية الرجال من الصحابة ، ثم برواية الأفراد عن الصحابة ، ثم برواية النساء عن الصحابة ، وقد صنع ذلك فيمن تعددت مروياتهم من المقلين أيضًا في الغالب ، وتم جمع المكثرين في موضع واحد متتابعين في آخر المسند .
بدئ ترتيب الرجال بمسانيد العشرة المبشرين بالجنة ، وقُدم فيهم الأربعة الخلفاء رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ (155) ثم بمرويات المتوسطين والمقلين من الصحابة ، ثم مرويات الآحاد منهم ، ثم مرويات النساء ثم مرويات المكثرين من الصحابة ، وهم : جابر بن عبد الله (156) ثم عبد الله بن عمر (157) ثم أنس بن مالك (158) ثم عبد الله ابن عمرو بن العاص (159) ثم أبو هريرة (160) ثم ابن عباس (161) وبه خُتم المسند .
ذُكرت النساء في موضع واحد مجتمعات ، أثناء مرويات الرجال بين مرويات الآحاد من الصحابة ، ومرويات المكثرين منهم ، وقُدم فيهن : فاطمة بنت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، ثم أمهات المؤمنين ، ثم بقية مرويات الصحابيات رضوان الله عليهن .
تمت الترجمة لمسانيد المبهمين والمبهمات رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، بحسب ما جاء في الرواية ، كقوله : " عم كثير بن الصلت " (162) .

الخاتمة :
تظهر من خلال هذه الدراسة عدة نتائج نجملها فيما يلي :
إن المسانيد التي اختلف أهل العلم في بيان أولها ، إنما هي الكتب التي جمع مؤلفوها أحاديث كل صحابي على حدة ، فلا يورد عليهم ما كان مرتبا على الأبواب ، وإن سمي مسندًا .
إن من المسانيد المنتقاة ما يُقدم على بعض كتب السنن الأربعة ، مثل مسند الإمام أحمد .
تقديم عدد من أهل العلم للمسانيد المعلة على غيرها ؛ مبني على فائدتها لأهل التخصص في الغالب .
جمع الإمام الحميدي وبَقِي بن مَخْلَد - وغيرهما - في مسنديهما بين الترتيب على المسانيد ، والترتيب على الأبواب .
إن أصحاب المسانيد رتبوها على مسالك معتبرة عندهم ، ولا يسلم قول من يرى عدم ترتيبها مطلقًا .

المسانيد نشأتها وأنواعها وطريقة ترتيبها - رسالة الإسلام






التعديل الأخير تم بواسطة ندى ; 05-07-2016 الساعة 07:28 AM
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الأسانيد, ترتيبها, وأنواعها, نشأتها, وطريقة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية
تابعونا عبر تويترتابعونا عبر فيس بوك تابعونا عبر وورد بريس


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO Designed & TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة لمنتدى آخر الزمان©

تابعونا عبر تويتر